الآيات 46-50

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿46﴾ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ ﴿47﴾ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ ﴿48﴾ لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ ﴿49﴾ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴿50﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة والشام وحفص ﴿من ثمرات﴾ على الجمع والباقون من ثمرة على التوحيد.

الحجة:

قال أبو علي من ثمرة إذا أفرد يدل على الكثرة واستغني به عن الجمع ويقوي الإفراد قوله ﴿وما تحمل من أنثى﴾ وحجة من جمع أن الجمع صحيح وأن المعنى على ذلك.

اللغة:

الأكمام جمع كم وكم جمع كمة عن ابن خالويه وقيل هي جمع كمة عن أبي عبيدة وهي الكفري وتكمم الرجل في ثوبه إذا تلفف به والإيذان الإعلام.

المعنى:

ثم احتج سبحانه عليهم بأن قال ﴿من عمل صالحا فلنفسه﴾ أي من عمل طاعة فلنفسه لأن ثواب ذلك واصل إليه ومنفعته تكون له دون غيره ﴿ومن أساء فعليها﴾ أي من عمل معصية فعلى نفسه وبال ذلك وعقابه يلحقه دون غيره ﴿وما ربك بظلام للعبيد﴾ وهذا على وجه المبالغة في نفي الظلم عن نفسه للعبيد وإنما قال ذلك مع أنه لا يظلم مثقال ذرة لأمرين (أحدهما) أن من فعل الظلم وإن قل وهو عالم بقبحه وبأنه غني عنه لكان ظلاما (والآخر) أنه على طريق الجواب لمن زعم أنه يظلم العباد فيأخذ أحدا بذنب غيره ويثيبه بطاعة غيره ثم بين سبحانه أنه العالم بوقت القيامة فقال ﴿إليه يرد علم الساعة﴾ التي يقع فيها الجزاء للمطيع والعاصي وهو يوم القيامة ﴿وما تخرج من ثمرات من أكمامها﴾ أي وما تخرج ثمرة من أوعيتها وغلفها ﴿وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه﴾ أي ولا تحمل أنثى من حمل ذكرا كان أو أنثى ولا تضع أنثى إلا في الوقت الذي علم سبحانه أنها تحمل فيه وتضع فيه فيعلم سبحانه قدر الثمار وكيفيتها وأجزاءها وطعومها وروائحها ويعلم ما في بطون الحبالى وكيفية انتقالها حالا بعد حال حتى يصير بشرا سويا ﴿ويوم يناديهم﴾ أي ينادي الله المشركين ﴿أين شركائي﴾ أي في قولكم وزعمكم كما قال أين شركائي الذين كنتم تزعمون ﴿قالوا آذناك ما منا من شهيد﴾ أي يقولون أعلمناك ما منا شاهد بأن لك شريكا يتبرءون يومئذ من أن يكون مع الله شريك ﴿وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل﴾ أي بطل عنهم وذهب ما كانوا أملوه من أصنامهم ﴿وظنوا﴾ أي أيقنوا ﴿ما لهم من محيص﴾ أي من مهرب وملجأ دخل الظن على ما التي للنفي كما تدخل على لام الابتداء وكلاهما له صدر الكلام والمعنى أنهم علموا أن لا مخلص لهم من عذاب الله وقد يعبر بالظن عن اليقين فيما طريقه الخبر دون العيان ثم بين سبحانه طريقتهم في الدنيا فقال ﴿لا يسأم الإنسان من دعاء الخير﴾ قال الكلبي الإنسان هاهنا يراد به الكافر أي لا يمل الكافر من دعائه الخير ولا يزال يسأل ربه الخير الذي هو المال والغنى والصحة والولد ﴿وإن مسه الشر﴾ أي البلاء والشدة والفقر ﴿فيؤوس﴾ أي فهو يؤوس شديد اليأس من الخير ﴿قنوط﴾ من الرحمة وقيل يؤوس من إجابة الدعاء قنوط سيء الظن بربه ﴿ولئن أذقناه رحمة منا﴾ أي خيرا وعافية وغنى ﴿من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي﴾ أي هذا بعملي وأنا محقوق به عن مجاهد قال وكل هذا من أخلاق الكافر وقيل معناه هذا لي دائما أبدا ﴿وما أظن الساعة قائمة﴾ أي كائنة على ما يقوله المسلمون ﴿ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى﴾ أي لست على يقين من البعث فإن كان الأمر على ذلك ورددت إلى ربي إن لي عنده الحالة الحسنى والمنزلة الحسنى وهي الجنة سيعطيني في الآخرة مثل ما أعطاني في الدنيا ثم هدد سبحانه من هذه صفته بأن قال ﴿فلننبئن الذين كفروا بما عملوا﴾ أي لنقفنهم يوم القيامة على مساوىء أعمالهم عن ابن عباس ﴿ولنذيقنهم من عذاب غليظ﴾ أي شديد متراكم.