الآيات 27-30

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴿27﴾ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴿28﴾ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ﴿29﴾ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴿30﴾

اللغة:

واحد الجدد جدة وأما الجدد فجمع جديد قال المبرد الجدد الطرائق والخطوط قال امرؤ القيس:

كان سراته وجدة متنه

كنائن يجري بينهن دليص

يعني الخطة السوداء في ظهر حمار الوحش وكل طريقة جدة وجادة وقال الفراء هي الطرائق تكون في الجبال كالعروق بيض وسود وحمر والغربيب الشديد السواد الذي يشبه لون الغراب.

الإعراب:

﴿مختلفا﴾ صفة لثمرات و﴿ألوانها﴾ مرفوع بأنه فاعله ﴿مختلف ألوانه﴾ خبر مبتدإ محذوف تقديره ما هو مختلف ألوانه فالهاء في ألوانه عائد إلى هو ويجوز أن يكون الهاء عائدا إلى موصوف لمختلف تقديره جنس مختلف ألوانه وهو الأصح ﴿سرا وعلانية﴾ يجوز أن يكون نصبهما على الحال على تقدير أنفقوا مسرين ومعلنين ويجوز أن يكون على صفة مصدر أنفق تقديره أنفقوا إنفاقا مسرا ومعلنا و﴿يرجون﴾ في موضع نصب على الحال.

المعنى:

ثم عاد الكلام إلى ذكر دلائل التوحيد فقال سبحانه ﴿ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء﴾ أي غيثا ومطرا ﴿فأخرجنا﴾ أخبر عن نفسه بنون الكبرياء والعظمة ﴿به﴾ أي بذلك الماء ﴿ثمرات﴾ جمع ثمرة وهي ما تجتنى من الشجر ﴿مختلفا ألوانها﴾ وطعومها وروائحها اقتصر على ذكر الألوان لأنها أظهر ولدلالة الكلام على الطعوم والروائح ﴿ومن الجبال جدد﴾ أي ومما خلقنا من الجبال جدد ﴿بيض وحمر﴾ أي طرق بيض وطرق حمر ﴿مختلف ألوانها وغرابيب سود﴾ أي ومن الجبال غرابيب سود على لون واحد لا خطط فيها قال الفراء وهذا على التقديم والتأخير تقديره وسود غرابيب لأنه يقال أسود غربيب وأسود حالك وأقول ينبغي أن يكون سود عطف بيان يبين غرابيب به والأجود أن يكون تأكيدا إذ الغرابيب لا تكون إلا سودا فيكون كقولك رأيت زيدا زيدا وهذا أولى من أن يحمل على التقديم والتأخير ﴿ومن الناس﴾ أيضا ﴿والدواب﴾ التي تدب على وجه الأرض ﴿والأنعام﴾ كالإبل والغنم والبقر خلق ﴿مختلف ألوانه كذلك﴾ أي كاختلاف الثمرات والجبال وتم الكلام ثم قال ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ أي ليس يخاف الله حق خوفه ولا يحذر معاصيه خوفا من نقمته إلا العلماء الذين يعرفونه حق معرفته وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال يعني بالعلماء من صدق قوله فعله ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم وعن ابن عباس قال يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني وفي الحديث أعلمكم بالله أخوفكم لله قال مسروق كفى بالمرء علما أن يخشى الله وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعلمه وإنما خص سبحانه العلماء بالخشية لأن العالم أحذر لعقاب الله من الجاهل حيث يختص بمعرفة التوحيد والعدل ويصدق بالبعث والحساب والجنة والنار ومتى قيل فقد نرى من العلماء من لا يخاف الله ويرتكب المعاصي (فالجواب) أنه لا بد من أن يخافه مع العلم به وإن كان يؤثر المعصية عند غلبة الشهوة لعاجل اللذة ﴿إن الله﴾ تعالى ﴿عزيز﴾ في انتقامه من أعدائه ﴿غفور﴾ لزلات أوليائه ثم وصف سبحانه العلماء فقال ﴿إن الذين يتلون كتاب الله﴾ أي يقرءون القرآن في الصلاة وغيرها أثنى سبحانه عليهم بقراءة القرآن قال مطرف بن عبد الله الشخير هذه آية القراء ﴿وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم﴾ أي ملكناهم التصرف فيه ﴿سرا وعلانية﴾ أي في حال سرهم وفي حال علانيتهم وعن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي قال قام رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله ما لي لا أحب الموت قال ألك مال قال نعم قال فقدمه قال لا أستطيع قال فإن قلب الرجل مع ماله إن قدمه أحب أن يلحق به وإن أخره أحب أن يتأخر معه ﴿يرجون تجارة لن تبور﴾ أي راجين بذلك تجارة لن تكسد ولن تفسد ولن تهلك ﴿ليوفيهم أجورهم﴾ أي قصدوا بأعمالهم الصالحة وفعلوها لأن يوفيهم الله أجورهم بالثواب ﴿و يزيدهم﴾ على قدر استحقاقهم ﴿من فضله أنه غفور﴾ لذنوبهم ﴿شكور﴾ لحسناتهم عن الزجاج وقال الفراء خبر إن قوله ﴿يرجون تجارة لن تبور﴾ وروى ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال في قوله ﴿ويزيدهم من فضله﴾ هو الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليه معروفا في الدنيا وعن الضحاك قال يفسح لهم في قبورهم وقيل معنى شكور أنه يقبل اليسير ويثيب عليه الكثير تقول العرب أشكر من بروقة وتزعم أنها شجرة عارية من الورق تغيم السماء فوقها فتخضر وتورق من غير مطر.