الآيات 1-10

الْحَاقَّةُ ﴿1﴾ مَا الْحَاقَّةُ ﴿2﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ ﴿3﴾ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ﴿4﴾ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ﴿5﴾ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴿6﴾ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴿7﴾ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ ﴿8﴾ وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ﴿9﴾ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً ﴿10﴾

القراءة:

قرأ أهل البصرة والكسائي ومن قبله بكسر القاف وفتح الباء والباقون ﴿ومن قبله﴾ بفتح القاف وسكون الباء.

الحجة:

قال سيبويه قبل لما ولي الشيء تقول ذهبت قبل السوق ولي قبلك حق أي فيما يليك واتسع فيه حتى صار بمنزلة لي عليك حق وحجة من قرأ أنهم زعموا أن في قراءة أبي وجاء فرعون ومن معه وهذا يقوي ومن قبله لأن قبل لما ولي الشيء مما لم يتخلف عنه وهو يتبعه ويحف به وحجة من قال ﴿ومن قبله﴾ أن معناه ومن قبله من الأمم التي كفرت كما كفر هو.

اللغة:

قال ابن الأنباري الحاقة الواجبة حق أي وجب يحق حقا وحقوقا فهو حاق وقال الفراء تقول العرب لما عرفت الحق مني هربت والحقة والحاقة بمعنى وقيل سميت القيامة الحاقة لأنها تحق الكفار من قولهم حاقته فحققته مثل خاصمته فخصمته وسميت القارعة لأنها تقرع قلوب العباد بالمخافة إلى أن يصير المؤمنون إلى الأمن ودريت الشيء دراية ودرية علمته وأدريته أعلمته والطاغية الطغيان مصدر مثل العافية والصرصر الريح الشديدة الصوت والحسوم المتوالية مأخوذ من حسم الداء بمتابعة الكي عليه فكأنه تتابع الشر عليهم حتى استأصلهم وقيل هو من القطع فكأنها حسمتهم حسوما أي أذهبتهم وأفنتهم وقطعت دابرهم والخاوية الخالية التي لا شيء في أجوافها.

الإعراب:

العامل في ﴿الحاقة﴾ أحد شيئين إما الابتداء والخبر ﴿ما الحاقة﴾ كما تقول زيد ما زيد وإما أن يكون خبر مبتدإ محذوف أي هذه الحاقة ثم قيل أي شيء الحاقة تفخيما لشأنها وحسوما نصب على المصدر الموضوع موضع الصفة لثمانية أي تحسمهم حسوما ويجوز أن يكون جمع حاسم فيكون مثل راقد ورقود وساجد وسجود وعلى هذا فيكون منصوبا على أنه صفة لثمانية أيضا وصرعى نصب على الحال وقوله ﴿كأنهم أعجاز نخل خاوية﴾ جملة في موضع الحال من صرعى أي صرعوا أمثال نخل خاوية ومن مزيدة في قوله ﴿من باقية﴾.

المعنى:

﴿الحاقة﴾ اسم من أسماء القيامة في قول جميع المفسرين وسميت بذلك لأنها ذات الحواق من الأمور وهي الصادقة الواجبة الصدق لأن جميع أحكام القيامة واجبة الوقوع صادقة الوجود ﴿ما الحاقة﴾ استفهام معناه التفخيم لحالها والتعظيم ولشأنها ثم زاد سبحانه في التهويل فقال ﴿وما أدراك ما الحاقة﴾ أي كأنك لست تعلمها إذ لم تعاينها ولم تر ما فيها من الأهوال قال الثوري يقال للمعلوم ما أدراك ولما ليس بمعلوم ما يدريك في جميع القرآن وإنما قال لمن يعلمها ما أدراك لأنه إنما يعلمها بالصفة ثم أخبر سبحانه عن المكذبين بها فقال ﴿كذبت ثمود وعاد بالقارعة﴾ أي بيوم القيامة وإنما حسن أن توضع القارعة موضع الكناية لتذكر بهذه الصفة الهائلة بعد ذكرها بأنها الحاقة إلا فقد كان يكفي أن يقول كذبت ثمود وعاد بها ثم أخبر سبحانه عن كيفية إهلاكهم فقال ﴿فأما ثمود﴾ وهم قوم صالح ﴿فأهلكوا بالطاغية﴾ أي أهلكوا بطغيانهم وكفرهم عن ابن عباس ومجاهد وقيل معناه أهلكوا بالصيحة الطاغية وهي التي جاوزت المقدار حتى أهلكتهم عن قتادة والجبائي وأبي مسلم وقال الزجاج أهلكوا بالرجفة الطاغية وقيل بالخصلة المتجاوزة لحال غيرها في الشدة التي أهلك الله بها أهل الفساد ﴿وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر﴾ أي باردة عن ابن عباس وقتادة كأنه تصطك الأسنان بما يسمع من صوتها لشدة بردها وقيل الصرصر الشديدة العصوف المتجاوزة لحدها المعروف ﴿عاتية﴾ عتت على خزانها في شدة الهبوب روى الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال ما يخرج من الريح شيء إلا عليها خزان يعلمون قدرها وعددها وكيلها حتى كانت التي أرسلت على عاد فاندفق منها فهم لا يعلمون قدر غضب الله فلذلك سميت عاتية ﴿سخرها عليهم﴾ أي سلطها الله وأرسلها عليهم ﴿سبع ليال وثمانية أيام﴾ قال وهب وهي التي تسميها العرب أيام العجوز ذات برد ورياح شديدة وإنما نسبت هذه الأيام إلى العجوز لأن عجوزا دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلتها اليوم الثامن من نزول العذاب فانقطع العذاب في اليوم الثامن وقيل سميت أيام العجوز لأنها في عجز الشتاء ولها أسامي مشهورة قالوا لليوم الأول صن وللثاني صنبر والثالث وبر وللرابع مطفىء الجمر وللخامس مكفي الظعن وقيل للسادس الآمر وللسابع المؤتمر والثامن المعلل وقال في ذلك شاعرهم:

كسع الشتاء بسبعة غبر

أيام شهلتنا مع الشهر

فبأمر وأخيه مؤتمر

ومعلل وبمطفيء الجمر

فإذا انقضت أيام شهلتنا

بالصن والصنبر والوبر

ذهب الشتاء موليا هربا

وأتتك وافدة من النجر

﴿حسوما﴾ أي ولاء متتابعة ليست لها فترة عن ابن عباس وابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة كأنه تتابع عليهم الشر حتى استأصلهم وقيل دائمة عن الكلبي ومقاتل وقيل قاطعة قطعتهم قطعا حتى أهلكتهم عن الخليل وقيل مشائيم نكداء قليلة الخير حسمت الخير عن أهلها عن عطية ﴿فترى القوم فيها﴾ أي في تلك الأيام والليالي ﴿صرعى﴾ أي مصروعين ﴿كأنهم أعجاز نخل خاوية﴾ أي أصول نخل بالية نخرة عن قتادة وقيل خاوية فارغة خالية الأجواف عن السدي وقيل ساقطة مثل قوله أعجاز نخل منقعر ﴿فهل ترى لهم من باقية﴾ أي من نفس باقية وقيل من بقاء والباقية بمعنى المصدر مثل العافية والطاغية والمعنى هل ترى لهم من بقية أي لم يبق منهم أحد ﴿وجاء فرعون ومن قبله﴾ مر معناه ﴿والمؤتفكات﴾ أي وجاء أهل القرى المؤتفكات أي المنقلبات بأهلها عن قتادة وهي قرى قوم لوط يريد الأمم والجماعات الذين ائتفكوا ﴿بالخاطئة﴾ أي بخطيئتهم التي هي الشرك والكفر فالخاطئة مصدر كالخطأ والخطيئة وقيل معناه بالأفعال الخاطئة أي بالنفس الخاطئة ﴿فعصوا رسول ربهم﴾ فيما أمرهم به وقيل إن المراد بالرسول الرسالة كما في قول الشاعر:

لقد كذب الواشون ما بحت عندهم

بسر ولا أرسلتهم برسول

أي برسالة عن أبي مسلم والأول أظهر ﴿فأخذهم﴾ الله العقوبة ﴿أخذة رابية﴾ أي زائدة في الشدة عن ابن عباس وقيل نامية زائدة على عذاب الأمم وقيل عالية مذكورة خارجة عن العادة.