الآيات 17-36

وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴿17﴾ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ﴿18﴾ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى ﴿19﴾ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴿20﴾ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ﴿21﴾ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى ﴿22﴾ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ﴿23﴾ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴿24﴾ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴿25﴾ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴿26﴾ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ﴿27﴾ يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴿28﴾ وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي ﴿29﴾ هَارُونَ أَخِي ﴿30﴾ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴿31﴾ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴿32﴾ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ﴿33﴾ وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴿34﴾ إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ﴿35﴾ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴿36﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر أشدد بقطع الهمزة وفتحها وأشركه بضمها والباقون ﴿اشدد﴾ بهمزة الوصل و﴿أشركه﴾ بالفتح وفي الشواذ قراءة عكرمة وأهس بالسين وقراءة أبي البرهسم وأهش بكسر الهاء.

الحجة:

الوجه في قراءة أبي عامر أنه جعله خبرا وسائر القراء جعلوه دعاء وضم الهمزة في أشركه ضعيف جدا لأنه ليس إلى موسى إشراك هارون في النبوة بل ذلك إلى الله تعالى فالوجه فتح الهمزة على الدعاء ومن قرأ أهش بكسر الهاء فيمكن أن يكون أراد أهش بضم الهاء أي أكسر الكلاء بها للغنم فجاء بها على يغسل إن كان متعديا كما جاء هر الشيء يهر ويهره إذا كرهه وشد الحبل يشده ويشده ونم الحديث ينمه وأما أهس بالسين فمعناه أسوق وكان ينبغي أن يقول أهس بها غنمي ولكن لما دخل السوق معنى الانتحاء لها والميل بها عليها استعمل على معها حملا على المعنى.

اللغة:

التوكؤ والاتكاء بمعنى مثل التوقي والاتقاء والهش ضرب ورق الشجر ليتساقط والمآرب الحوائج واحدتها مأربة بضم الراء وفتحها وكسرها عن علي بن عيسى والسيرة والطريقة من النظائر ومعناه مرور الشيء في جهة وأصل الجناح من الجنوح وهو الميل لأن الطائر يميل به في طيرانه وعضد الإنسان جناحه لأن من جهته يميل اليد حيث شاء صاحبها وقيل يريد بالجناح الجلب لأن فيه جنوح الأضلاع وقال الراجز:

أضمها للصدر والجناح قال أبو عبيدة الجناحان الناحيتان والطغيان تجاوز الحد في العصيان وشرح الصدر توسعة ومنه شرح المعنى وهو بسط القول فيه والعقدة جملة مجتمعة يصعب تفكيكها والحل ضد العقد ونظيره الفصل والقطع والوزير حامل الثقل عن الرئيس مشتق من الوزر الذي هو الثقل والأزر الظهر يقال أزرني فلان على أمري أي كان لي ظهرا ومنه المئزر لأنه يشد على الظهر والإزار لأنه يسيل على الظهر والتأزير التقوية ويمكن أن يكون أزر ووزر مثل أرخ وورخ وأكد ووكد قال امرؤ القيس:

بمحنية قد آزر الضال نبتها

مضم جيوش غانمين وخيب

الإعراب:

﴿وما تلك بيمينك﴾ قال الزجاج تلك اسم مبهم يجري مجرى التي ويوصل كما توصل التي والمعنى وما التي بيمينك وأنشد الفراء:

عدس ما لعباد عليك إمارة

أمنت وهذا تحملين طليق

أي والذي تحملين قال بعض المتأخرين إن الصحيح الذي لا غبار عليه أن يكون تلك مبتدأ وما خبره قدم عليه لما فيه من معنى الاستفهام وبيمينك الجار والمجرور في موضع نصب على الحال من معنى الفعل في تلك وهو الإشارة قال وإنما قلنا ذلك لأن أسماء الإشارة إنما تبين بصفاتها كما أن الأسماء الموصولة تبين بصلاتها ولا يجوز وصف المبهم بالجملة لأن الجمل نكرات وقوله ﴿فإذا هي حية تسعى﴾ إذا هذه ظرف المفاجاة وهي ظرف مكان تقديره فبالحضرة هي حية والعامل في الظرف تسعى وهذا يدل على إن إذا هاهنا غير مضاف إلى الجملة لأنه لو كان كذلك لم يعمل فيه مما في الجملة شيء لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف وسيرتها انتصب على تقدير سنعيدها إلى سيرتها فحذف الجار.

من غير سوء في موضع نصب على الحال والتقدير تبيض غير برصاء فيه فيكون حالا عن حال.

﴿آية أخرى﴾ اسم في موضع الحال أيضا والمعنى تخرج بيضاء مبينة قال الزجاج ويجوز أن يكون منصوبة على آتيناك آية أخرى ونؤتيك آية أخرى لأن في قوله ﴿تخرج بيضاء﴾ دليلا على أنه يعطي آية أخرى.

﴿لنريك﴾ اللام يتعلق بقوله ﴿واضمم﴾ والمفعول الثاني من نري يجوز أن يكون محذوفا وتقديره لنريك من آياتنا الكبرى آيات ويجوز أن يكون الكبرى صفة محذوف وهو المفعول الثاني والتقدير لنريك الآية الكبرى من آياتنا.

﴿هارون﴾ بدل من قوله ﴿وزيرا﴾ ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار فعل كأنه قال أعني هارون أخي أو أستوزر لي هارون لأن وزيرا يدل عليه وأخي صفة لهارون ويجوز أن يكون بدلا منه قال الزجاج يجوز أن يكون هارون مفعولا أول لأجعل ووزيرا مفعولا ثانيا له وعلى هذا فيكون مثل قوله تعالى ﴿وجعلوا لله شركاء الجن﴾ في أن المفعول الثاني من هذا الباب قد تقدم على المفعول الأول ولو قرأ بالرفع هارون لكان خبر مبتدإ محذوف كأنه قيل من هذا الوزير فقيل هو هارون وكثيرا نعت مصدر محذوف في الموضعين أي تسبيحا كثيرا وذكرا كثيرا ويجوز أن يكون نعتا لظرف محذوف تقديره نسبحك وقتا كثيرا ونذكرك وقتا كثيرا.

المعنى:

ثم بين سبحانه ما أعطي موسى من المعجزات فقال ﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ سأله عما في يده من العصا تنبيها له عليها ليقع المعجز بها بعد التثبت فيها والتأمل لها ﴿قال﴾ موسى ﴿هي عصاي أتوكأ عليها﴾ أي أعتمد عليها إذا مشيت والتوكؤ التحامل على العصا في المشي ﴿وأهش بها على غنمي﴾ أي وأخبط بها ورق الشجر لترعاه غنمي ﴿ولي فيها مآرب أخرى﴾ ولم يقل أخر ليوافق رءوس الآي أي حاجات أخرى فنص على اللازم وكنى عن العارض قال ابن عباس كان يحمل عليها زاده ويركزها فيخرج منه الماء ويضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل وكان يطرد بها السباع وإذا ظهر عدو حاربت وإذا أراد الاستسقاء من بئر طالت وصارت شعبتاها كالدلو وكان يظهر عليها كالشمعة فتضيء له الليل وكانت تحدثه وتؤنسه وإذا طالت شجرة حناها بمحجنها ﴿قال﴾ الله سبحانه ﴿ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى﴾ أي تمشي بسرعة وقيل صارت حية صفراء لها عرف كعرف الفرس وجعلت تتورم حتى صارت ثعبانا وهي أكبر من الحيات عن ابن عباس وقيل أنه ألقاها وحانت منه نظرة فإذا بأعظم ثعبان نظر إله الناظرون ويمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلقمها وتطعن أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فتجثها وعيناه تتوقدان نارا وقد عاد المحجن عنقا فيه شعر مثل النيازك فلما عاين ذلك ولى مدبرا ولم يعقب ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي يا موسى ارجع إلى حيث كنت فرجع وهو شديد الخوف ﴿فقال خذها﴾ بيمينك ﴿ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى﴾ أي سنعيدها إلى الحالة الأولى عصا وعلى موسى يومئذ مدرعة من صوف قد خلها بخلال فلما أمره سبحانه بأخذها أدلى طرف المدرعة على يده فقال ما لك يا موسى أ رأيت لو أذن الله بما تحاذر أ كانت المدرعة تغني عنك شيئا قال لا ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت وكشف عن يده ثم وضعها في فم الحية فإذا يده في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ عليها بين الشعبتين عن وهب وقيل كانت العصا من آس الجنة أخرجها آدم (عليه السلام) وتوارثها الأنبياء إلى أن بلغ شعيبا فدفعها إلى موسى قال وهب كانت من عوسج وكان طولها عشرة أذرع على مقدار قامة موسى ﴿وأضمم يدك إلى جناحك﴾ معناه وأجمع يدك إلى ما تحت عضدك عن مجاهد والكلبي وقيل إلى جنبك وقيل أدخلها في جيبك وكنى عن الجنب بالجناح ﴿تخرج بيضاء﴾ لها نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر وأشد ضوءا عن ابن عباس ﴿من غير سوء﴾ من غير برص في قول الجميع قالوا وكان موسى أدم اللون ففعل فخرجت يده كما قال الله ثم ردها فعادت إلى لونها الذي كانت عليه ﴿آية أخرى﴾ أي فنزيدك بها آية أخرى أو تخرج مبينة آية أخرى ﴿لنريك من آياتنا﴾ وحججنا ﴿الكبرى﴾ منها ولو قال الكبر على الجمع وصفا لجميع الآيات لكان جائزا وقيل معناه لنريك من دلالاتنا الكبرى سوى هاتين الدلالتين وقيل إنها هلاك فرعون وقومه فلما حمله سبحانه الرسالة وأراه المعجزات أمره بالتبليغ فقال ﴿اذهب إلى فرعون﴾ فادعه إلي ﴿إنه طغى﴾ أي تجبر وتكبر في كفره ﴿قال﴾ موسى عند ذلك ﴿رب اشرح لي صدري﴾ أي وسع لي صدري حتى لا أضجر ولا أخاف ولا أغتم ﴿ويسر لي أمري﴾ أي سهل علي أداء ما كلفتني من الرسالة والدخول على الطاغي ودعائه إلى الحق ﴿واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي﴾ أي وأطلق عن لساني العقدة التي فيه حتى يفقهوا كلامي وكان في لسان موسى (عليه السلام) رتة لا يفصح معها بالحروف شبه التمتمة وقيل إن سبب تلك العقدة في لسانه جمرة طرحها في فيه وذلك لما أراد فرعون قتله لأنه أخذ بلحية فرعون ونتفها وهو طفل فقالت آسية بنت مزاحم لا تفعل فإنه صبي لا يعقل وعلامة جهله أنه لا يميز بين الدرة والجمرة فأمر فرعون حتى أحضر الدرة والجمرة بين يديه فأراد موسى أن يأخذ الدرة فصرف جبرائيل يده إلى الجمرة فأخذها ووضعها في فيه فاحترق لسانه عن سعيد بن جبير ومجاهد والسدي وقيل إنه انحل ما كان بلسانه إلا بقية منه بدلالة قوله ﴿ولا يكاد يبين﴾ عن الجبائي وقيل استجاب الله تعالى دعاءه فأحل العقدة عن لسانه عن الحسن وهو الصحيح لقوله سبحانه ﴿أوتيت سؤلك يا موسى﴾ ومعنى قوله ﴿ولا يكاد يبين﴾ أي لا يأتي ببيان وحجة وإنما قالوا ذلك تمويها ليصرفوا الوجوه عنه ﴿واجعل لي وزيرا﴾ يؤازرني على المضي إلى فرعون ويعاضدني عليه وقيل اجعل لي معاونا أتقوى به وبرأيه ومشاورته وقال ﴿من أهلي﴾ لأنه إذا كان الوزير من أهله كان أولى ببذل النصح له ثم بين الوزير وفسره فقال ﴿هارون أخي﴾ وكان أخاه لأبيه وأمه وكان بمصر ﴿اشدد به أزري﴾ أي قو به ظهري وأعني به ﴿وأشركه في أمري﴾ أي أجمع بيني وبينه في النبوة ليكون أحرص على مؤازرتي لم يقتصر على سؤال الوزارة حتى سأل أن يكون شريكه في النبوة ولو لا ذلك لجاز أن يستوزره من غير مسألة وإنما سمي الوزير وزيرا لأنه يعين الأمير على ما هو بصدده من الأمور أخذ من المؤازرة التي هي المعاونة وقيل إنما سمي وزيرا لأنه يتحمل الثقل عن الأمير من الوزر الذي هو الثقل وقيل لأنه يلتجىء الأمير إليه فيما يعرض له من الأمور من الوزر الذي هو الملجأ قالوا إن هارون كان أكبر من موسى بثلاث سنين وأتم طولا وأبيض جسما وأكثر لحما وأفصح لسانا ومات قبل موسى بثلاث سنين ﴿كي نسبحك كثيرا﴾ أي ننزهك عما لا يليق بك بين (عليه السلام) أنه إنما سأل هذه الحاجات ليتوصل بها إلى طاعة ربه وعبادته وتأدية رسالته لا للرياسة ﴿ونذكرك كثيرا﴾ أي نحمدك ونثني عليك بما أوليتنا من نعمك ومننت به علينا من تحميل رسالتك ﴿إنك كنت بنا بصيرا﴾ أي بأحوالنا وأمورنا عالما وقيل بصيرا باحتياجنا في النبوة إلى هذه الأشياء ﴿قال﴾ الله سبحانه إجابة له ﴿قد أوتيت سؤلك﴾ أي قد أعطيت مناك وطلبتك ﴿يا موسى﴾ فيما سألته والسؤال المنى والمراد فيما يسأله الإنسان وقال الصادق حدثني أبي عن جدي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى بن عمران خرج يقتبس لأهله نارا فكلمه الله عز وجل فرجع نبيا وخرجت ملكة سبإ كافرة فأسلمت مع سليمان وخرج سحرة فرعون يطلبون العزة لفرعون فرجعوا مؤمنين.