الآيات 20-25

وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ﴿20﴾ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿21﴾ وَعَلَيْهَا وَعَلَى كِ تُحْمَلُونَ ﴿22﴾ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴿23﴾ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴿24﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ﴿25﴾

القراءة:

قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو طور سيناء بكسر السين والباقون بفتحها وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب عن روح تنبت بالدهن بضم التاء والباقون ﴿تنبت﴾ بفتح التاء وضم الباء وفي الشواذ قراءة الحسن والزهري والأعرج تنبت بضم التاء وفتح الباء وقد ذكرنا اختلافهم في نسقيكم في سورة النحل.

الحجة:

قال أبو عمرو من قرأ ﴿سيناء﴾ بفتح السين لم ينصرف الاسم عنده في معرفة ولا نكرة لأن الهمزة في هذا البناء لا تكون إلا للتأنيث ولا تكون للإلحاق لأن فعلال لا يكون إلا في المضاعف فلا يجوز أن يلحق به شيء فهذا إذا كموضع أو بقعة تسمى بطرفاء أو صحراء ومن قرأ سيناء بالكسر فالهمزة فيها منقلبة عن الياء كعلباء وسيساء وهي الياء التي أظهرت في نحو درحاية وإنما لم ينصرف على هذا القول وإن كان غير مؤنث لأنه جعل اسم بقعة فصار بمنزلة امرأة سميت بجعفر ومن قرأ تنبت بالدهن احتمل وجهين (أحدهما) أن يجعل الجار زائدا يريد تنبت الدهن كما في قوله ﴿و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ وقد زيدت هذه الباء مع الفاعل كما زيدت مع المفعول به في نحو قوله:

ألم يأتيك والأنباء تنمي

بما لاقت لبون بني زياد

وقد زيدت مع هذه الكلمة بعينها في قوله:

بواد يمان تنبت الشث حوله

وأسفله بالمرخ والشبهان

حملوه على ينبت أسفله المرخ ويجوز أن تكون الباء متعلقا بغير هذا الفعل الظاهر ويقدر مفعولا محذوفا تقديره تنبت جناها أي ثمرتها وفيها دهن وصبغ كما تقول خرج بثيابه وركب بسلاحه ومن قرأ ﴿تنبت بالدهن﴾ جاز أن يكون الجار فيه للتعدي أنبته ونبت به ويجوز أن يكون الباء في موضع حال كما كان في الوجه الأول ولا يكون للتعدي ولكن تنبت وفيها دهن وقد قالوا أنبت بمعنى نبت فكان الهمزة في أنبت مرة للتعدي ومرة لغيرها ويكون من باب أخال وأجرب وأقطف أي صار ذا خال وجرب ومن قرأ تنبت فهو على معنى تنبت وفيها دهنها وتؤكد ذلك قراءة عبد الله تخرج بالدهن أي تخرج من الأرض ودهنها معها قال ابن جني ذهبوا في بيت زهير حتى إذا أنبت البقل إلى أنه في معنى نبت وقد يجوز أن يكون محذوف المفعول بمعنى حتى إذا أنبت البقل ثمره قال ومن ذهب إلى زيادة الباء في قوله تنبت بالدهن فمضعوف المذهب لأنه يزيد حرفا لا حاجة له إلى اعتقاد زيادته.

المعنى:

ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال ﴿وشجرة تخرج من طور سيناء﴾ أي وأنشأنا لكم بذلك المطر شجرة يعني شجرة الزيتون وخصت بالذكر لما فيها من العبرة بأنه لا يتعاهدها إنسان بالسقي وهي تخرج الثمرة التي يكون منها الدهن الذي تعظم به المنفعة وسيناء اسم المكان الذي به هذا الجبل في أصح الأقوال وهي نبطية في قول الضحاك وحبشية في قول عكرمة وهي اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها عن مجاهد وقيل سيناء البركة فكأنه قيل جعل البركة عن ابن عباس وقتادة وقيل طور سيناء الجبل المشجر أي كثير الشجر عن الكلبي وقيل هو الجبل الحسن عن عطاء وهو الجبل الذي نودي منه موسى (عليه السلام) وهو ما بين مصر وإيلة عن ابن زيد ﴿تنبت بالدهن﴾ أي تنبت ثمرها بالدهن لأنه يعصر من الزيتون الزيت ﴿وصبغ للآكلين﴾ والصبغ ما يصطبغ به من الأدم وذلك أن الخبز يلون بالصبغ إذا غمس فيه والاصطباغ بالزيت الغمس فيه للائتدام به والمراد بالصبغ الزيت عن ابن عباس فإنه يدهن به ويؤتدم جعل الله في هذه الشجرة آدما ودهنا فالآدم الزيتون والدهن الزيت وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال الزيت شجرة مباركة فأتدموا به وأدهنوا ﴿وإن لكم في الأنعام لعبرة﴾ أي دلالة تستدلون بها على قدرة الله تعالى ﴿نسقيكم مما في بطونها﴾ أراد به اللبن ومن قرأ بضم النون أراد أنا جعلنا ما في ضروعها من اللبن سقيا لكم ومن فتح النون جعل ذلك مختصا بالسقاة وهو مفسر في سورة النحل ﴿ولكم فيها منافع كثيرة﴾ في ظهورها وألبانها وأوبارها وأصوافها وأشعارها ﴿ومنها تأكلون﴾ أي من لحومها وأولادها والتكسب بها ﴿وعليها﴾ يعني على الإبل خاصة ﴿وعلى الفلك تحملون﴾ وهذا كقوله ﴿وحملناهم في البر والبحر﴾ أما في البر فالإبل وأما في البحر فالسفن ولما قدم سبحانه ذكر الأدلة الدالة على كمال قدرته فأتبعها بذكر شمول نعمته على كافة خليقته عقب ذلك بذكر إنعامه عليهم بإرسال الرسل فقال ﴿ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه﴾ قيل إنما سمي نوحا لكثرة نوحه على نفسه عن ابن عباس وقيل في سبب نوحه أنه كان يدعو على قومه بالهلاك وقيل هو مراجعته ربه في شأن ابنه ﴿فقال يا قوم اعبدوا الله﴾ أي أطيعوه ووحدوه ﴿ما لكم من إله غيره﴾ بدأ بالتوحيد لأنه الأهم ﴿أ فلا تتقون﴾ عذاب الله في ترك الإيمان به ﴿فقال الملأ﴾ أي الأشراف ﴿الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم﴾ أي يتشرف ويترأس عليكم بأن يصير متبوعا وأنتم له تبع فيكون له الفضل عليكم ﴿ولو شاء الله﴾ أن لا يعبد شيء سواه ﴿لأنزل ملائكة﴾ ولم يرسل بشرا آدميا ﴿ما سمعنا بهذا﴾ الذي يدعونا إليه نوح من التوحيد ﴿في آبائنا الأولين﴾ أي في الأمم الماضية ﴿إن هو إلا رجل به جنة﴾ أي حالة جنون ﴿فتربصوا به حتى حين﴾ أي انتظروا موته فتستريحوا منه وقيل فانتظروا إفاقته من جنونه فيرجع عما هو عليه وقيل معناه احبسوه مدة ليرجع عن قوله.