الآيات 126-130

قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴿126﴾ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴿127﴾ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى ﴿128﴾ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى ﴿129﴾ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴿130﴾

القراءة:

قرأ الكسائي وأبو بكر ترضى بضم التاء والباقون بفتحها.

الحجة:

حجة من فتح التاء قوله ﴿ولسوف يعطيك ربك فترضى﴾ وحجة من ضم التاء أنه جاء في صفة بعض الأنبياء وكان عند ربه مرضيا وكان معنى ترضى ترضى لفعلك ما أمرت به من الأفعال التي يرضاها الله أو ترضى بما تعطاه من الدرجة الرفيعة وترضى بما يعطيكه الله من الدرجة العالية والرتبة المرضية.

اللغة:

آناء الليل ساعاته واحدها إني قال السعيدي:

حلو ومر كعطف القدح مرته

بكل إني قضاه الليل ينتعل

الإعراب:

﴿أفلم يهد لهم﴾ فاعل يهد مضمر يفسره ﴿كم أهلكنا﴾ والمعنى أ فلم يهد لهم إهلاكنا من قبلهم من القرون وموضع كم نصب بأهلكنا.

المعنى:

﴿قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها﴾ هذا جواب من الله سبحانه لمن يقول لم حشرتني أعمى ومعناه كما حشرناك أعمى جاءك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن والدلائل فأعرضت عنها وتعرضت لنسيانها فإن النسيان ليس من فعل الإنسان فيتوعد عليه ﴿وكذلك اليوم تنسى﴾ أي تصير بمنزلة من ترك كالمنسي بعذاب لا يفنى وقيل معناه كما حشرتك أعمى لتكون فضيحة كنت أعمى القلب فتركت آياتي ولم تنظر فيها وكما تركت أوامرنا فجعلتها كالشيء المنسي تترك اليوم في العذاب كالشيء المنسي ﴿وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه﴾ أي وكما ذكرنا نجزي من أشرك وجاوز الحد في العصيان ولم يؤمن بآيات ربه أي لم يصدق بحجج ربه وكتبه ورسله ﴿ولعذاب الآخرة أشد﴾ من عذاب الدنيا وعذاب القبر ﴿وأبقى﴾ أي أدوم لأنه لا يزول وعذاب الدنيا وعذاب القبر يزول ﴿أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون﴾ يعني كفار مكة والمعنى أفلم يبين لهم طريق الاعتبار كثرة إهلاكنا القرون قبلهم بتكذيبهم رسلنا فيعتبروا ويؤمنوا وقوله ﴿يمشون في مساكنهم﴾ يريد أهل مكة كانوا يتجرون إلى الشام فيمرون بمساكن عاد وثمود ويرون علامات الإهلاك وفي هذا تنبيه لهم وتخويف أي أفلا يخافون أن يقع بهم مثل ما وقع بأولئك ﴿إن في ذلك﴾ أي في إهلاكنا إياهم ﴿لآيات﴾ أي لعبرا ودلالات ﴿لأولي النهى﴾ أي لذوي العقول الذين يتدبرون في أحوالهم ﴿ولو لا كلمة سبقت من ربك﴾ في تأخير العذاب عن هؤلاء الكفار إلى يوم القيامة وهو قوله ﴿لكان لزاما وأجل مسمى﴾ أي لكان العذاب لزاما لهم واقعا في الحال واللزام مصدر وصف به قال قتادة الأجل المسمى قيام الساعة وقال غيره هو الأجل الذي كتبه الله للإنسان أنه يبقيه إليه وقيل إن عذاب اللزام كان يوم بدر قتل الله فيه رءوس الكفار ولو لا ما قدر الله تعالى من آجال الباقين ووعدهم من عذاب الآخرة لكان ذلك القتل الذي نالهم يوم بدر لازما لهم أبدا في سائر الأزمان ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصبر على أذاهم بأن قال ﴿فاصبر على ما يقولون﴾ من تكذيبك وأذاهم إياك ﴿وسبح بحمد ربك﴾ أي صل لربك بالحمد له والثناء عليه وقيل معناه سبحه واحمده في هذه الأوقات ﴿قبل طلوع الشمس﴾ يعني صلاة الفجر ﴿وقبل غروبها﴾ يعني صلاة العصر ﴿ومن آناء الليل﴾ أي ساعاته قال ابن عباس هي صلاة الليل كله وقيل يريد أول الليل المغرب والعشاء الآخرة ﴿فسبح وأطراف النهار﴾ يعني الظهر وسمي وقت صلاة الظهر أطراف النهار لأن وقته عند الزوال وهو طرف النصف الأول وطرف النصف الثاني وهذا قول قتادة والجبائي ومن حمل التسبيح على الظاهر قال أراد بذلك المداومة على التسبيح والتحميد في عموم الأوقات ﴿لعلك ترضى﴾ بالشفاعة والدرجة الرفيعة وقيل بجميع ما وعدك الله به من النصر وإعزاز الدين في الدنيا والشفاعة والجنة في الآخرة.