الآيات 1-2

بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿1﴾ فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ﴿2﴾

اللغة:

معنى البراءة انقطاع العصمة يقال برأ يبرأ براءة وتبرء تبرءا وأبرأه إبراء والسيح السير على مهل يقال ساح سيح سيحا وسياحة وسيوحا وسيحانا والإعجاز إيجاد العجز والعجز ضد القدرة عند من أثبته معنى والإخزاء الإذلال بما فيه الفضيحة والعار والخزي النكال الفاضح.

الإعراب:

براءة ترتفع على أنها خبر مبتدإ محذوف وتقديره هذه الآيات براءة ويحتمل أن يكون مبتدأ وخبره في الظرف وهو قوله ﴿إلى الذين﴾ وجاز أن يكون المبتدأ نكرة لأنها موصوفة والأول أجود لأنه يدل على حضور المدرك كما تقول لمن تراه حاضرا حسن والله أي هذا حسن.

المعنى:

﴿براءة من الله﴾ أي هذه براءة من الله ﴿ورسوله﴾ أي انقطاع للعصمة ورفع للأمان وخروج من العهود ﴿إلى الذين عاهدتم من المشركين﴾ الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وللمسلمين والمعنى تبرؤا ممن كان بينكم وبينهم عهد من المشركين فإن الله ورسوله بريئان منهم قال الزجاج معناه قد برىء الله ورسوله من إعطائهم العهود والوفاء لهم بهما إذ نكثوا وإذا قيل كيف يجوز أن ينقض النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) العهد فالقول فيه أنه يجوز أن ينقض ذلك على أحد ثلاثة أوجه إما أن يكون العهد مشروطا بأن يبقى إلى أن يرفعه الله تعالى بوحي وإما أن يكون قد ظهر من المشركين خيانة ونقض فأمر الله سبحانه بأن ينبذ إليهم عهدهم وإما أن يكون مؤجلا إلى مدة فتنقضي المدة وينتقض العهد وقد وردت الرواية بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) شرط عليهم ما ذكرناه وروي أيضا أن المشركين كانوا قد نقضوا العهد أو هموا بذلك فأمره الله سبحانه أن ينقض عهودهم ثم خاطب الله سبحانه المشركين فقال ﴿فسيحوا في الأرض﴾ أي سيروا في الأرض على وجه المهل وتصرفوا في حوائجكم آمنين من السيف ﴿أربعة أشهر﴾ فإذا انقضت هذه المدة ولم تسلموا انقطعت العصمة عن دمائكم وأموالكم ﴿واعلموا أنكم غير معجزي الله﴾ أي غير فائتين عن الله كما يفوت ما يعجز عنه لأنكم حيث كنتم في سلطان الله وملكه ﴿وأن الله مخزي الكافرين﴾ أي مذلهم ومهينهم واختلف في هذه الأشهر الأربعة فقيل كان ابتداؤها يوم النحر إلى العاشر من شهر ربيع الآخر عن مجاهد ومحمد بن كعب القرظي وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل إنما ابتداء أجلهم الأشهر الأربعة من أول شوال إلى آخر المحرم لأن هذه الآية نزلت في شوال عن ابن عباس والزهري قال الفراء كانت المدة إلى آخر المحرم لأنه كان فيهم من كانت مدته خمسين ليلة وهو من لم يكن له عهد من النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فجعل الله له ذلك وقيل إن من كان له عهد من النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أكثر من أربعة أشهر حط إلى أربعة أشهر ومن كان له عهد أقل منها رفع إليها عن الحسن وابن إسحاق قيل كان ابتداء الأشهر الأربعة يوم النحر لعشرين من ذي القعدة إلى عشرين من شهر ربيع الأول لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت ثم صار في السنة الثانية في ذي الحجة وفيها حجة الوداع وكان سبب ذلك النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية على ما سيأتي بيانه إن شاء تعالى عن الجبائي.

القصة:

أجمع المفسرون ونقلة الأخبار أنه لما نزلت براءة دفعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى أبي بكر ثم أخذها منه ودفعها إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) واختلفوا في تفصيل ذلك فقيل أنه بعثه وأمره أن يقرأ عشر آيات من أول هذه السورة وأن ينبذ إلى كل ذي عهد عهده ثم بعث عليا خلفه ليأخذها ويقرأها على الناس فخرج على ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) العضباء حتى أدرك أبا بكر بذي الحليفة فأخذها منه وقيل أن أبا بكر رجع فقال هل نزل في شيء فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا إلا خيرا ولكن لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني وقيل أنه قرأ علي براءة على الناس وكان أبو بكر أميرا على الموسم عن الحسن وقتادة وقيل أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أخذها من أبي بكر قبل الخروج ودفعها إلى علي (عليه السلام) وقال لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني عن عروة بن الزبير وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وروى أصحابنا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولاه أيضا الموسم وأنه حين أخذ البراءة من أبي بكر رجع أبو بكر وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن سماك بن حرب عن أنس بن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة فلما بلغ ذا الحليفة بعث إليه فرده وقال لا يذهب بهذا إلا رجل من أهل بيتي فبعث عليا (عليه السلام) وروى الشعبي عن محرز بن أبي هريرة عن أبي هريرة قال كنت أنادي مع علي حين أذن المشركين فكان إذا صحل صوته فيما ينادي دعوت مكانه قال فقلت يا أبت أي شيء كنتم تقولون قال كنا نقول لا يحج بعد عامنا هذا مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ولا يدخل البيت إلا مؤمن ومن كانت بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مدة فإن أجله إلى أربعة أشهر فإذا انقضت الأربعة الأشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله وروى عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال خطب علي (عليه السلام) الناس واخترط سيفه فقال لا يطوفن بالبيت عريان ولا يحجن البيت مشرك ومن كانت له مدة فهو إلى مدته ومن لم يكن له مدة فمدته أربعة أشهر وكان خطب يوم النحر وكانت عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر وقال يوم النحر يوم الحج الأكبر وذكر أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن زيد بن نفيع قال سألنا عليا (عليه السلام) بأي شيء بعثت في ذي الحجة قال بعثت بأربعة لا يدخل الكعبة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا ومن كان بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر وروي أنه (عليه السلام) قام عند جمرة العقبة وقال يا أيها الناس إني رسول الله إليكم بأن لا يدخل البيت كافر ولا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد عند رسول الله فله عهده إلى أربعة أشهر ومن لا عهد له فله مدة بقية الأشهر الحرم وقرأ عليهم سورة براءة وقيل قرأ عليهم ثلاث عشرة آية من أول براءة وروي أنه (عليه السلام) لما نادى فيهم أن الله بريء من المشركين أي من كل مشرك قال المشركون نحن نتبرأ من عهدك وعهد ابن عمك ثم لما كانت السنة المقبلة وهي سنة عشر حج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حجة الوداع وقفل إلى المدينة ومكث بقية ذي الحجة الحرام والمحرم وصفر وليالي من شهر ربيع الأول حتى لحق بالله عز وجل.