الآيات 97-107

قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ﴿97﴾ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴿98﴾ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا ﴿99﴾ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ﴿100﴾ خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ﴿101﴾ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ﴿102﴾ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴿103﴾ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴿104﴾ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ﴿105﴾ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ﴿106﴾ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ﴿107﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وأهل البصرة غير سهل لن تخلفه بكسر اللام وقرأ الضرير لن نخلفه بالنون وكسر اللام وهو قراءة الحسن وقرأ الباقون ﴿لن تخلفه﴾ بفتح اللام وقرأ أبو جعفر لنحرقنه بفتح النون وسكون الحاء وتخفيف الراء وهو قراءة علي (عليه السلام) وابن عباس وقرأ أبو عمرو يوم ننفخ في الصور بالنون والباقون ﴿ينفخ﴾ بالياء وفتح الفاء وفي الشواذ قراءة أبي حيوة لا مساس وقرأ مجاهد وقتادة وسع كل شيء علما وقرأ ابن عياض في الصور بفتح الواو.

الحجة:

قال أبو علي أخلفت يتعدى إلى مفعولين ﴿لن تخلفه﴾ مثل لن تعطاه لما أسندت الفعل إلى أحد المفعولين فأقمته مقام الفاعل بقي الفعل متعديا إلى مفعول واحد وفاعله الذي يخلف هو الله تعالى أو موسى ومعناه سيأتيك به ولن يتأخر عنك ولن تخلفه أي سيأتيه ولا مذهب لك عنه وقال ابن جني معناه لن تصادفه مخلفا كقول الأعشى:

أثوى وقصر ليلة ليزودا

فمضى وأخلف من قتيلة موعدا

وهو وعيد والمعنى في قراءة الأولى أبين وأما نخلفه بالنون فالمعنى لن نخلفك إياه أي لن ننقص منه ما عقدناه لك وقوله لنحرقنه من قولهم فلان يحرق علي الأرم أي سحك أسنانه بعضها ببعض غيظا علي قال زهير:

أبي الضيم والنعمان يحرق نابه

عليه فأفصى والسيوف معاقلة

فكان لنحرقنه على هذا لنبردنه ولنحتنه حتا يقال حرقت الحديد أي بردته فتحات وتساقط وقوله مساس مثل نزال وحذار قال ابن جني ولا يدخل على هذا الضرب من الكلام ما النافية بالنكرة فلا إذا في قوله ﴿لا مساس﴾ نفي للفعل كقولك لا أمسك ولا أقرب منك فكأنه حكاية قول القائل مساس فكأنه قال لا أقول مساس قال الكميت لا همام لي لا همام أي لا أقول همام ولا بد أن تكون الحكاية مقدرة ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول لا أضرب فتنفى بلا لفظ الأمر لتنافي اجتماع لفظ الأمر والنهي فالحكاية إذا معتقدة مقدرة وأما قوله ﴿وسع كل شيء علما﴾ فمعناه على ما قاله ابن جني أنه خرق كل مصمت بعلمه لأنه بطن كل مخفي فصار لعلمه فضاء متسعا بعد ما كان متلاقيا مجتمعا ومنه قوله تعالى ﴿إن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما﴾ وهذا في العمل وذاك في العلم والوجه في قوله ننفخ في الصور فنفخنا فيه من روحنا وقوله فيما بعده ﴿ونحشر﴾ الوجه في الياء قوله ﴿يوم ينفخ في الصور﴾ ونفخ في الصور وأما قوله ﴿في الصور﴾ فإنه جمع صورة وقد يقال فيها صير وأصله صور قال:

أشبهن من بقر الخلصاء أعينها

فهن أحسن من صيرانها صيرا

وصورا أيضا قال أبو عبيدة الصور جمع صورة ويقال الصور القرن ويقال فيه ثقب بعدد نفوس البشر فإذا نفخ فيه قام الناس من الأرماس.

اللغة:

ظلت أصله ظللت وللعرب فيها مذهبان فتح الظاء وكسرها فمن قال ظلت ترك الظاء على حالها ومن قال ظلت بالكسر نقل حركة اللام إليها للإشعار بأصلها ومثله مست ومست في مسست وهل أحست في أحسست قال الشاعر:

خلا إن العتاق من المطايا

أحسن به فهن إليه شوس

لننسفنه يقال نسف فلان الطعام بالمنسف إذا ذرأه ليطير عنه قشوره والصفصف الموضع المستوي الذي لا نبات به كأنه على صف واحد في استوائه والقاع الأرض الملساء وقيل مستنقع الماء وجمعه أقواع وقيعان وقيعة والأمت الأكمة ويقال مد حبله حتى ما ترك فيه أمتا وملأ سقاءه حتى ما ترك فيه أمتا أي انثناء قال الشاعر:

ما في انجذاب سيره من أمت

المعنى:

ثم حكى سبحانه عن موسى (عليه السلام) ﴿قال﴾ للسامري ﴿فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس﴾ واختلف في معناه فقيل أنه أمر الناس بأمر الله أن لا يخالطوه ولا يجالسوه ولا يؤاكلوه تضييقا عليه والمعنى لك أن تقول لا أمس ولا أمس ما دمت حيا قال ابن عباس لك ولولدك والمساس فعال من المماسة ومعنى لا مساس لا يمس بعضنا بعضا فصار السامري يهيم في البرية مع الوحش والسباع لا يمس أحدا ولا يمسه أحد عاقبه الله تعالى بذلك وكان إذا لقي أحدا يقول ﴿لا مساس﴾ أي لا تقربني ولا تمسني وصار ذلك عقوبة له ولولده حتى أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك وإن مس واحد من غيرهم واحدا منهم حم كلاهما في الوقت وقيل إن السامري خاف وهرب فجعل يهيم في البرية لا يجد أحدا من الناس يمسه حتى صار لبعده عن الناس كالقائل لا مساس عن الجبائي ﴿وإن لك موعدا لن تخلفه﴾ أي وعدا لعذابك يعني يوم القيامة لن تخلف ذلك الوعد ولن يتأخر عنك قال الزجاج المعنى يكافيك الله على ما فعلت يوم القيامة ﴿وأنظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا﴾ معناه وأنظر إلى معبودك الذي ظلت على عبادته مقيما يعني العجل ﴿لنحرقنه﴾ بالنار ﴿ثم لننسفنه في اليم نفسا﴾ أي لنذرينه في البحر قال ابن عباس فحرقه ثم ذرأه في البحر وهذا يدل على أنه كان حيوانا لحما ودما وعلى القراءة الأخرى لنحرقنه أي لنبردنه بالمبرد يدل على أنه كان ذهبا وفضة ولم يصر حيوانا ونبه (عليه السلام) بذلك على أن ما يمكن سحقه أو إحراقه لا يصلح للعبادة وقال الصادق (عليه السلام) إن موسى (عليه السلام) هم بقتل السامري فأوحى الله سبحانه إليه لا تقتله يا موسى فإنه سخي ثم أقبل موسى على قومه فقال ﴿إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو﴾ أي هو الذي يستحق العبادة ﴿وسع كل شيء علما﴾ أي يعلم كل شيء علما تاما وهي لفظة عجيبة في الفصاحة وفي ذلك دلالة على أن المعدوم يسمى شيئا لكونه معلوما ثم قال الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق﴾ أي مثل ما قصصنا عليك يا محمد من نبأ موسى وقومه ونقص عليك من أخبار ما قد مضى وتقدم من الأمم والأمور ﴿وقد آتيناك من لدنا ذكرا﴾ يعني القرآن لأن فيه ذكر كل ما يحتاج إليه من أمور الدين ثم أوعد سبحانه على الإعراض عنه وترك الإيمان به فقال ﴿من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا﴾ أي حملا ثقيلا من الإثم يشق عليه حمله لما فيه من العقوبة كما يشق حمل الثقيل ﴿خالدين فيه﴾ أي في عذاب ذلك الوزر وجزائه وهو الخلود في النار ﴿وساء لهم يوم القيامة حملا﴾ تقديره ساء الحمل حملا والحمل بمعنى المحمول أي بئس الوزر هذا الوزر لهم يوم القيامة قال الكلبي بئس ما حملوا على أنفسهم من المأثم كفرهم بالقرآن ﴿يوم ينفخ في الصور﴾ هو بدل من يوم القيامة وقد سبق معناه ﴿نحشر المجرمين يومئذ زرقا﴾ قال ابن عباس يريد بالمجرمين الذين اتخذوا مع الله إلها يحشرون زرق العيون سود الوجوه ومعنى الزرقة الخضرة في سود العيون كعين السنور والمعنى في هذا تشويه الخلق وقيل زرقا عميا ترى زرقا وهي عمي عن الفراء وقيل عطاشا في مظهر عيونهم كالزرقة مثل قوله ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا عن الأزهري ﴿يتخافتون بينهم﴾ أي يتسارون بينهم فيقول المجرمون بعضهم لبعض ﴿إن لبثتم إلا عشرا﴾ أي ما لبثتم إلا عشر ليال عن ابن عباس وقتادة يعني من النفخة الأولى إلى الثانية وذلك أنه يكف عنهم العذاب فيما بين النفختين وهو أربعون سنة وقيل ما لبثتم في الدنيا ينسون من شدة هول ذلك اليوم مدة لبثهم في الدنيا وقيل في القبر يذهب عنهم طول لبثهم في قبورهم كأنهم كانوا نياما فانتبهوا وقيل إنهم يقللون لبثهم في الدنيا طول ما هم لابثون فيه من النار عن الحسن ثم قال سبحانه ﴿نحن أعلم بما يقولون﴾ أي بما يتسارون بينهم ﴿إذ يقول أمثلهم طريقة﴾ أي أصلحهم طريقة وأوفرهم عقلا وأصوبهم رأيا وقيل أكثرهم سدادا عند نفسه ﴿إن لبثتم إلا يوما﴾ أي ما لبثتم إلا يوما في الدنيا وفي القبور إنما قال ذلك لأن اليوم الواحد والعشرة إذا قوبلت بيوم القيامة وما لهم من الأيام في النار كان اليوم الواحد أقرب إليه وهو كقوله لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها وقيل إنهم قالوا ذلك بعد انقطاع عذاب القبر عنهم لأن الله يعذبهم ثم يعيدهم عن الجبائي ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿ويسئلونك﴾ أي ويسئلك منكر والبعث عند ذكر القيامة ﴿عن الجبال﴾ ما حالها ﴿فقل﴾ يا محمد ﴿ينفسها ربي نسفا﴾ أي يجعلها ربي بمنزلة الرمل ثم يرسل عليها الرياح فيذريها كتذرية الطعام من القشور والتراب فلا يبقى على وجه الأرض منها شيء وقيل يصيرها كالهباء وقيل إن رجلا من ثقيف سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف تكون الجبال يوم القيامة مع عظمها فقال إن الله يسوقها بأن يجعلها كالرمال ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها ﴿فيذرها﴾ أي فيدع أماكنها من الأرض إذا نسفها ﴿قاعا﴾ أي أرضا ملساء وقيل منكشفة عن الجبائي ﴿صفصفا﴾ أي أرضا مستوية ليس للجبل فيها أثر وقيل القاع والصفصف بمعنى واحد وهو المستوي من الأرض الذي لا نبات فيه عن ابن عباس ومجاهد ﴿لا ترى فيها عوجا ولا أمتا﴾ أي ليس فيها منخفض ولا مرتفع عن عكرمة عن ابن عباس قال الحسن العوج ما انخفض من الأرض والأمت ما ارتفع من الروابي وقيل لا ترى فيها واديا ولا رابية عن مجاهد.