الآيات 131-135

وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴿131﴾ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴿132﴾ وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى ﴿133﴾ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ﴿134﴾ قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ﴿135﴾

القراءة:

قرأ يعقوب وسهل زهرة بفتح الهاء والباقون بسكونها وقرأ أهل المدينة والبصرة وقتيبة وحفص أولم تأتهم بالتاء والباقون بالياء.

اللغة:

زهرة الحياة الدنيا حسنها ويجوز فتح العين فيها والزهرة النور الذي يروق عند الرؤية ومنه يقال لكل شيء مستنير زاهر ومنه الحديث في صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أزهر اللون أي نير اللون والزهراوان: البقرة وآل عمران ويوم الجمعة يوم أزهر.

الإعراب:

قال الزجاج زهرة منصوب بمعنى متعنا لأن معناه جعلنا لهم الحياة الدنيا زهرة لنفتنهم فيه أي لنجعل ذلك فتنة لهم ويجوز أن يكون حالا من الهاء في به ويجوز أن يكون حالا من ﴿ما متعنا به﴾.

﴿ولو أنا أهلكناهم﴾ تقديره ولو ثبت إهلاكهم لأن لو يقتضي الفعل فيكون ﴿أنا أهلكناهم﴾ في موضع رفع بأنه فاعل الفعل المقدر و﴿من أصحاب الصراط السوي﴾ تعلق بقوله ﴿فستعلمون﴾ وهو مبتدأ وخبر وكذلك ﴿من اهتدى﴾.

النزول:

قال أبو رافع نزل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضيف فبعثني إلى يهودي فقال قل إن رسول الله يقول بعني كذا وكذا من الدقيق أو أسلفني إلى هلال رجب فأتيته فقلت له فقال والله لا أبعه ولا أسلفه إلا برهن فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرته فقال والله لو باعني أو أسلفني لقضيته وإني لأمين في السماء وأمين في الأرض اذهب بدرعي الحديد إليه فنزلت هذه الآية تسلية له عن الدنيا.

المعنى:

﴿ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم﴾ وقد فسرناه في سورة الحجر وقال أبي بن كعب في هذه الآية من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه حسرات على الدنيا ومن يتبع بصره ما في أيدي الناس يطل حزنه ولا يشفي غيظه ومن لم ير لله عليه نعمة إلا في مطعمه ومشربه نقص علمه ودنا عذابه وروى أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لما نزلت هذه الآية استوى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالسا ثم قال هذه الكلمات التي تقدمت ﴿زهرة الحياة الدنيا﴾ أي بهجتها ونضارتها وما يروق الناظر عند الرؤية وقال ابن عباس وقتادة زينة الحياة الدنيا ﴿لنفتنهم فيه﴾ أي لنعاملهم معاملة المختبر بشدة التعبد في العمل بالحق في هذه الأمور وأداء الحقوق عنه وقيل لنفتنهم أي لنشدد عليهم التعبد بأن نكلفهم متابعتك والطاعة لك مع كثرة أموالهم وقلة مالك وقيل معناه لنعذبهم به لأن الله قد يوسع الرزق على بعض أهل الدنيا تعذيبا له ولذلك قال (عليه السلام) لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء ﴿ورزق ربك خير﴾ أي ورزق ربك الذي وعدك به في الآخرة خير مما متعنا به هؤلاء في الدنيا ﴿وأبقى﴾ أي أدوم ﴿وأمر أهلك بالصلاة﴾ معناه وأمر يا محمد أهل بيتك وأهل دينك بالصلاة روى أبو سعيد الخدري قال لما نزلت هذه الآية كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتي باب فاطمة وعلي تسعة أشهر عند كل صلاة فيقول الصلاة رحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ورواه ابن عقدة بإسناده من طرق كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) وعن غيرهم مثل أبي برزة وأبي رافع وقال أبو جعفر (عليه السلام) أمره الله تعالى أن يخص أهله دون الناس ليعلم الناس أن لأهله عند الله منزلة ليست للناس فأمرهم مع الناس عامة ثم أمرهم خاصة ﴿واصطبر عليها﴾ أي واصبر على فعلها وعلى أمرهم بها ﴿لا نسألك رزقا﴾ لخلقنا ولا لنفسك بل كلفناك العبادة وأداء الرسالة وضمنا رزق الجميع ﴿نحن نرزقك﴾ الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد به جميع الخلق أي نرزق جميعهم ولا نسترزقهم وننفعهم ولا ننتفع بهم فيكون أبلغ في الامتنان عليهم ﴿والعاقبة للتقوى﴾ أي العاقبة المحمودة لأهل التقوى قال ابن عباس يريد الذين صدقوك واتبعوك واتقوني وفي الأثر أن عروة الزبير كان إذا رأى ما عند السلطان دخل بيته وقرأ ولا تمدن عينيك الآيات ثم ينادي الصلاة الصلاة رحمكم الله ﴿وقالوا﴾ يعني الكفار ﴿لولا يأتينا﴾ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿بآية من ربه﴾ اقترحناها عليه كما أتى به الأنبياء، نحو الناقة ﴿أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى﴾ أي أو لم يأتهم في القرآن بيان ما في الكتب الأولى من أنباء الأمم التي أهلكناهم لما اقترحوا الآيات ثم كفروا بها فما ذا يؤمنهم أن يكون حالهم في سؤال الآية كحال أولئك ﴿ولو أنا أهلكناهم﴾ يعني كفار قريش ﴿بعذاب من قبله﴾ أي من قبل بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ونزول القرآن ﴿لقالوا﴾ يوم القيامة ﴿ربنا لو لا أرسلت إلينا﴾ أي هلا أرسلت ﴿رسولا﴾ يدعونا إلى طاعتك ويرشدنا إلى دينك ﴿فنتبع آياتك﴾ أي نعمل بما فيها ﴿من قبل أن نذل﴾ بالعذاب ﴿ونخزى﴾ في جهنم وقيل من قبل أن نذل في الدنيا بالقتل والأسر ونخزى في الآخرة بالعذاب فقطعنا عذرهم بإرسال الرسول فلم يبق لهم متعلق ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿قل﴾ يا محمد ﴿كل متربص﴾ أي كل واحد منا ومنكم منتظر فنحن ننتظر وعد الله لنا فيكم وأنتم تتربصون بنا الدوائر ﴿فتربصوا﴾ أنتم أي انتظروا وهذا على وجه التهديد ﴿فستعلمون﴾ أي فسوف تعلمون فيما بعد ﴿من أصحاب الصراط السوي﴾ أي أهل الدين المستقيم ﴿ومن اهتدى﴾ إلى طريق الحق أي أنحن أم أنتم وفي قوله سبحانه ﴿ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله﴾ الآية دلالة على وجوب اللطف لأنه سبحانه بين أنه إنما بعث الرسول إليهم لطفا لهم وأنه لو لم يبعثه لكان لهم الحجة عليه فكان في البعثة قطع العذر وإزاحة العلة وبالله التوفيق.