الآيات 26-30

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴿26﴾ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿27﴾ ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴿28﴾ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ﴿29﴾ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴿30﴾

اللغة:

اللغو الكلام الذي لا معنى له يستفاد وإلغاء الكلمة إسقاط عملها يقال لغي يلغى ويلغو لغوا ولغا يلغى لغا قال عن اللغا ورفث التكلم.

الإعراب:

ذلك مبتدأ و﴿جزاء أعداء الله﴾ خبره والنار بدل من قوله ﴿جزاء أعداء الله﴾ ويجوز أن تكون النار تفسيرا كأنه قيل ما هو فقيل يقول هو النار قال الزجاج قوله: ﴿لهم فيها دار الخلد﴾ أي لهم في النار دار الخلد والنار هي الدار كما تقول لك في هذه الدار دار سرور وأنت تعي الدار بعينها كما قال الشاعر:

أخو رغائب يعطيها ويسألها

يأبى الظلامة منه النوفل الزفر

فيكون ذلك من باب التجريد وموضع ﴿ألا تخافوا﴾ نصب تقديره تتنزل عليهم الملائكة بأن لا تخافوا فلما حذف الباء وصل الفعل فنصبه.

المعنى:

ثم عطف سبحانه على ما تقدم من ذكر الكفار فقال ﴿وقال الذين كفروا﴾ أي قال رؤساؤهم لأتباعهم أو قال بعضهم لبعض يعني كفار قريش ﴿لا تسمعوا لهذا القرآن﴾ الذي يقرؤه محمد ولا تصغوا إليه ﴿والغوا فيه﴾ أي عارضوه باللغو والباطل وبما لا يعتد به من الكلام ﴿لعلكم تغلبون﴾ أي لتغلبوه باللغو والباطل ولا يتمكن أصحابه من الاستماع وقيل الغوا فيه بالتخليط في القول والمكاء والصفير عن مجاهد وقيل: معناه ارفعوا أصواتكم في وجهه بالشعر والرجز عن ابن عباس والسدي لما عجزوا عن معارضة القرآن احتالوا في اللبس على غيرهم وتواصوا بترك استماعه والإلغاء عنه فيه عند قراءته ثم أوعدهم الله سبحانه فقال ﴿فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا﴾ في الدنيا بالأسر والقتل يوم بدر وقيل في الآخرة ﴿ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون﴾ أي نجازيهم بأقبح الجزاء على أقبح معاصيهم وهو الكفر والشرك وخص الأسوأ بالذكر للمبالغة في الزجر وقيل: معناه لنجزينهم بأسوإ أعمالهم وهي المعاصي دون غيرها مما لا يستحق به العذاب ﴿ذلك﴾ يعني ما تقدم الوعيد به ﴿جزاء أعداء الله﴾ الذين عادوه بالعصيان والكفر وعادوا أولياءه من الأنبياء والمؤمنين ﴿النار﴾ وهي النار والكون فيها ﴿لهم فيها دار الخلد﴾ أي منزل الدوام والتأبيد ﴿جزاء﴾ لهم وعقوبة ﴿بما كانوا بآياتنا يجحدون﴾ يعني القرآن يجحدون بأنه من عند الله عن مقاتل ﴿و قال الذين كفروا﴾ أي وسيقول الكفار في النار ﴿ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس﴾ يعنون إبليس الأبالسة وقابيل بن آدم أول من أبدع المعصية روي ذلك عن علي (عليه السلام) وقيل المراد بذلك كل من أبدع الكفر والضلالة من الجن والإنس والمراد باللذين جنس الجن والإنس كما في قوله واللذان يأتيانها منكم ﴿نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين﴾ تمنوا لشدة عداوتهم لهم وبغضهم إياهم بما أضلوهم وأغووهم أن يجعلوهم تحت أقدامهم في الدرك الأسفل من النار وقيل: إن المراد به ندوسهما ونطاؤهما بأقدامنا إذلالا لهما ليكونا من الأسفلين الأذلين قال ابن عباس ليكونا أشد عذابا منا ولما ذكر سبحانه وعيد الكفار عقبه بذكر الوعد للمؤمنين الأبرار فقال ﴿إن الذين قالوا ربنا الله﴾ أي وحدوا الله تعالى بلسانهم واعترفوا به وصدقوا أنبياءه ﴿ثم استقاموا﴾ أي استمروا على أن الله ربهم وحده لم يشركوا به شيئا عن مجاهد وقيل معناه ثم استقاموا على طاعته وأداء فرائضه عن ابن عباس والحسن وقتادة وابن زيد وقيل ثم استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم وقيل ثم استقاموا على ما توجبه الربوبية من عبادته عن ابن مسلم وروي عن أنس قال قرأ علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية ثم قال قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها وروى محمد بن الفضيل قال سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الاستقامة فقال هي والله ما أنتم عليه ﴿تتنزل عليهم الملائكة﴾ يعني عند الموت عن مجاهد والسدي وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل تستقبلهم الملائكة إذا خرجوا من قبورهم في الموقف بالبشارة من الله عن الحسن وثابت وقتادة وقيل في القيامة عن الجبائي وأبي مسلم وقيل أن البشرى تكون في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث عن وكيع بن الجراح ﴿ألا تخافوا ولا تحزنوا﴾ أي تقولون لهم لا تخافوا عقاب الله ولا تحزنوا لفوات الثواب وقيل لا تخافوا مما أمامكم من أمور الآخرة ولا تحزنوا على ما وراءكم وعلى ما خلفتم من أهل وولد عن عكرمة ومجاهد وقيل لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم عن عطاء بن أبي رياح وقيل أن الخوف يتناول المستقبل والحزن يتناول الماضي وكان المعنى لا تخافوا فيما يستقبل من الأوقات ولا تحزنوا على ما مضى وهذا نهاية المطلوب ﴿وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون﴾ بها في دار الدنيا على ألسنة الأنبياء.