الآيات 57-66

قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى ﴿57﴾ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى ﴿58﴾ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴿59﴾ فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ﴿60﴾ قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ﴿61﴾ فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ﴿62﴾ قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ﴿63﴾ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ﴿64﴾ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ﴿65﴾ قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴿66﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر لا نخلفه بالجزم والباقون بالرفع وقرأ أهل الحجاز وأبو عمرو والكسائي سوى بكسر السين والباقون بضمها وقرأ يوم الزينة بالنصب هبيرة عن حفص وهي قراءة الحسن والأعمش والثقفي والباقون ﴿يوم الزينة﴾ بالرفع وقرأ أهل الكوفة غير أبي بكر ورويس ﴿فيسحتكم﴾ بضم الياء وكسر الحاء والباقون فيسحتكم بفتح الياء والحاء وقرأ أبو عمرو أن هذين وقرأ ابن كثير وحفص ﴿أن هذان﴾ خفيف وقرأ الباقون أن هذان وابن كثير وحده يشدد النون من هذان وقرأ أبو عمرو فاجمعوا بوصل الهمزة وفتح الميم والباقون ﴿فأجمعوا﴾ بقطع الهمزة وكسر الميم وقرأ ابن عامر وروح وزيد تخيل إليه بالتاء وهو قراءة الحسن والثقفي والباقون ﴿يخيل﴾ بالياء.

الحجة والإعراب:

فأما قوله لا نخلفه بالجزم فإنه يكون على جواب الأمر والقراءة المشهورة بالرفع على أن يكون ﴿لا نخلفه﴾ في موضع النصب بكونه صفة لقوله ﴿موعدا﴾ وهو الظاهر وأما قوله ﴿سوى﴾ فإنه المكان النصف فيما بين الفريقين قال موسى بن جابر:

وجدنا أبانا كان حل ببلدة

سوى بين قيس قيس عيلان

والفزر قال أبو علي قوله ﴿سوى﴾ فعل من التسوية فكان المعنى مكانا مستويا مسافته على الفريقين فيكون مسافة كل فريق إليه كمسافة الفريق الآخر وهذا بناء يقل في الصفات ومثله قوم عدى فأما فعل فهو في الصفات أكثر قالوا دليل ختع ومال لبد ورجل حطم وأما انتصاب قوله ﴿مكانا﴾ فلا يخلو من أن يكون مفعولا للموعد أما على أنه مفعول به أو على أنه ظرف له أو يكون منتصبا بأنه المفعول الثاني ولا يجوز الأول ولا الثاني لأن الموعد قد وصف بالجملة التي هي لا نخلفه نحن وإذا وصف لم يجز أن يعمل عمل الفعل لاختصاصه بالصفة ولأنه إذا عطف عليه لم يجز أن يتعلق به بعد العطف عليه شيء منه وكذلك إذا أخبر عنه لم يجز أن يقع بعد الخبر عنه شيء يتعلق بالمخبر عنه لم يجز سيبويه هذا ضارب ظريف زيدا ولا هذا ضويرب زيدا إذا حقر اسم الفاعل لأن التحقير في تخصيصه الاسم بمنزلة إجراء الوصف عليه وقد جاء من ذلك شيء في الشعر قال بشر بن أبي حازم:

إذا فاقد خطباء فرخين رجعت

ذكرت سليمى في الخليط المباين

ويحتمل ذلك على إضمار فعل آخر كما ذهبوا إليه في نحو قول الشاعر:

إن العرارة والنبوح لدارم

والمستخف أخوهم الأثقالا

فإذا لم يجز ذلك كان مفعولا ثانيا لقوله ﴿فاجعل﴾ فيكون بمنزلة قوله ﴿جعلوا القرآن عضين﴾ ونحوه وأما يوم الزينة فمن نصبه فعلى الظرف كما تقول قيامك يوم الجمعة فالموعد إذا هنا مصدر والظرف بعده خبر عنه قال ابن جني وهو عندي على حذف المضاف أي إن إنجاز موعدنا إياكم في ذلك اليوم أ لا ترى أنه لا يراد أنه في ذلك اليوم يعدكم لأن الموعد قد وقع الآن وإنما يتوقع إنجازه في ذلك اليوم لكن في قوله ﴿وأن يحشر الناس ضحى﴾ نظر وظاهر حاله أن يكون مجرور الموضع حتى كأنه قال انتظروا موعدكم يوم الزينة وحشر الناس ضحى أي يوم هذا ولهذا فيكون أن يحشر معطوفا على الزينة وقد يجوز أن يكون مرفوع الموضع عطفا على الموعد فكأنه قال إنجاز موعدكم وحشر الناس ضحى في يوم الزينة أي هذان الفعلان في يوم الزينة وأما من رفع ﴿يوم الزينة﴾ فإن الموعد عنده ينبغي أن يكون زمانا فكأنه قال وقت وعدكم يوم الزينة كقولنا مبعث الجيوش شهر كذا أي وقت بعثها حينئذ والعطف عليه بقوله ﴿وأن يحشر الناس ضحى﴾ يؤكد الرفع لأن أن لا يكون ظرفا بل هو حرف موصول في معنى المصدر وينبغي أن يكون على حذف المضاف أي وقت وعدكم يوم الزينة ووقت حشر الناس ضحى كما أن قولك ورودك مقدم الحاج إنما هو على حذف المضاف أي وقت قدوم الحاج وأما قوله ﴿فيسحتكم﴾ فإن سحت وأسحت بمعنى قال الفرزدق:

وعض زمان يا ابن مروان لم يدع

من المال إلا مسحتا أو مجلف

وفسر لم يدع على أنه بمعنى لم يبق وأما قوله إن هذان لساحران فمن قرأ بتشديد النون من إن والألف من هذان فقد قيل فيه أقوال (أحدها) أن إن بمعنى نعم وأنشدوا شعرا:

بكر العواذل في الضحى

يلحينني وألومهنه

ويقلن شيب قد علاك

وقد كبرت فقلت إنه

فعلى هذا يكون تقديره نعم هذان لساحران وهذا لا يصح لأن إن إذا كانت بمعنى نعم ارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر واللام لا يدخل على خبر مبتدإ جاء على أصله وأما ما أنشد في ذلك من قوله:

خالي لأنت ومن جرير خاله

ينل العلاء ويكرم الأخوالا

وقوله:

أم الحليس لعجوز شهربة

ترضى من اللحم بعظم الرقبة

فمحمول على الشذوذ والضرورة وأيضا فإن أبا علي قال ما قيل إن في الآية لا يقتضي أن يكون جوابه نعم لأنك إن جعلته جوابا لقول موسى (عليه السلام) ويلكم لا تفتروا على الله كذبا قالوا نعم هذان ساحران كان محالا وإن جعلته على تقدير فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا نعم هذان لساحران كان محالا أيضا (وثانيها) ما قاله الزجاج أن تقديره نعم هذان لهما ساحران فاللام دخل على مبتدإ محذوف وهذا أيضا مثل الأول لما قلناه ولأن سيبويه قال نعم عدة وتصديق وأن يصرف إلى الناصبة للاسم أولى وهو قراءة أبي عمرو وعيسى بن عمرو قال أبو علي هذا الذي قاله الزجاج لا يتجه لأمرين (أحدهما) أن الذي حمله النحويون على الضرورة لا يمتنع أن يستمر هذا التأويل فيه ولم يحمله مع ذلك عليه (والآخر) أن التأكيد باللام لا يتعلق به الحذف ألا ترى أن الأوجه في الزينة أن تم الكلام ولا يحذف ثم يؤكد فليس باللائق في التدبر (وثالثها) ما قاله المتقدمون من النحويين إن التقدير أنه هذان لساحران فحذف ضمير القصة وهذا أيضا فيه نظر من أجل دخول اللام في الخبر ولأن إضمار الهاء بعد إن إنما يأتي في ضرورة الشعر نحو قوله:

إن من لام في بني بنت حسان

ألمه وأعصه في الخطوب

وقوله:

إن من يدخل الكنيسة يوما

يلق فيها جاذرا وظباء

(ورابعها) ما قاله علي بن عيسى وهو أن إن لما كانت مشبهة بالفعل وليست بأصل في العمل ألغيت هاهنا كما تلغى إذا خففت وهذا غير مستقيم أيضا لأن الإلغاء في إن ما رأيناه في غير هذا الموضع وأيضا فإنها قد أعملت مخففة في قوله تعالى ﴿وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم﴾ فكيف يجوز إلغاؤها في غير التخفيف وأيضا فقد أعمل اسم الفاعل والمصدر لشبههما بالفعل ولا يجوز إلغاؤهما وأيضا فإن اللام يمنع من هذا التأويل لأن أن إذا ألغيت ارتفع ما بعدها بالابتداء واللام لا يدخل على خبر المبتدأ على ما بيناه (وخامسها) إن هذه الألف ليست بألف التثنية وإنما هي ألف هذا زيدت عليها النون وهذا قول الفراء وهو غير صحيح فإنه لا يجوز أن يكون تثنية إلا ويكون لها علم ولو كان على ما زعم لم تنقلب هذه الألف ياء في حال الجر والنصب ويدل على أن هذه الألف للتثنية أن الألف التي كانت في الواحد قد حذفت كما حذفت الياء من الذي والتي إذا قلت اللذان واللتان (وسادسها) وهو أجود ما قيل فيه أن يكون هذان اسم أن بلغة كنانة يقولون أتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان قال بعض شعرائهم:

واها لريا ثم واها واها

يا ليت عيناها لنا وفاها

وموضع الخلخال من رجلاها

بثمن نعطي به أباها

إن أباها وأبا أباها

قد بلغا في المجد غايتاها

وقال آخر:

تزود منا بين أذناه طعنة

دعته إلى هابي التراب عقيم

وقال آخر:

فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى

مساغا لناباه الشجاع لصما

ويقولون ضربته بين أذناه ومن يشتري الخفان وقيل أنها لغة لبني الحرث بن كعب وهذا القول اختيار أبي الحسن وأبي علي الفارسي ومن قرأ أن هذين لساحران فهو صحيح مستقيم وزيف الزجاج هذه القراءة مخالفتها المصحف وقيل أنه احتج في مخالفته المصحف بما روي أنه من غلط الكاتب ويروون عن عثمان وعائشة أن في هذا القرآن غلطا تستقيمه العرب بالسنتها وهذا غير صحيح عند أهل النظر فإن أبا عمرو ومن ذهب من القراء مذهبه لا يقرأ إلا بما أخذه من الثقات من السلف ولا يظن به مع علو رتبته أن يتصرف في كتاب الله من قبل نفسه فيغيره ومن قرأ إن هذان بسكون النون من أن والألف فقد قال الزجاج يقوي هذه القراءة قراءة أبي ما هذان إلا ساحران وروي عنه أيضا أن هذان إلا ساحران وهذا يدل على أنه جعل اللام بمنزلة إلا والعجب أنه بصري المذهب والبصريون ينكرون مجيء اللام بمعنى إلا قالوا لو كان كذلك لجاز أن تقول جاءني القوم لزيدا بمعنى إلا زيدا فالوجه الصحيح فيه أنه جعل أن هذه مخففة من الثقيلة وأضمر فيها اسمها ورفع ما بعدها على الابتداء والخبر وجعل الجملة خبر إن وإذا كانت إن مخففة من الثقيلة لزمتها اللام ليكون فرقا بينها وبين أن النافية وأما تشديد النون في قول ابن كثير ففيه وجهان (أحدهما) أن يكون عوضا من ألف هذا التي سقطت من أجل حرف التثنية (والآخر) أن يكون للفرق بين النون التي تدخل على المبهم والنون التي تدخل على المتمكن وذلك أن هذه إنما وجدت مشددة مع المبهم وأما قوله ﴿فاجمعوا كيدكم﴾ قال أبو الحسن إنما يقولون بالقطع إذا قالوا أجمعوا على كذا فأما إذا قالوا أجمعوا أمركم وأجمعوا كيدكم فلا يقولون إلا بالوصل قال وبالقطع أكثر القراء قال فأما أن يكون لغة في هذا المعنى لأن باب فعلت وأفعلت كثير وأن يكون أجمعوا على كذا ثم قال كيدكم على أمر مستأنف قال أبو علي فإن قيل فقد تقدم ذكر قوله ﴿فجمع كيده﴾ فإذا قيل فاجمعوا كيدكم كان تكريرا قيل لا يكون كذلك لأن ذلك في قصة وهذا في أخرى ذاك إخبار عن فرعون في جمعه كيده وسحره وهذا فيما يتواصى به السحرة في جمع كيدهم ويشبه أن يكون ذلك على لغتين كما ظنه أبو الحسن قال الشاعر:

وأنتم معشر زيدوا على مائة

فاجمعوا أمركم طرا فكيدوني

فقوله ﴿فاجمعوا أمركم﴾ بمنزلة فاجمعوا كيدكم لأن كيدهم من أمرهم وأما قوله ﴿يخيل إليه﴾ فمن قرأ بالياء فإنه فعل فارغ وفاعله قوله ﴿إنها تسعى﴾ ومن قرأ بالتاء فعلى هذا يكون فاعله الضمير المستكن فيه العائد إلى الحبال والعصي وأنها تسعى في محل الرفع لأنه بدل من ذلك الضمير وهو بدل الاشتمال ويجوز أن يكون موضعه على هذه القراءة نصبا أيضا على معنى يخيل إليه كونها ذات سعي.

المعنى:

ثم حكى سبحانه عن فرعون أنه نسب موسى إلى السحر تلبيسا على قومه بأن قال ﴿أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى﴾ أي من أرض مصر ﴿فلناتينك بسحر مثله﴾ أي مثل ما أتيت به ﴿فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى﴾ أي اضرب بيننا وبينك موعدا مكانا يعد لحضورنا ذلك المكان لا يقع منا في حضوره خلاف ثم وصف المكان بأنه تستوي مسافته على الفريقين ومكانا بدل عن موعد وقيل مكانا سوى أي عدلا بيننا وبينك عن قتادة وقيل منصفا بكون النصف بيننا وبينك عن مجاهد ﴿قال﴾ موسى ﴿موعدكم يوم الزينة﴾ وكان يوم لهم فسمي يوم الزينة لأن الناس يتزينون فيه ويزينون به الأسواق عن مجاهد وقتادة والسدي ﴿وأن يحشر الناس ضحى﴾ يعني ضحى ذلك اليوم ويريد بالناس أهل مصر بقول يحشرون إلى العيد ضحى فينظرون إلى أمري وأمرك فيكون ذلك أبلغ في الحجة وأبعد من الشبهة قال الفراء يقول إذ رأيت الناس يحشرون من كل ناحية ضحى فذلك الموعد قال وجرت عادتهم بحشر الناس في ذلك اليوم ﴿فتولي فرعون﴾ أي انصرف وفارق موسى على هذا الوعد ﴿فجمع كيده﴾ أي حيلته ومكره وذلك جمع السحرة ﴿ثم أتى﴾ أي حضر الموعد ﴿قال لهم موسى﴾ أي قال للسحرة لأنهم أحضروا ما عملوا من السحر ليقابلوا بمعجزة موسى فوعظهم فقال ﴿ويلكم﴾ وهي كلمة وعيد وتهديد معناه ألزمكم الله الويل والعذاب ويجوز أن يكون على النداء نحو يا ويلتا فيكون الدعاء بالويل عليهم وقيل إن ويلكم كلمتان تقديرهما وي لكم فيكون مبتدأ وخبرا أو يكون ويلكم بمنزلة أتعجب لكم ﴿لا تفتروا على الله كذبا﴾ أي لا تشركوا مع الله أحدا عن ابن عباس وقيل لا تكذبوا على الله بأن تنسبوا معجزاتي إلى السحر وسحركم إلى أنه حق وبأن تنسبوا فرعون إلى أنه إله معبود ﴿فيسحتكم﴾ أي يستأصلكم ﴿بعذاب﴾ عن قتادة والسدي وقيل يهلككم عن ابن عباس والكلبي ومقاتل والجبائي وأصل السحت استقصاء الخلق يقال سحت شعره إذا استأصله وسحته الله وأسحته إذا استأصله وأهلكه ﴿وقد خاب من افترى﴾ أي خسر من كذب على الله ونسب إليه باطلا عن قتادة انقطع رجاء من كذب على الله عن ثوابه وجنته ﴿فتنازعوا أمرهم بينهم﴾ أي تشاور القوم وتفاوضوا في حديث موسى وهارون وفرعون وجعل كل واحد منهم ينازع لكلام صاحبه وقيل تشاورت السحرة فيما هيئوه من الحبال والعصي وفيمن يبتدىء بالإلقاء ﴿وأسروا النجوى﴾ يعني أن السحرة أخفوا كلامهم وتناجوا فيما بينهم سرا من فرعون فقالوا إن غلبنا موسى اتبعناه عن الفراء والزجاج وقيل إن موسى لما قال لهم ﴿ويلكم لا تفتروا على الله كذبا﴾ قال بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر وأسر بعضهم إلى بعض يتناجون عن محمد بن إسحاق وقيل أسروا النجوى بأن ﴿قالوا﴾ إن كان هذا ساحرا فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمره عن قتادة وقيل تناجوا مع فرعون وأسروا عن موسى وهارون قولهم ﴿إن هذان﴾ لساحران عن الجبائي وأبي مسلم إن هذان يعني موسى وهارون ﴿لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما﴾ قاله فرعون وجنوده للسحرة ويريدون بالأرض أرض مصر ﴿ويذهبا بطريقتكم المثلى﴾ هي تأنيث الأمثل وهو الأفضل وهو الأشبه بالحق يقال فلان أمثل قومه أي أشرفهم وأفضلهم والمعنى يريدان أن يصرفا وجوه الناس إليهما عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقيل إن طريقتهم المثلى بنو إسرائيل كانوا أكثر القوم عددا وأموالا أي يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهم عن قتادة وأكثر المفسرين وقيل يذهبا بطريقتكم التي أنتم عليها في السيرة والدين عن الجبائي وأبي مسلم وابن زيد ﴿فاجمعوا كيدكم﴾ أي لا تدعوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به ﴿ثم ائتوا صفا﴾ أي مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأموركم وأشد لهيبتكم عن ابن عباس وأكثر المفسرين وقيل ثم ائتوا موضع الجمع ويسمى المصلى الصف عن أبي عبيدة والمعنى ثم ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم ﴿وقد أفلح اليوم من استعلى﴾ أي وقد سعد اليوم من غلب وعلا عن ابن عباس قال بعضهم إن هذا من قول فرعون للسحرة وقال آخرون بل هو قول بعض السحرة لبعض ﴿قالوا يا موسى إما أن تلقي وأما أن نكون أول من ألقى﴾ هذا قول السحرة خيروه بين أن يلقوا أولا ما معهم أو يلقي موسى عصاه ثم يلقون ما معهم ﴿قال﴾ موسى ﴿بل ألقوا﴾ أنتم ما معكم أمرهم بالإلقاء أولا ليكون معجزة أظهر إذا ألقوا ما معهم ثم يلقي هو عصاه فتبتلع ذلك وهاهنا حذف أي فألقوا ما معهم ﴿فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى﴾ الضمير في إليه راجع إلى موسى وقيل إلى فرعون أي يرى الحبال من سحرهم أنها تسير وتعدو مثل سير الحيات وإنما قال يخيل إليه لأنها لم تكن تسعى حقيقة وإنما تحركت لأنهم جعلوا داخلها الزئبق فلما حميت الشمس طلب الزئبق الصعود فحركت الشمس ذلك فظن أنها تسعى.