الآيات 76-82

وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا ﴿76﴾ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ﴿77﴾ أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴿78﴾ كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا ﴿79﴾ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا ﴿80﴾ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ﴿81﴾ كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴿82﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي ولدا بضم الواو وسكون اللام في هذه السورة أربعة مواضع وفي الزخرف أن كان للرحمن ولد وفي نوح وولده فهذه ستة مواضع وقرأ أهل البصرة وابن كثير وخلف في سورة نوح بالضم فقط وقرأ الباقون بفتح الواو واللام في جميع القرآن.

الحجة:

قال الفراء: من أمثال بني أسد ولدك من دمي عقبيك قال وكان معاذ الحرشي يقول: لا يكون الولد إلا جمعا وهذا واحد يعني الذي في المثل وأنشد:

فليت فلانا كان في بطن أمه

وليت فلانا كان ولد حمار

قال أبو علي: يجوز أن يكون جمعا كأسد وأسد ويجوز أن يكون واحدا فيكون ولد وولد كحزن وحزن وعرب وعرب فلا يكون كقول معاذ أنه لا يكون إلا جمعا وما أنشده الفراء من قوله:

وليت فلانا كان ولد حمار يدل على أنه واحد ليس بجمع فهو مثل الفلك الذي يكون مرة جمعا ومرة واحدا.

الإعراب:

﴿أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا﴾ الموصول هو المفعول الأول لرأيت والاستفهام في موضع المفعول الثاني وهو قوله تعالى ﴿أطلع الغيب﴾ الآية قال الزجاج: كلا زجر وردع وتنبيه أي هذا مما يرتدع به وينبه على وجه الضلالة فيه وقال الفراء: يكون صلة لما بعدها كقولك كلا ورب الكعبة وقال أبو حاتم: جاءت في القرآن على وجهين بمعنى لا يكون ذلك وبمعنى إلا التي للتنبيه وجاءت في مواضع متوجهة على التأويلين ويدل على ذلك أنها قد تكون مبتدأة مثل قوله علم الإنسان ما لم يعلم ثم ابتدأ كلا إن الإنسان ليطغى قال الأعشى:

كلا زعمتم بأنا لا نقاتلكم

إنا لأمثالكم يا قومنا قتل

وقال أبو العباس: لا يوقف على كلا لأنها جواب والفائدة تقع فيما بعدها وقيل يجوز الوقف عليه ومن مشكلات الوقف في القرآن الوقف على كلا وقد قسمه القرآن على أربعة أقسام (أحدها) ما يحسن الوقف عليه ويحسن الابتداء به (والثاني) يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء به (والثالث) يحسن الابتداء به ولا يحسن الوقف عليه (والرابع) لا يحسن الوقف عليه ولا الابتداء به وهو في القرآن في ثلاثة وثلاثين موضعا وليس في النصف الأول شي‏ء منه فأما القسم الأول وهو ما يحسن الوقف عليه والابتداء به فعشرة مواضع قوله ﴿أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا﴾ وقوله ﴿ليكونوا لهم عزا كلا﴾ وقوله تعالى ﴿لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا﴾ وقوله الذين ألحقتم به شركاء كلا وقوله ثم ينجيه كلا وقوله أن يدخل جنة نعيم كلا وقوله أن أزيد كلا وقوله صحفا منشرة كلا وقوله ربي أهانن كلا وقوله أن ماله أخلده كلا فمن جعل كلا في هذه المواضع ردا للأول بمعنى لا ليس الأمر كذلك وقف عليه ومن جعله بمعنى إلا التي للتنبيه أو بمعنى حقا ابتدأ به وهو يحتمل الوجهين في هذه المواضع (وأما الثاني) وهو ما يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء به فموضعان قوله فأخاف أن يقتلون قال كلا وقوله إنا لمدركون قال كلا (وأما الثالث) وهو ما يحسن الابتداء به ولا يحسن الوقف عليه فتسعة عشر موضعا قوله كلا إنها تذكرة كلا والقمر كلا إنه تذكرة كلا لما يقض ما أمره كلا بل تكذبون بالدين كلا إذا بلغت التراقي كلا لا وزر كلا بل تحبون العاجلة كلا سيعلمون كلا بل ران على قلوبهم كلا إن كتاب الفجار كلا إن كتاب الأبرار كلا إنهم عن ربهم كلا إذا دكت الأرض دكا كلا إن الإنسان ليطغى كلا لئن لم ينته كلا لا تطعه كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون.

يحسن الابتداء بكلا في هذه المواضع ولا يحسن الوقف عليه لأنه ليس بمعنى الرد للأول وقال بعضهم إنه يحسن الوقف على كلا في جميع القرآن لأنه بمعنى انتبه إلا في موضع واحد وهو قوله كلا والقمر لأنه موصول باليمين بمنزلة قوله أي وربي وأما (الرابع) فموضعان ثم كلا سيعلمون ثم كلا سوف تعلمون لا يحسن الوقف على ثم لأنه حرف عطف ولا على كلا لأن الفائدة فيما بعد هذين الحرفين.

النزول:

روي في الصحيح عن خباب بن الأرت قال كنت رجلا غنيا وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لي لا أقضيك حتى تكفر بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت لن أكفر به حتى تموت وتبعث قال فإني لمبعوث بعد الموت فسوف أقضيك دينك إذا رجعت إلى مال وولد قال فنزلت الآية ﴿أفرأيت الذي كفر بآياتنا﴾.

المعنى:

ثم بين سبحانه حال المؤمن فقال سبحانه ﴿ويزيد الله الذين اهتدوا هدى﴾ قيل معناه ويزيد الله الذين اهتدوا بالمنسوخ هدى بالناسخ عن مقاتل وقيل يزيدهم هدى بالمعونة على طاعاته والتوفيق لابتغاء مرضاته وهو ما يفتحه لهم من الدلالات وما يفعله بهم من الألطاف المقربة من الحسنات ﴿والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا﴾ قد مر تفسيره في سورة الكهف وجملته أن الأعمال الصالحة التي تبقى ببقاء ثوابها وتنفع صاحبها في الدنيا والآخرة خير ثوابا من مقامات الكفارات التي يفتخرون بها كل الافتخار ﴿وخير مردا﴾ أي خير عاقبة ومنفعة يقال هذا الشي‏ء أرد عليك أي أنفع وأعود عليك لأن العمل الصالح ذاهب عنه بفقده له فيرده الله تعالى عليه برد ثوابه إليه حتى يجده في نفسه ﴿أفرأيت الذي كفر بآياتنا﴾ أفرأيت كلمة تعجيب ومعناه أرأيت هذا الكافر الذي كفر بأدلتنا من القرآن وغيره وهو العاص بن وائل عن ابن عباس ومجاهد وقيل الوليد بن المغيرة عن الحسن وقيل هو عام فيمن له هذه الصفة عن أبي مسلم ﴿وقال لأوتين مالا وولدا﴾ استهزاء أي لأعطين مالا وولدا في الجنة عن الكلبي وقيل أعطي في الدنيا أي إن أقمت على دين آبائي وعبادة آلهتي أعطيت مالا وولدا ﴿أطلع الغيب﴾ هذه همزة الاستفهام دخلت على همزة الوصل فسقطت همزة الوصل ومعناه أعلم الغيب حتى يعلم أهو في الجنة أم لا عن ابن عباس ومجاهد وقيل معناه أنظر في اللوح المحفوظ عن الكلبي وتأويله أشرف على علم الغيب حتى علم أنه سنؤتيه مالا وولدا وأنه إن بعث رزق مالا وولدا ﴿أم اتخذ عند الرحمن عهدا﴾ أي اتخذ عند الله عهدا بعمل صالح قدمه عن قتادة وقيل معناه أم عهد الله إليه أنه يدخل الجنة عن الكلبي وقيل معناه أم قال لا إله إلا الله فيرحمه الله بها عن ابن عباس ﴿كلا﴾ أي ليس الأمر على ما قال من أنه يؤتى المال والولد ويجوز أن يكون المعنى كلا إنه لم يطلع الغيب ولم يتخذ عند الله عهدا ﴿سنكتب ما يقول﴾ أي سنأمر الحفظة بإثباته عليه لنجازيه به في الآخرة ونوافقه عليه ﴿ونمد له من العذاب مدا﴾ أي نصل له بعض العذاب بالبعض ونزيده عذابا فوق العذاب فلا ينقطع عذابه أبدا وأكد الفعل بالمصدر كما يؤكد بالتكرير ﴿ونرثه ما يقول﴾ أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه عن ابن عباس وقتادة وابن زيد ﴿ويأتينا فردا﴾ أي يأتي الآخرة وحيدا بلا مال ولا ولد ولا عدة ولا عدد ﴿واتخذوا من دون الله آلهة﴾ يعني أن هؤلاء الكفار الذين وصفتهم اتخذوا آلهة أي أصناما عبدوها ﴿ليكونوا لهم عزا﴾ أي ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة عن الفراء وهذا معنى قول ابن عباس ليمنعوهم مني وذلك أنهم رجوا منها الشفاعة والنصرة والمراد ليصيروا بهم إلى العز قال الله سبحانه ﴿كلا﴾ أي ليس الأمر كما ظنوا بل صاروا بهم إلى الذل والعذاب ﴿سيكفرون بعبادتهم﴾ أي سيجحدون بأن يكونوا عبدوها ويتبرءون منها لما يشاهدون من سوء عاقبة أمرهم ويقولون ﴿والله ربنا ما كنا مشركين﴾ وقيل معناه أن المعبودين سيكفرون بعبادة المشركين لها ويكذبونهم فيها كما قال حكاية عنهم تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون عن الجبائي ﴿ويكونون عليهم ضدا﴾ قال الأخفش: الضد يكون واحدا وجمعا كالرسول والعدو ومعناه ويكونون عونا عليهم وأعداء لهم يخاصمونهم ويكذبونهم وقيل ويكونون قرناء لهم في النار ويلعنونهم ويتبرءون منهم عن قتادة وقيل ويكونون أعداءهم يوم القيامة وكانوا في الدنيا أولياءهم عن القتيبي.