الآيات 81-83

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴿81﴾ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴿82﴾ فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ ﴿83﴾

اللغة:

المخلف المتروك خلف من مضى ومثله المؤخر عمن مضى والفرح ضد الغم وهو لذة في القلب بنيل المشتهى ومثله السرور وقال البصريون من المعتزلة إن السرور والغم يرجعان إلي الاعتقاد فالسرور اعتقاد وصول منفعة إليه في المستقبل أو دفع ضرر مظنون عنه أو معلوم والغم اعتقاد وصول ضرر إليه في المستقبل أو فوت منفعة عنه وإليه ذهب المرتضى قدس الله روحه والخلاف مصدر خالفته مخالفة وخلافا وزعم أبو عبيدة أن معناه بعد وأنشد:

عقب الربيع خلافهم فكأنما

بسط الشواطب بينهن حصيرا

والشواطب النساء يقددن الأديم بعد ما يقدرنه والخالف كل من تأخر عن الشاخص والمتخلف بمعناه والضحك حال تفتح وانبساط يظهر في وجه الإنسان عن تعجب مع فرح والبكاء حال تقبض يظهر عن غم في الوجه مع جري الدموع على الخد.

الإعراب:

خلاف نصب على المصدر بمعنى المفعول له إذا جعلته بمعنى المخالفة وإذا جعلته بمعنى خلف فهو نصب على الظرف ﴿فليضحكوا﴾ إنما سكنت لام الأمر ولم تسكن لام الإضافة لأنها تؤذن بعملها للجر المناسب لها فلذلك ألزمت الحركة مع أن العوامل في الأسماء أقوى من العوامل في الأفعال ﴿جزاء﴾ نصب على المصدر أي يجزون جزاء على أفعالهم التي اكتسبوها.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه أن جماعة من المنافقين الذين خلفهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولم يخرجهم معه إلى تبوك استأذنوه في التأخر فأذن لهم فرحوا بقعودهم فقال ﴿فرح المخلفون بمقعدهم﴾ أي بقعودهم عن الجهاد ﴿خلاف رسول الله﴾ أي بعده وقيل معناه لمخالفتهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله﴾ ظاهر المعنى ﴿وقالوا﴾ أي قالوا للمسلمين ليصدوهم عن الغزو ﴿لا تنفروا في الحر﴾ أي لا تخرجوا إلى الغزو سراعا في هذا الحر وقيل بل معناه قال بعضهم لبعض ذلك طلبا للراحة والدعة وعدولا عن تحمل المشاق في طاعة الله ومرضاته ﴿قل﴾ يا محمد لهم ﴿نار جهنم﴾ التي وجبت لهم بالتخلف عن أمر الله تعالى ﴿أشد حرا﴾ من هذا الحر فهي أولى بالاحتراز والحذر عنها إذ لا يعتد بهذا الحر في جنب ذلك الحر ﴿لو كانوا يفقهون﴾ أوامر الله تعالى ووعده ووعيده ﴿فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا﴾ هذا تهديد لهم في صورة الأمر أي فليضحك هؤلاء المنافقون في الدنيا قليلا لأن ذلك يفنى وإن دام إلى الموت ولأن الضحك في الدنيا قليل لكثرة أحزانها وهمومها وليبكوا كثيرا في الآخرة لأن ذلك يوم مقداره خمسين ألف سنة وهم فيه يبكون فصار بكاؤهم كثيرا ﴿جزاء بما كانوا يكسبون﴾ من الكفر والنفاق والتخلف بغير عذر عن الجهاد قال ابن عباس إن أهل النفاق ليبكون في النار عمر الدنيا فلا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم وروى أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ﴿فإن رجعك الله﴾ يا محمد أي فإن ردك الله من غزوتك هذه وسفرك هذا ﴿إلى طائفة منهم﴾ أي من المنافقين الذين تخلفوا عنك وعن الخروج معك ﴿فاستأذنوك للخروج﴾ معك إلى غزوة أخرى ﴿فقل لن تخرجوا معي أبدا﴾ إلى غزوة ﴿ولن تقاتلوا معي عدوا﴾ ثم بين سبحانه سبب ذلك فقال ﴿إنكم رضيتم بالقعود أول مرة﴾ أي عن غزوة تبوك ﴿فاقعدوا مع الخالفين﴾ في كل غزوة واختلف في المراد بالخالفين فقيل معناه مع النساء والصبيان عن الحسن والضحاك وقيل مع الرجال الذين تخلفوا من غير عذر عن ابن عباس وقيل مع المخالفين قال الفراء يقال عبد خالف وصاحب خالف إذا كان مخالفا وقيل مع الخساس والأدنياء يقال فلان خالفه أهله إذا كان أدونهم وقيل مع أهل الفساد من قولهم خلف الرجل على أهله يخلف خلوفا إذا فسد ونبيذ خالف أي فاسد وخلف فم الصائم إذا تغيرت ريحه وقيل مع المرضى والزمنى وكل من تأخر لنقص عن الجبائي.