الآيات 25-37

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ ﴿25﴾ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ ﴿26﴾ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴿27﴾ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ ﴿28﴾ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ﴿29﴾ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ﴿30﴾ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴿31﴾ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ﴿32﴾ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴿33﴾ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴿34﴾ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ﴿35﴾ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ﴿36﴾ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ ﴿37﴾

اللغة:

القاضية الفاصلة بالإماتة يقال قضى فلان إذا مات وأصله فصل الأمر ومنه قضية الحاكم ومنه قضاء الله وهو في الإخبار بما يكون على القطع والتصلية إلزام النار ومنه الاصطلاء وهو القعود عند النار للدفاء والجحيم النار العظيمة والسلسلة حلق منتظمة كل واحدة منها في الأخرى ويقال سلسل كلامه إذا عقد شيئا منه بشيء وتسلسل الشيء إذا استمر على الولاء شيئا قبل شيء وذرع الثوب يذرعه ذرعا مأخوذ من الذراع والغسلين الصديد الذي ينغسل بسيلانه من أبدان أهل النار ووزنه فعلين من الغسل.

الإعراب:

قوله ﴿كتابيه﴾ و﴿حسابيه﴾ و﴿ماليه﴾ و﴿سلطانيه﴾ قال الزجاج الوجه أن يوقف على هذه الهاءات ولا توصل لأنها أدخلت للوقف وقد حذفها قوم في الوصل ولا أحب مخالفة المصحف ولا أن أقرأ وأثبت الهاءات في الوصل وهذه رءوس آيات فالوجه أن يوقف عندها وكذلك قوله ما هية ﴿فليس له اليوم هاهنا حميم﴾ الجار والمجرور خبر ليس ليصح قوله ﴿ولا طعام إلا من غسلين﴾ أي ولا له طعام ولا يكون الخبر هاهنا لأن التقدير يصير ولا طعام هاهنا إلا من غسلين وهذا غير جائز إذ هنا طعام غير غسلين ولا يكون الخبر اليوم لأن حميم جثة وظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه حال أهل النار فقال ﴿وأما من أوتي﴾ أي أعطي ﴿كتابه﴾ الذي هو صحيفة أعماله ﴿بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه﴾ أي تمنى أنه لم يؤته لما يرى فيه مقابح أعماله التي يسود لها وجهه ﴿ولم أدر ما حسابيه﴾ أي ولم أدر أي شيء حسابي لأنه لا حاصل له في ذلك الحساب وإنما هو كله عليه ﴿يا ليتها كانت القاضية﴾ الهاء في ليتها كناية عن الحال التي هم فيها وقيل هي كناية عن الموتة الأولى والقاضية القاطعة للحياة أي ليت الموتة الأولى التي متنا لم نحيي بعدها عن الفراء يتمنى دوام الموت وأنه لم يبعث للحساب وقال قتادة تمنى يومئذ الموت ولم يكن في الدنيا شيء عنده أكره من الموت ﴿ما أغنى عني ماليه﴾ أي ما دفع عني مالي من عذاب الله شيئا وقيل معناه إني قصرت همتي على تحصيل المال ليكشف الكرب عني فما نفعني اليوم ﴿هلك عني سلطانيه﴾ أي حجتي عن ابن عباس ومجاهد أي ضل عني ما كنت أعتقده حجة وقيل معناه هلك عني تسلطي وأمري ونهيي في دار الدنيا على ما كنت مسلطا عليه فلا أمر لي ولا نهي ثم أخبر سبحانه أنه يقول للملائكة ﴿خذوه فغلوه﴾ أي أوثقوه بالغل وهو أن تشد إحدى يديه ورجليه إلى عنقه بجامعة ﴿ثم الجحيم صلوه﴾ أي ثم أدخلوه النار العظيمة وألزموه إياها ﴿ثم في سلسلة ذرعها﴾ أي طولها ﴿سبعون ذراعا فاسلكوه﴾ أي اجعلوه فيها لأنه يؤخذ عنقه فيها ثم يجر بها قال الضحاك إنما تدخل في فيه وتخرج من دبره فعلى هذا يكون المعنى ثم اسلكوا السلسلة فيه فقلب كما يقال أدخلت القلنسوة في رأسي وقال الأعشى:

إذا ما السراب ارتدى بالأكم وإنما ارتدى الأكم بالسراب ولكنه قلب وقال نوف البكالي كل ذراع سبعون باعا والباع أبعد مما بينك وبين مكة وكان في رحبة الكوفة وقال الحسن الله أعلم بأي ذراع هو وقال سويد بن نجيح إن جميع أهل النار في تلك السلسلة ولو أن حلقة منها وضعت على جبل لذاب من حرها ثم قال سبحانه ﴿إنه كان لا يؤمن بالله العظيم﴾ شأنه أي لم يكن يوحد الله في دار التكليف ولا يصدق به ﴿ولا يحض على طعام المسكين﴾ وهو المحتاج الفقير والمعنى أنه كان يمنع الزكاة والحقوق الواجبة ﴿فليس له اليوم هاهنا حميم﴾ أي صديق ينفعه ﴿ولا طعام﴾ أي ولا له اليوم طعام ﴿إلا من غسلين﴾ وهو صديد أهل النار وما يجري منهم فالطعام هو ما هيىء للأكل ولذلك لا يسمى التراب طعاما للإنسان فلما هيىء الصديد لأكل أهل النار كان ذلك طعاما لهم وقيل إن أهل النار طبقات فمنهم من طعامه غسلين ومنهم من طعامه الزقوم ومنهم من طعامه الضريع لأنه قال في موضع آخر ليس لهم طعام إلا من ضريع وقيل يجوز أن يكون الضريع هو الغسلين فعبر عنه بعبارتين عن قطرب وقيل يجوز أن يكون المراد ليس لهم طعام إلا من ضريع ولا شراب إلا من غسلين كما قال الشاعر:

علفتها تبنا وماء باردا

حتى شقت همالة عيناها

﴿لا يأكله﴾ أي لا يأكل الغسلين ﴿إلا الخاطئون﴾ وهم الجائرون عن طريق الحق عامدين والفرق بين الخاطىء والمخطىء أن المخطىء قد يكون من غير تعمد والخاطىء المذنب المتعمد الجائر عن الصراط المستقيم قال امرؤ القيس:

يا لهف هند إذ خطئن كاهلا

القاتلين الملك الحلاحلا