الآيات 1-5

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿1﴾ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ يمُ الْحَكِيمُ ﴿2﴾ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ يمُ الْخَبِيرُ ﴿3﴾ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴿4﴾ عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴿5﴾

القراءة:

قرأ الكسائي وحده عرف بالتخفيف والباقون ﴿عرف﴾ بالتشديد واختار التخفيف أبو بكر بن عياش وهو من الحروف العشر التي قال إني أدخلتها في قراءة عاصم من قراءة علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى استخلصت قراءته يعني قراءة علي (عليه السلام) وهي قراءة الحسن وأبي عبد الرحمن السلمي وكان أبو عبد الرحمن إذا قرأ إنسان بالتشديد حصبه وقرأ أهل الكوفة ﴿تظاهرا عليه﴾ خفيفة الظاء والباقون تظاهرا بالتشديد.

الحجة:

قال أبو علي التخفيف في عرف أنه جازى عليه لا يكون إلا كذلك ولا يجوز أن يكون بمعنى العلم لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أظهره الله على ما كان أسره إليه علم ذلك ولم يجز أن يعلم من ذلك بعضه مع إظهار الله إياه عليه ولكن يعلم جميعه وهذا كما تقول لمن يسيء أو يحسن أنا أعرف لأهل الإساءة أي لا يخفى علي ذلك ولا مقابلته مما يكون وفقا له فالمعنى جازى على بعض ذلك وأعرض عن بعض ومثله وما تفعلوا من خير يعلمه الله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره أي يرى جزاءه وقوله يرى من رؤية العين وكان مما جازى عليه: تطليقه حفصة تطليقة واحدة وأما ﴿عرف﴾ بالتشديد فمعناه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلم يعرفه إياه على وجه التكرم والإغضاء وأما تظاهرا فالأصل فيه وأن تتظاهرا بتائين فخفف في القراءة الأولى بالحذف وفي القراءة الآخرة بالإدغام.

اللغة:

الحرام القبيح الممنوع منه بالنهي ونقيضه الحلال وهو الحسن المطلق بالإذن فيه والتحريم تبيين أن الشيء حرام لا يجوز والتحريم إيجاب المنع والابتغاء الطلب ومنه البغي طلب الاستعلاء بغير الحق والتحلة والتحليل بمعنى وهما مصدران لقولهم حللت له كذا وتحلة اليمين فعل ما يسقط التبعة فيه واليمين واحد الأيمان وهو الحلف وكأنه مأخوذ من القوة لأنه يقوي كلامه بالحلف وقيل إنه مأخوذ من الجارحة لأن عادتهم كانت عند الحلف ضرب الأيدي على الأيدي والإسرار إلقاء المعنى إلى نفس المحدث على وجه الإخفاء عن غيره والتظاهر التعاون والظهير المعين وأصله من الظهر والسائح الجاري والعرب تصف بذلك الماء الجاري الدائم الجرية ثم تصف به الرجل الذي يضرب في الأرض ويقطع البلاد فتقول سائح والثيب الراجعة من عند الزوج بعد الافتضاض من ثاب يثوب إذا رجع والبكر هي التي على أول حالها قبل الافتضاض.

الإعراب:

قيل في جمع القلوب في قوله ﴿صغت قلوبكما﴾ وجوه (أحدها) أن التثنية جمع في المعنى فوضع الجمع موضع التثنية كما قال ﴿وكنا لحكمهم شاهدين﴾ وإنما هو داود وسليمان (والثاني) أن أكثر ما في الإنسان اثنان اثنان نحو اليدين والرجلين والعينين وإذا جمع اثنان إلى اثنين صار جمعا فيقال أيديهما وأعينهما ثم حمل ما كان في الإنسان واحدا على ذلك لئلا يختلف حكم لفظ أعضاء الإنسان (والثالث) أن المضاف إليه مثنى فكرهوا أن يجمعوا بين تثنيتين فصرفوا الأول منهما إلى لفظ الجمع لأن لفظ الجمع أخف لأنه أشبه بالواحد فإنه يعرب بإعراب الواحد ويستأنف كما يستأنف الواحد وليست التثنية كذلك لأنها لا تكون إلا على حد واحد ولا يختلف ومن العرب من يثني فيقول قلباهما قال الراجز فجمع بين اللغتين ظهراهما مثل ظهور الترسين وقال الفرزدق:

بما في فؤادينا من البث والهوى

فيبرىء منهاض الفؤاد المشغف

ومن العرب من يفرد ويروى أن بعضهم قرأ فبدت لهما سوأتهما والوجه في الإفراد أن الإضافة إلى التثنية تغني عن تثنية المضاف وفي جبريل أربع لغات جبريل على وزن قنديل وجبرئيل على وزن عندليب وجبرئل على وزن جحمرش وجبريل بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز وهو خارج عن أوزان العرب لأنه ليس في العربية مثل قنديل وقد قرىء بذلك كله وقد ذكرنا اختلاف القراءة فيه في سورة البقرة ومن العرب من يقول جبرال بتشديد اللام ومنهم من يبدل من اللام نونا وقوله ﴿هو مولاه﴾ يجوز في هو وجهان (أحدهما) أن يكون فصلا دخل ليفصل بين النعت والخبر والكوفيون يسمونه عمادا (والثاني) أن يكون مبتدأ ومولاه الخبر والجملة خبر إن ومن جعل مولاه بمعنى السيد والخالق كان الوقف على قوله ﴿مولاه﴾ وجبريل مبتدأ ﴿وصالح المؤمنين﴾ عطف عليه والملائكة عطف أيضا وظهير خبره وجاز ذلك لأن فعيلا يقع على الواحد والجمع كفعول قال سبحانه خلصوا نجيا فظهير كنجي وقال فإنهم عدو لي ومن جعل مولاه بمعنى ولي وناصر جاز أن يكون الوقف على قوله ﴿و جبريل﴾ وعلى ﴿صالح المؤمنين﴾ ويبتدىء والملائكة بعد ذلك فيكون ظهير عائدا إلى الملائكة.

النزول:

اختلف أقوال المفسرين في سبب نزول الآيات فقيل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا صلى الغداة يدخل على أزواجه امرأة امرأة وكان قد أهديت لحفصة بنت عمر بن الخطاب عكة من عسل فكانت إذا دخل عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حبسته وسقته منها وإن عائشة أنكرت احتباسه عندها فقالت لجويرية حبشية عندها إذا دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على حفصة فادخلي عليها فانظري ما ذا تصنع فأخبرتها الخبر وشأن العسل فغارت عائشة وأرسلت إلى صواحبها فأخبرتهن وقالت إذا دخل عليكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكره ويشق عليه أن يوجد منه ريح غير طيبة لأنه يأتيه الملك قال فدخل رسول الله على سودة قالت فما أردت أن أقول ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم إني فرقت من عائشة فقلت يا رسول الله ما هذه الريح التي أجدها منك أكلت المغافير فقال لا ولكن حفصة سقتني عسلا ثم دخل على امرأة امرأة وهن يقلن له ذلك فدخل على عائشة فأخذت بأنفها فقال لها ما شأنك قالت أجد ريح المعافير أكلتها يا رسول الله قال لا بل سقتني حفصة عسلا فقالت جرست إذا نحلها العرفط فقال والله لا أطعمه أبدا فحرمه على نفسه وقيل إن التي كانت تسقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العسل أم سلمة عن عطاء بن أبي مسلم وقيل بل كانت زينب بنت جحش قال عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا فتواطات أنا وحفصة أيتنا دخل عليها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلتقل إني أجد منك ريح المغافير أكلت مغافير فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود إليه فنزلت الآيات وقيل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

قسم الأيام بين نسائه فلما كان يوم حفصة قالت يا رسول الله إن لي إلى أبي حاجة فأذن لي أن أزوره فأذن لها فلما خرجت أرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جاريته مارية القبطية وكان قد أهداها له المقوقس فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها فأتت حفصة فوجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووجهه يقطر عرقا فقالت حفصة إنما أذنت لي من أجل هذا أدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها في يومي وعلى فراشي أما ما رأيت لي حرمة وحقا فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أ ليس هي جاريتي قد أحل الله ذلك لي اسكتي فهو حرام علي ألتمس بذلك رضاك فلا تخبري بهذا امرأة منهن وهو عندك أمانة فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت ألا أبشرك أن رسول الله قد حرم عليه أمته مارية وقد أراحنا الله منها وأخبرت عائشة بما رأت وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواجه فنزلت ﴿يا أيها النبي لم تحرم﴾ فطلق حفصة واعتزل سائر نسائه تسعة وعشرين يوما وقعد في مشربة أم إبراهيم مارية حتى نزلت آية التخيير عن قتادة والشعبي ومسروق وقيل إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خلا في يوم لعائشة مع جاريته أم إبراهيم مارية القبطية فوقفت حفصة على ذلك فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تعلمي عائشة ذلك وحرم مارية على نفسه فأعلمت حفصة عائشة الخبر واستكتمتها إياه فأطلع الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك وهو قوله ﴿وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا﴾ يعني حفصة عن الزجاج قال ولما حرم مارية القبطية أخبر حفصة أنه يملك من بعده أبو بكر ثم عمر فعرفها بعض ما أفشت من الخبر وأعرض عن بعض أن أبا بكر وعمر يملكان بعدي وقريب من ذلك ما رواه العياشي بالإسناد عن عبد الله بن عطاء المكي عن أبي جعفر (عليه السلام) إلا أنه زاد في ذلك أن كل واحدة منهما حدثت أباها بذلك فعاتبهما رسول الله في أمر مارية وما أفشتا عليه من ذلك وأعرض عن أن يعاتبهما في الأمر الآخر.

المعنى:

﴿يا أيها النبي﴾ ناداه سبحانه بهذا النداء تشريفا له وتعليما لعباده كيف يخاطبونه في أثناء محاوراتهم ويذكرونه في خلال كلامهم ﴿لم تحرم ما أحل الله لك﴾ من الملاذ ﴿تبتغي مرضات أزواجك﴾ أي تطلب به رضاء نسائك وهن أحق بطلب مرضاتك منك وليس في هذا دلالة على وقوع ذنب منه صغيرا أو كبيرا لأن تحريم الرجل بعض نسائه أو بعض الملاذ لسبب أو لغير سبب ليس بقبيح ولا داخلا في جملة الذنوب ولا يمتنع أن يكون خرج هذا القول مخرج التوجع له (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا بالغ في إرضاء أزواجه وتحمل في ذلك المشقة ولو أن إنسانا أرضى بعض نسائه بتطليق بعضهن لجاز أن يقال له لم فعلت ذلك وتحملت فيه المشقة وإن كان لم يفعل قبيحا ولو قلنا إنه عوتب على ذلك لأن ترك التحريم كان أفضل من فعله لم يمتنع لأنه يحسن أن يقال لتارك النفل لم لم تفعله ولم عدلت عنه ولأن تطييب قلوب النساء مما لا تنكره العقول وقد حكي أن عبد الله بن رواحة وكان من النقباء كانت له جارية فاتهمته زوجته ليلة فقال قولا بالتعريض فقالت إن كنت لم تقربها فاقرأ القرآن قال فأنشدت:

شهدت فلم أكذب بأن محمدا

رسول الذي فوق السماوات من عل

وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما

له عمل في دينه متقبل

وأن التي بالجزع من بطن نخلة

ومن دانها فل عن الخير معزل

فقالت زدني فأنشدت:

وفينا رسول الله نتلو كتابه

كما لاح معروف مع الصبح ساطع

أتى بالهدى بعد العمى فنفوسنا

به موقنات أن ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه

إذا رقدت بالكافرين المضاجع

فقالت زدني فأنشدت:

شهدت بأن وعد الله حق

وأن النار مثوى الكافرينا

وأن محمدا يدعو بحق

وأن الله مولى المؤمنينا

فقالت أما إذا قرأت القرآن فقد صدقتك فأخبرت به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال بعد أن تبسم خيركم خيركم لنسائه واختلف العلماء فيمن قال لامرأته أنت علي حرام فقال مالك هو ثلاث تطليقات وقال أبو حنيفة إن نوى به الظهار فهو ظهار وإن نوى الإيلاء فهو إيلاء وإن نوى الطلاق فهو طلاق بائن وإن نوى ثلاثا كان ثلاثا وإن نوى اثنتين فواحدة بائنة وإن لم يكن له نية فهو يمين قال الشافعي إن نوى الطلاق كان طلاقا والظهار كان ظهارا وإن لم يكن له نية فهو يمين وروي عن ابن مسعود وابن عباس وعطاء أنه يمين وقال أصحابنا أنه لا يلزم به شيء ووجوده كعدمه وهو قول مسروق وإنما أوجب الله فيه الكفارة لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان حلف أن لا يقرب جاريته ولا يشرب الشراب المذكور فأوجب الله عليه أن يكفر عن يمينه ويعود إلى استباحة ما كان حرمه وبين أن التحريم لا يحصل إلا بأمر الله ونهيه ولا يصير الشيء حراما بتحريم من يحرمه على نفسه إلا إذا حلف على تركه ﴿والله غفور﴾ لعباده ﴿رحيم﴾ بهم إذا رجعوا إلى ما هو الأولى والأليق بالتقوى يرجع لهم إلى التولي ﴿قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم﴾ أي قد قدر الله تعالى لكم ما تحللون به أيمانكم إذا فعلتموها وشرع لكم الحنث فيها لأن اليمين ينحل بالحنث فسمي ذلك تحلة وقيل معناه قد بين الله لكم كفارة أيمانكم في سورة المائدة عن مقاتل قال أمر الله نبيه أن يكفر يمينه ويراجع وليدته فأعتق رقبة وعاد إلى مارية وقيل معناه فرض الله عليكم كفارة أيمانكم كما قال وإن أسأتم فلها أي فعليها فسمى الكفارة تحلة لأنها تجب عند انحلال اليمين وفي هذا دلالة على أنه قد حلف ولم يقتصر على قوله هي علي حرام لأن هذا القول ليس بيمين ﴿والله﴾ هو ﴿موليكم﴾ أي وليكم يحفظكم وينصركم وهو أولى بكم وأولى بأن تبتغوا رضاه ﴿وهو العليم﴾ بمصالحكم ﴿الحكيم﴾ في أوامره ونواهيه لكم وقيل هو العليم بما قالت حفصة لعائشة الحكيم في تدبيره ﴿وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه﴾ وهي حفصة ﴿حديثا﴾ أي كلاما أمرها بإخفائه فالإسرار نقيض الإعلان ﴿فلما نبأت﴾ أي أخبرت غيرها بما خبرها ﴿به﴾ فأفشت سره ﴿وأظهره الله عليه﴾ أي وأطلع الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما جرى من إفشاء سره ﴿عرف بعضه وأعرض عن بعض﴾ أي عرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حفصة بعض ما ذكرت وأخبرها ببعض ما ذكرت وأعرض عن بعض ما ذكرت وعن بعض ما جرى من الأمر فلم يخبرها وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) قد علم جميع ذلك لأن الإعراض إنما يكون بعد المعرفة لكنه أخذ بمكارم الأخلاق والتغافل من خلق الكرام قال الحسن ما استقصى كريم قط وأما عرف بالتخفيف فمعناه غضب عليها وجازاها بأن طلقها تطليقة ثم راجعها بأمر الله وقيل جازاها بأن هم بطلاقها ﴿فلما نبأها به﴾ أي فلما أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حفصة بما أظهره الله عليه ﴿قالت﴾ حفصة ﴿من أنبأك هذا﴾ أي من أخبرك بهذا ﴿قال﴾ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿نبأني العليم﴾ بجميع الأمور ﴿الخبير﴾ بسرائر الصدور ثم خاطب سبحانه عائشة وحفصة فقال ﴿إن تتوبا إلى الله﴾ من التعاون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإيذاء والتظاهر عليه فقد حق عليكما التوبة ووجب عليكم الرجوع إلى الحق ﴿فقد صغت﴾ أي مالت ﴿قلوبكما﴾ إلى الإثم عن ابن عباس ومجاهد وقيل معناه ضاقت قلوبكما عن سبيل الاستقامة وعدلت عن الثواب إلى ما يوجب الإثم وقيل تقديره إن تتوبا إلى الله يقبل توبتكما وقيل إنه شرط في معنى الأمر أي توبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ﴿وإن تظاهرا عليه﴾ أي وإن تتعاونا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإيذاء عن ابن عباس قال قلت لعمر بن الخطاب من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال عائشة وحفصة أورده البخاري في الصحيح ﴿فإن الله هو مولاه﴾ الذي يتولى حفظه وحياطته ونصرته ﴿وجبريل﴾ أيضا معين له وناصر يحفظه ﴿وصالح المؤمنين﴾ يعني خيار المؤمنين عن الضحاك وقيل يعني الأنبياء عن قتادة وقال الزجاج صالح هنا ينوب عن الجميع كما تقول يفعل هذا الخير من الناس تريد كل خير قال أبو مسلم هو صالحوا المؤمنين على الجمع وسقطت الواو في المصحف لسقوطها في اللفظ ووردت الرواية من طريق الخاص والعام أن المراد بصالح المؤمنين أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهو قول مجاهد وفي كتاب شواهد التنزيل بالإسناد عن سدير الصيرفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لقد عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) أصحابه مرتين أما مرة فحيث قال من كنت مولاه فعلي مولاه وأما الثانية فحيث نزلت هذه الآية ﴿فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين﴾ الآية أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد علي (عليه السلام) فقال أيها الناس هذا صالح المؤمنين وقالت أسماء بنت عميس سمعت أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ﴿وصالح المؤمنين﴾ علي بن أبي طالب (عليه السلام) ﴿والملائكة بعد ذلك﴾ أي بعد الله وجبريل وصالح المؤمنين عن مقاتل ﴿ظهير﴾ أي أعوان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا من الواحد الذي يؤدي معنى الجمع كقوله ﴿وحسن أولئك رفيقا﴾ ﴿عسى ربه﴾ أي واجب من الله ربه ﴿إن طلقكن﴾ يا معشر أزواج النبي ﴿أن يبدله أزواجا خيرا منكن﴾ أي أصلح له منكن ثم نعت تلك الأزواج اللائي كان يبدله بهن لو طلق نساءه فقال ﴿مسلمات﴾ أي مستسلمات لما أمر الله به ﴿مؤمنات﴾ أي مصدقات لله ورسوله مستحقات للثواب والتعظيم وقيل مصدقات في أفعالهن وأقوالهن ﴿قانتات﴾ أي مطيعات لله تعالى ولأزواجهن وقيل خاضعات متذللات لأمر الله تعالى وقيل ساكتات عن الخنا والفضول عن قتادة ﴿تائبات﴾ عن الذنوب وقيل راجعات إلى أمر الرسول تاركات لمحاب أنفسهن وقيل نادمات على تقصير وقع منهن ﴿عابدات﴾ لله تعالى بما تعبدهن به من الفرائض والسنن على الإخلاص وقيل متذللات للرسول بالطاعة ﴿سائحات﴾ أي ماضيات في طاعة الله تعالى وقيل صائمات عن ابن عباس وقتادة والضحاك وقيل مهاجرات عن ابن زيد وأبيه زيد بن أسلم والجبائي وإنما قيل للصائم سائح لأنه يستمر في الإمساك عن الطعام كما يستمر السائح في الأرض ﴿ثيبات﴾ وهن الراجعات من عند الأزواج بعد افتضاضهن ﴿وأبكارا﴾ أي عذارى لم يكن لهن أزواج.