الآيـة 280

وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿280﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر عسرة بضم السين والباقون ﴿عسرة﴾ بإسكانها وهما لغتان وقرأ زيد عن يعقوب ميسرة بضم السين مضافا إلى الهاء وروي ذلك عن مجاهد وقرأ عاصم تصدقوا بتخفيف الصاد والباقون بتشديدها وقد تقدم الكلام في مثله فإن الأصل في القراءتين تتصدقوا فخفف في إحداهما بحذف إحدى التاءين وفي الأخرى بالإدغام.

اللغة:

النظرة التأخير وهو اسم قام مقام الإنظار مثل أخرة يقال بعته بأخرة وبنظرة أي بنسيئة ورأيت فلانا بأخرة الناس أي في آخرهم والميسرة والميسور بمعنى اليسار والغنى والسعة وما روي من قراءة من قرأ إلى ميسرة فلم يجزه البصريون لأن مفعل لا يجيء في الآحاد إلا بالتاء وقد جاء في الجمع قال جميل:

بثين الزمي لا إن لا إن لزمته

على كثرة الواشين أي معون وروي:

أبلغ النعمان عني مالكا

أنه قد طال حبسي وانتظاري

والأول جمع معونة وم آلك جمع مألكة وهي الرسالة ومثل هذا الذي نقل لا يتعد به سيبويه فربما أطلق القول وقال ليس في الكلام كذا وإن كان قد جاء عليه حرف أو حرفان.

الإعراب:

كان هذه هي التامة وهي التي تتم بفاعلها ويكتفي به وتقديره وإن وقع ذو عسرة وقيل هي ناقصة محذوفة الخبر وتقديره وإن كان ذو عسرة غريما لكم وكان يجوز لو قرىء وإن كان ذا عسرة أي وإن كان الذي عليه الدين ذا عسرة وروي ذلك في الشواذ عن أبي فنظرة مرفوعة لأنها خبر مبتدأ محذوف والفاء فيه للجزاء وتقديره فالذي تعاملونه به نظرة ﴿وأن تصدقوا﴾ في موضع رفع بأنه مبتدأ وخبره ﴿خير لكم﴾.

المعنى:

لما أمر سبحانه بأخذ رأس المال من الموسر بين بعده حال المعسر فقال ﴿وإن كان ذو عسرة﴾ معناه وإن وقع في غرمائكم ذو عسرة ويجوز أن يكون تقديره وإن كان غريما لكم ذو عسرة ﴿فنظرة﴾ أي فالذي تعاملونه به نظرة ﴿إلى ميسرة﴾ أي إلى وقت اليسار أي فالواجب نظرة صيغة الخبر والمراد به الأمر أي فانظروه إلى وقت يساره واختلف في حد الإعسار فروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال هو إذا لم يقدر على ما يفضل من قوته وقوت عياله على الاقتصاد وقال أبو علي الجبائي هو التعذر بالإعدام أو بكساد المتاع أو نحوه واختلف في وجوب إنظار المعسر على ثلاثة أقوال (أحدها) أنه واجب في كل دين عن ابن عباس والضحاك والحسن وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (وثانيها) أنه واجب في دين الربا خاصة عن شريح وإبراهيم النخعي (وثالثها) أنه واجب في دين الربا بالآية وفي كل دين بالقياس عليه وقال الباقر (عليه السلام) ﴿إلى ميسرة﴾ معناه إلى أن يبلغ خبره الإمام فيقضي عنه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في المعروف ﴿وأن تصدقوا خير لكم﴾ معناه وأن تتصدقوا على المعسر بما عليه من الدين خير لكم ﴿إن كنتم تعلمون﴾ الخير من الشر وتميزون ما لكم عما عليكم ومما جاء في معنى الآية من الحديث قوله (عليه السلام) من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وروي بريدة عنه أنه قال من أنظر معسرا كان له بكل يوم صدقة وفي هذه الآية دلالة على أن الإنسان إن علم أن غريمه معسر حرم عليه حبسه وملازمته ومطالبته بما له عليه وإنما يجب عليه إنظاره انتظارا لليسارة وإن الصدقة برأس المال على المعسر خير وأفضل من انتظار يسره وروي عن ابن عباس وابن عمر آخر ما نزلت من القرآن آي الربا.