الآيات 12-15

يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴿12﴾ وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ﴿13﴾ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا ﴿14﴾ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴿15﴾

اللغة:

أصل الحنان الرحمة يقال حنانك وحنانيك وقال امرؤ القيس:

ويمنحها بنو شمجى بن جرم

وقال آخر:

قالت حنان ما أتى بك هاهنا

أذو نسب أم أنت بالحي عارف

أي أمرنا حنان قال أبو عبيدة: وأكثر ما يستعمل بلفظ التثنية قال طرفة:

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا

حنانيك بعض الشر أهون من بعض

وتحنن عليه أي تعطف عليه قال الحطيئة لعمر بن الخطاب:

تحنن علي هداك المليك

فإن لكل مقام مقالا

وحنت عليه أحن حنينا وحنانا وحنة الرجل امرأته والجبار الذي لا يرى لأحد عليه حقا وفيه جبرية وجبروت والجبار من النخل ما فأت اليد.

الإعراب:

﴿ بقوة﴾ الباء في موضع الحال أي خذ الكتاب مجدا مجتهدا.

المعنى:

ثم قال سبحانه ﴿يا يحيى خذ الكتاب بقوة﴾ هاهنا اختصار عجيب تقديره فوهبنا له يحيى وأعطيناه الفهم والعقل وقلنا له يا يحيى خذ الكتاب يعني التوراة بما قواك الله عليه وأيدك به ومعناه وأنت قادر على أخذه قوي على العمل به وقيل معناه بجد وصحة عزيمة على القيام بما فيه ﴿وآتيناه الحكم صبيا﴾ أي آتيناه النبوة في حال صباه وهو ابن ثلاث سنين عن ابن عباس وروى العياشي بإسناده عن علي بن أسباط قال قدمت المدينة وأنا أريد مصر فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) وهو إذ ذاك خماسي فجعلت أتأمله لأصفه لأصحابنا بمصر فنظر إلي فقال لي يا علي إن الله قد أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة قال ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وقال ﴿وآتيناه الحكم صبيا﴾ فقد يجوز أن يعطي الحكم ابن أربعين سنة ويجوز أن يعطاه الصبي وقيل إن الحكم الفهم وهو أنه أعطي فهم الكتاب حتى حصل له عظيم الفائدة عن مجاهد وعن معمر قال إن الصبيان قالوا ليحيى اذهب بنا لنلعب فقال ما للعب خلقنا فأنزل الله فيه ﴿وآتيناه الحكم صبيا﴾ وروي ذلك عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ﴿وحنانا من لدنا﴾ والحنان العطف والرحمة أي وآتيناه رحمة من عندنا عن ابن عباس وقتادة والحسن وقيل معناه تحننا على العباد ورقة قلب عليهم ليدعوهم إلى طاعة الله تعالى عن الجبائي وقيل معناه محبة منا عن عكرمة وأصله الشفقة والرقة ومنه حنين الناقة وهو صوتها إذا اشتاقت إلى ولدها وقيل معناه تحنن الله عليه كان إذا قال يا رب قال الله لبيك يا يحيى وهو المروي عن الباقر (عليه السلام) وقيل معناه تعطفا منا عن مجاهد فهذه خمسة أقوال ﴿وزكاة﴾ أي وعملا صالحا زاكيا عن قتادة والضحاك وابن جريج وقيل زكاة لمن قبل دينه حتى يكونوا أزكياء عن الحسن وقيل يعني بالزكاة طاعة الله والإخلاص عن ابن عباس وقيل معناه وصدقة تصدق الله به على أبويه عن الكلبي وقيل معناه وزكيناه بحسن الثناء عليه كما يزكي الشهود الإنسان عن الجبائي فهذه خمسة أقوال ﴿وكان تقيا﴾ أي مخلصا مطيعا متقيا لما نهى الله عنه قالوا وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها سؤال يقال لم أضاف الله سبحانه كونه زكاة إلى نفسه وهو إنما كان مطيعا زكيا بفعله وجوابه إنه إنما صار كذلك بألطاف من الله لا سيما في تلك الحالة من الصغر ولأنه إنما اهتدى بهداية الله إياه ﴿وبرا بوالديه﴾ أي بارا بوالديه محسنا إليهما مطيعا لهما لطيفا بهما طالبا مرضاتهما ﴿ولم يكن جبارا﴾ أي متكبرا متطاولا على الخلق وقيل الجبار الذي يقتل ويضرب على الغضب عن ابن عباس ﴿عصيا﴾ أي عاصيا لربه فعيل بمعنى فاعل ﴿وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا﴾ أي سلام عليه منا في هذه الأيام عن عطاء وقيل وسلامة وأمان له منا عن الكلبي ومعناه سلامة وأمن له يوم ولد من عبث الشيطان به وإغوائه إياه ويوم يموت من بلاء الدنيا ومن عذاب القبر ويوم يبعث حيا من هول المطلع وعذاب النار وإنما قال ﴿حيا﴾ تأكيدا لقوله ﴿يبعث﴾ وقيل يعني أنه يبعث مع الشهداء لأنهم وصفوا بأنهم أحياء قال سفيان بن عيينة: أوحش ما يكون الإنسان في ثلاثة مواطن يوم ولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم وأحكاما ليس له بها عهد ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم فخص الله سبحانه يحيى بالكرامة والسلام والسلامة في المواطن الثلاثة وقيل إن السلام الأول يوم الولادة تفضل والثاني والثالث على وجه الثواب والجزاء.