الآيات 11-15

ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴿11﴾ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴿12﴾ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴿13﴾ إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴿14﴾ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴿15﴾

الإعراب:

طوعا وكرها مصدران وضعا موضع الحال التقدير ائتيا تطيعان إطاعة أو تكرهان كرها وطائعين يدل على ذلك وهو منصوب على الحال.

﴿سبع سماوات﴾ أيضا منصوب على الحال بعد الفراغ من الفعل.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه خلق السماوات فقال ﴿ثم استوى إلى السماء وهي دخان﴾ أي ثم قصد إلى خلق السماء وكانت السماء دخانا وقال ابن عباس كانت بخار الأرض وأصل الاستواء الاستقامة والقصد للتدبير المستقيم تسوية له وقيل معناه ثم استوى أمره إلى السماء عن الحسن ﴿فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين﴾ قال ابن عباس أتت السماء بما فيها من الشمس والقمر والنجوم وأتت الأرض بما فيها من الأنهار والأشجار والثمار وليس هناك أمر بالقول على الحقيقة ولا جواب لذلك القول بل أخبر الله سبحانه عن اختراعه السماوات والأرض وإنشائه لهما من غير تعذر ولا كلفة ولا مشقة بمنزلة ما يقال للمأمور افعل فيفعل من غير تلبث ولا توقف فعبر عن ذلك بالأمر والطاعة وهو كقوله إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وإنما قال ﴿أتينا طائعين﴾ ولم يقل أتينا طائعتين لأن المعنى أتينا بمن فينا من العقلاء فغلب حكم العقلاء عن قطرب وقيل أنه لما خوطبن خطاب من يعقل جمعن جمع من يعقل كما قال وكل في فلك يسبحون ومثله كثير في كلامهم قال:

فأجهشت للبوباة حين رأيته

وكبر للرحمن حين رآني

فقلت له أين الذين رأيتهم

بجنبك في خفض وطيب زمان

فقال مضوا واستودعوني بلادهم

ومن ذا الذي يبقى على الحدثان

وقال آخر:

ألا أنعم صباحا أيها الرسم وأنطق

وحدث حديث الحي إن شئت وأصدق

وقد ذكرنا فيما تقدم من أمثال ذلك ما فيه كفاية وقوله سبحانه ﴿ثم استوى إلى السماء﴾ يفيد أنه خلق السماء بعد الأرض وخلق الأقوات فيها وقال سبحانه في موضع آخر والأرض بعد ذلك دحاها وعلى هذا فتكون الفائدة فيه أن الأرض كانت مخلوقة غير مدحوة فلما خلق الله السماء دحا بعد ذلك الأرض وبسطها وإنما جعل الله السماء أولا دخانا ثم سموات أطباقا ثم زينها بالمصابيح ليدل ذلك على أنه سبحانه قادر لنفسه لا يعجزه شيء.

عالم لذاته لا يخفى عليه شيء. غني لا يحتاج وكلما سواه محتاج إليه سبحانه وتعالى ﴿فقضاهن﴾ أي صنعهن وأحكمهن وفرغ من خلقهن ﴿سبع سماوات في يومين﴾ يوم الخميس والجمعة قال السدي إنما سمي جمعة لأنه جمع فيه خلق السماوات والأرض ﴿وأوحى في كل سماء أمرها﴾ أي خلق فيها ما أراده من ملك وغيره عن السدي وقتادة وقيل معناه وأمر في كل سماء بما أراد عن مقاتل وقيل وأوحى إلى أهل كل سماء من الملائكة ما أمرهم به من العبادة عن علي بن عيسى ﴿وزينا السماء الدنيا بمصابيح﴾ سمي الكواكب مصابيح لأنه يقع الاهتداء بها كقوله ﴿وبالنجم هم يهتدون﴾ ﴿وحفظا﴾ أي وحفظناها من استماع الشياطين قيل بالكواكب حفظا ﴿ذلك﴾ الذي ذكر ﴿تقدير العزيز﴾ في ملكه لا يمتنع عليه شيء ﴿العليم﴾ بمصالح خلقه لا يخفى عليه شيء ثم عقب سبحانه دلائل التوحيد بذكر الوعيد لأهل الشرك والجحود من العبيد فقال ﴿فإن أعرضوا﴾ عن الإيمان بك بعد هذا البيان ﴿فقل﴾ يا محمد لهم مخوفا إياهم ﴿أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود﴾ أي استعدوا للعذاب فقد خوفتكم عذابا مثل عذاب عاد وثمود لما أعرضوا عن الإيمان والصاعقة المهلكة من كل شيء وهي في العرف اسم للنار التي تنزل من السماء فتحرق ﴿إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم﴾.

إذ متعلقة بقوله ﴿صاعقة﴾ والتقدير نزلت بهم حين أتتهم الرسل من قبلهم ومن بعدهم عن ابن عباس يعني به الرسل الذين جاءوا آباءهم والرسل الذين جاءوهم في أنفسهم لأنهم كانوا خلف من جاء آباءهم من الرسل فيكون الهاء والميم في من خلفهم للرسل وقيل معناه أن منهم من تقدم زمانهم ومنهم من تأخر قال البلخي ويجوز أن يكون المراد: أتاهم أخبار الرسل من هاهنا ومن هاهنا ﴿ألا تعبدوا﴾ أي أرسلناهم بأن لا تعبدوا ﴿إلا الله﴾ وحده ولا تشركوا بعبادته غيره ﴿قالوا﴾ أي فقال المشركون عند ذلك ﴿لو شاء ربنا﴾ أن نؤمن به ونخلع الأنداد ﴿لأنزل ملائكة﴾ تدعونا إلى ذلك ولم يبعث بشرا مثلنا وكأنهم أنفوا من الانقياد لبشر مثلهم وجهلوا أن الله تعالى يبعث الأنبياء على حسب ما يعلمه من مصالح عباده ويعلم من يصلح للقيام بأعباء النبوة ﴿فإنا بما أرسلتم به كافرون﴾ أي أظهروا الكفر بهم والجحود ثم فصل سبحانه أخبارهم فقال ﴿فأما عاد فاستكبروا﴾ أي تجبروا وعتوا ﴿في الأرض﴾ وتكبروا على أهلها ﴿بغير الحق﴾ أي بغير حق جعله الله لهم بل للكفر المحض والظلم الصراح ﴿وقالوا من أشد منا قوة﴾ اغتروا بقوتهم لما هددهم بالعذاب فقالوا نحن نقدر على دفعه بفضل قوتنا إذ لا أحد أشد منا قوة فقال الله سبحانه ردا عليهم ﴿أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة﴾ أي أولم يعلموا أن الله الذي خلقهم وخلق فيهم هذه القوة أعظم اقتدارا منهم فلو شاء أهلكهم ﴿وكانوا بآياتنا﴾ أي بدلالاتنا ﴿يجحدون﴾ ينكرونها ولا يعترفون بها.