الآيات 1-5

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿1﴾ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿2﴾ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴿3﴾ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿4﴾ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿5﴾

المعنى:

﴿يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض﴾ تسبيح المكلفين بالقول وتسبيح الجمادات بالدلالة ﴿له الملك﴾ منفردا دون غيره والألف واللام لاستغراق الجنس والمعنى أنه المالك لجميع ذلك والمتصرف فيه كيف يشاء ﴿وله الحمد﴾ على جميع ذلك لأن خلق ذلك أجمع - الغرض فيه الإحسان إلى خلقه والنفع لهم به فاستحق بذلك الحمد والشكر ﴿وهو على كل شيء قدير﴾ يوجد المعدوم ويفني الموجود ويغير الأحوال كما يشاء ﴿هو الذي خلقكم﴾ أي أنشأكم وأوجدكم عن عدم كما أراد والخطاب للمكلفين عن الجبائي وقيل بل هو عام وقد تم الكلام هنا ثم ابتدأ فقال ﴿فمنكم كافر﴾ لم يقر بأن الله خلقه كالدهرية ﴿ومنكم مؤمن﴾ مقر بأن الله خلقه عن الزجاج وقيل معناه فمنكم كافر في السر مؤمن في العلانية كالمنافقين ومنكم مؤمن في السر كافر في العلانية كعمار وذويه عن الضحاك وقيل فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب يريد في شأن الأنواء عن عطاء بن أبي رباح والمراد بالآية ظاهر فلا معنى للاسترواح إلى مثل هذه التأويلات والمعنى أن المكلفين جنسان منهم كافر فيدخل فيه أنواع الكفر ومنهم مؤمن ولا يجوز حمله على أنه سبحانه خلقهم مؤمنين وكافرين لأنه لم يقل كذلك بل أضاف الكفر والإيمان إليهم وإلى فعلهم ولدلالة العقول على أن ذلك يقع على حسب قصودهم وأفعالهم ولذلك يصح الأمر والنهي والثواب والعقاب وبعثة الأنبياء على أنه سبحانه لو جاز أن يخلق الكفر والقبائح لجاز أن يبعث رسولا يدعو إلى الكفر والضلال ويؤيده بالمعجزات تعالى عن ذلك وتقدس هذا وقد قال تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كل مولود يولد على الفطرة تمام الخبر وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) حكاية عن الله سبحانه خلقت عبادي كلهم حنفاء ونحو ذلك من الأخبار كثير ﴿والله بما تعملون بصير﴾ أي خلق الكافر وهو عالم بما يكون منه من الكفر وخلق المؤمن وهو عالم بما يكون منه من الإيمان فيجازيهما على حسب أعمالهما ﴿خلق السماوات والأرض بالحق﴾ أي بالعدل وبأحكام الصنعة وصحة التقدير وقيل معناه للحق وهو أن خلق العقلاء تعريضا إياهم للثواب العظيم وخلق ما عداهم تبعا لهم لما في خلقهما لهم من اللطف ﴿وصوركم﴾ يعني البشر كلهم ﴿فأحسن صوركم﴾ من حيث الحكمة وقبول العقل لا قبول الطبع لأن في جملتهم من ليس على هذه الصفة وقيل فأحسن صوركم من حيث قبول الطبع لأن ذلك هو المفهوم من حسن الصور فهو كقوله ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾ وإن كان في جملتهم من هو مشوه الخلق لأن ذلك عارض لا يعتد به في هذا الوصف فالله سبحانه خلق الإنسان على أحسن صور الحيوان كله والصورة عبارة عن بنية مخصوصة ﴿وإليه المصير﴾ أي إليه المرجع والمال يوم القيامة ﴿يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون﴾ أي ما يسره بعضكم إلى بعض وما يخفيه في صدره عن غيره والفرق بين الإسرار والإخفاء أن الإخفاء أعم لأنه قد يخفي شخصه ويخفي المعنى في نفسه والأسرار يكون في المعنى دون الشخص ﴿والله عليم بذات الصدور﴾ أي بأسرار الصدور وبواطنها ثم أخبر سبحانه أن القرون الماضية جوزوا بأعمالهم فقال ﴿ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل﴾ أي من قبل هؤلاء الكفار ﴿فذاقوا وبال أمرهم﴾ أي وخيم عاقبة كفرهم وثقل أمرهم بما نالهم من العذاب بالإهلاك والاستئصال ﴿ولهم عذاب أليم﴾ أي مؤلم يوم القيامة.