الآيات 1-8

طه ﴿1﴾ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴿2﴾ إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴿3﴾ تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ ى ﴿4﴾ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴿5﴾ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴿6﴾ وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴿7﴾ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى ﴿8﴾

القراءة:

قرأ أبو عمرو طه بفتح الطاء وكسر الهاء كسرا لطيفا من غير إفراط وقرأ أهل الكوفة غير عاصم إلا يحيى عن أبي بكر بكسر الطاء والهاء وكذلك عياش عن أبي عمرو والباقون بفتح الطاء والهاء وروي عن أبي جعفر ونافع كهيعص وطه وطس وحم والر كله بين الفتح والكسر وهو إلى الفتح أقرب.

الحجة:

قد مر القول في الإمالة والتفخيم في الحروف فيما تقدم والتفخيم لغة أهل الحجاز ولغة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

اللغة:

الشقاء استمرار ما يشق على النفس ونقيضه السعادة والعلى جمع العليا ومنه الدنيا والدنا والقصوى والثرى التراب الندي والجهر رفع الصوت يقال جهر يجهر جهرا فهو جاهر والصوت مجهور وضده المهموس.

الإعراب:

روي عن الحسن أنه قرأ طه بفتح الطاء وسكون الهاء فإن صح ذلك عنه فأصله طإ فأبدل من الهمزة هاء ومعناه طاء الأرض بقدميك جميعا وقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه فأنزل الله ﴿طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ فوضعها وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الزجاج ويجوز أن يكون طه أمر من وطأ يطأ على قول من لم يهمز ثم حذفت الألف فصار ط ثم زيدت الهاء في الوقف ويجوز أن يكون ﴿طه﴾ جاريا مجرى القسم فيكون ﴿ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ جواب القسم وقوله ﴿تذكرة﴾ مفعول له.

﴿لمن يخشى﴾ الجار والمجرور في موضع الصفة ﴿لتذكرة﴾ والأولى أن يكون مصدر فعل محذوف ويكون الاستثناء منقطعا والتقدير لكن ﴿تذكرة﴾ وكذلك قوله ﴿تنزيلا﴾ مصدر لفعل محذوف تقديره نزلناه تنزيلا أو نزل تنزيلا ويدل عليه قوله ﴿أنزلنا﴾.

المعنى:

﴿طه﴾ قد بينا في أول البقرة تفسير حروف المعجم في أوائل السور والاختلاف فيه وقد قيل إن معنى طه يا رجل عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والكلبي غير أن بعضهم يقول هو بلسان الحبشية أو النبطية وقال الكلبي هي بلغة عك وأنشد لتميم بن نويرة:

هتفت بطة في القتال فلم يجب

فخفت لعمري أن يكون موائلا

قال الآخر:

إن السفاهة طه من خلائقكم

لا بارك الله في القوم الملاعين

وقال الحسن هو جواب للمشركين حين قالوا إنه شقي فقال سبحانه يا رجل ﴿ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ لكن لتستعد به وتنال الكرامة به في الدنيا والآخرة قال قتادة وكان يصلي الليل كله ويعلق صدره بحبل حتى لا يغلبه النوم فأمره الله سبحانه بأن يخفف على نفسه وذكر أنه ما أنزل عليه الوحي ليتعب كل هذا التعب ﴿إلا تذكرة لمن يخشى﴾ قال المبرد معناه لكن أنزلناه تذكرة أي لتذكرة من يخشى الله والتذكرة مصدر كالتذكير ﴿تنزيلا﴾ أي أنزلناه تنزيلا ﴿ممن خلق الأرض﴾ بدأ بالأرض ليستقيم رءوس الآي ﴿والسماوات العلى﴾ أي الرفيعة العالية نبه بذلك على عظم حال خالقهما ثم أكد ذلك بقوله ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ أي هو الرحمن لأنه لما قال ممن خلق بينه بعد ذلك فقال هو الرحمن قال أحمد بن يحيى الاستواء الإقبال على الشيء فكأنه أقبل على خلق العرش وقصد إلى ذلك وقد سبق القول في معنى الاستواء في سورة البقرة والأعراف ﴿له ما في السماوات وما في الأرض﴾ أي له ملك ما في السماوات وما في الأرض وتدبيرهما وعلمهما يعني أنه مالك كل شيء ومدبره ﴿وما بينهما﴾ يعني الهواء ﴿وما تحت الثرى﴾ والثرى التراب الندي يعني وما وارى الثرى من كل شيء عن الضحاك وقيل يعني ما في ضمن الأرض من الكنوز والأموات ﴿وإن تجهر بالقول﴾ أي إن ترفع صوتك به ﴿فإنه يعلم السر وأخفى﴾ أي فلا تجهد نفسك برفع الصوت فإنك وإن لم تجهر علم الله السر وأخفى من السر ولم يقل وأخفى منه لدلالة الكلام عليه كما يقول القائل فلان كالفيل أو أعظم وقيل تقديره وإن تجهر بالقول أو لا تجهر فإنه يعلم السر وأخفى منه ثم اختلفوا فيما هو أخفى من السر فقيل ما حدث به العبد غيره في خفية وأخفى منه ما أضمره في نفسه ما لم يحدث به غيره عن ابن عباس وقيل السر ما أضمره العبد في نفسه وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد عن قتادة وسعيد بن جبير وابن زيد وقيل السر ما تحدث به نفسك وأخفى منه ما تريد أن تحدث به نفسك في ثاني الحال وقيل العمل الذي تستره عن الناس وأخفى منه الوسوسة عن مجاهد وقيل معناه يعلم السر أي أسرار الخلق وأخفى أي سر نفسه عن زيد بن أسلم جعله فعلا ماضيا وروي عن السيدين الباقر والصادق (عليهما السلام) السر ما أخفيته في نفسك وأخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته ﴿الله لا إله إلا هو﴾ لا معبود تحق له العبادة غيره ﴿له الأسماء الحسنى﴾ أي الأسماء الدالة على توحيده وعلى إنعامه على العباد وعلى المعاني الحسنة فأيها دعوت جاز وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال إنه لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة قال الزجاج تأويله من وحد الله تعالى وذكر هذه الأسماء الحسنى يريد بها توحيد الله وإعظامه دخل الجنة وقد جاء في الحديث من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة فهذا لمن ذكر اسم الله موحدا له به فكيف بمن ذكر أسماءه كلها يريد بها توحيده والثناء عليه وإنما قال الحسنى بلفظ التوحيد ولم يقل الأحاسن لأن الأسماء مؤنثة تقع عليها هذه كما تقع على الجماعة هذه كأنه اسم واحد للجمع قال الأعشى:

وسوف يعقبنيه إن ظفرت به

رب كريم وبيض ذات أطهار

وفي التنزيل حدائق ذات بهجة ومآرب أخرى