الخاتـمـة

حملت إليك هذه الوريقات شيئا من الدراسة العربية لبيانٍ من الذكر الحكيم في التحريض على الجهاد في سبيل الله رب العالمين، والنِّفار الى الجنة لملاقات الأحبـَّة: سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وصحبه.

ولن تجد مسلما ناصحًا نفسه غير توَّاق إلى ذلك اللقاء، والطريق إلى تحقيقه مستقيـم: طريق الجهاد في سبيل الله تعالى لتكون كلمة الله هي العليا في سلوكنا وواقعنا مثلما هي العليا دائمًا في الحقيقة، كلمة الله هنا هي منهاج شريعة الله تعالى كما جاءت في كتابه الكريم وسنة نبيه الأمين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وكل من حكم بغير شريعة الله تعالى في نفسه وأهله وقومه ومن له عليهم ولاية خاصة أوعامة، أو رضي ولم ينكر بما اسطاع من سبل الإنكار المشروعة في السنة فإنه معلٍ أو راضً بعلو شريعة الباطل والظلم على شريعة الله: كلمته التى أنزلها على نبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

(إِنَّا أَنْزَلْنـَا إِليْكَ الْكِتـَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بِيْنَ النَّـاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ ولا تَكُنْ لِلْخَـائِنِينَ خَصِيمًـا {} وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَـان غَفُـورًا رَحيمًا {} وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِيـنَ يَخْتَـانُونَ أَنْفُسَـهُمْ إِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَـانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) {النساء: 1.5-1.7}

كانت هذه الدراسة ساعية بمنهاجها العربي تدبرًا وبيانًا إلى أن تغري طالب العلم ببيان الوحي أن يعتصم بهذا المنهاج العربي في تثوير القرآن، وأن يقيم في قلبه أن القرآن الكريم إنما هو كلمة الله عز وعلا بلسان عربي مبين، وأنه بيان وحي وليس كتاب أدب عربي، فلا يسعه إلا ما وسع علماء المسلمين من هذا المنهج العربي في تثويره وتدبره، وألاَّ يفتن بدعاوى بعض المحدثين بأن نقيم درسنا للقرآن الكريم على منهاج الدرس الأدبي لما جادت به قرائح وإبداعات أدباء العربية قديمًا وحديثًا، فإنَّ من وراء تلك الدعاوى ضلالاً مبينًا، ومن الجهاد في سبيل الله تعالى أن نبين للناس بيان الوحي كتابًا وسنة تبيينا يتلاءم مع جوهر ذلك البيان وحقيقته وغايته التى أوحي به لبلوغها.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيمِ {} الـر كِتـَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاس مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّـورِ بِإذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ العَزِيـزِ الْحَمِيدِ{} اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافْرينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) {إبراهيم:1-2}

وكلُّ مجاهدة في صرف الناس عن اتخاذ منهاج عربي يقربهم من حمى الفهم عن الله تعالى هو صورة من صور كتمان ما أنزل الله تعالى من البينات والهدى، وتلك التى يفزع منها كل مسلم ناصح نفسه.

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مَنَ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ الْلاعِنونَ {} إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّاب الرَّحيمُ){البقرة:159-16.}

وصور كتمان ما أنزل الله تعالى عديدة ومنها صورة السعى إلى اتخاذ مناهج في الدرس لبيان القرآن الكريم لايثطَّلعُ منها على ما في القرآن الكريم من حقائق معانى الهدى ودقائقها ولطائفها،فإن في شغل الناسِ بمثل هذه المناهج صرف لهممهم وجهدهم عن البيان القويم لمعانى القرآن الكريم.

والدرس العربي للقرآن الكريم: كلماته وتراكيبه وصوره والوقوف على منهاج الإبانة فيه يفتقر المرء معه إلى المصابرة والمرابطة وطول التأمل والمراجعـة لعل في كل مراجعة ما يطلع على دقيقة من دقائقة ولطيفة من لطائفه التى لاتتناهى، ولعل واحدة منها تكون مفتاح باب الولوج في مقام من مقامات القرب الأقدس، فيكون الأنس بالله تعالى وبكتابه الكريم، فتتحقق الصحبة الحقة لكتاب الله تعالى تلاوة وتدبرًا وتَخَلُّقًـًا فيفوز العبد بشرف الأهلية العظمى:

(عنْ أنسٍ بن مالك قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: " إنَّ للهِ أهْلِينَ مِنَ النَّاسِ قالوا: يارسولَ اللهِ،مَنْ همْ ؟

قالَ: "همْ أَهْلُ القُرآنِ أهلُ اللهِ وَخاصَّتُهُ "){ابن ماجة: المقدمة- ح.ر:215}

وعلى مقدار تحقيق مقومات أهلية القرآن الكريم تلاوة وتدبرًا وتأدبًا وتَعَلُمًا وتعليمًا يكون مقداردخول العبد في أهل الله تعالى وخاصَّته.

(يَأيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِن رَّبكُمْ وَشِقَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَموْعِظةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {} قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) {يونس: 57-58}

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ان لاإله إلا انت أستغفرك وأتوب إليك وصلّى الله وسلَّم وبارك على عبده ونبيه ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته والحمد لله رب العالمين .

تأليف

محمود توفيق محمد سعد الأستاذ في جامعة الأزهر

القاهرة ـ حدائق الزيتون

15-11-1422