الآيات 95-100

وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿95﴾ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴿96﴾ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴿97﴾ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿98﴾ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿99﴾ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴿100﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر وابن كثير وعاصم ﴿ولنجزين﴾ بالنون والباقون بالياء وروى عياش عن أبي عمرو بالنون أيضا.

الحجة:

حجة الياء ﴿وما عند الله باق﴾ والنون في المعنى مثل الياء.

اللغة:

النفاد الفناء ونفد الشيء ينفد نفادا إذا فنى وأنفد القوم إذا فنى زادهم ونافدت الرجل مثل حاكمته ومعناه يرجع إلى أن كل واحد من الخصمين يريد نفاد حجة الآخر ومنه الحديث إن نافدتهم نافدوك ومن الناس من يرويه بالقاف والمعنى إن قلت قالوا لك والباقي هو الموجود المستمر وجوده وقيل الموجود عن وجود من غير فصل وضده الفاني وهو المعدوم بعد الوجود واختلف المتكلمون في الباقي فقال البلخي إنه يبقى بمعنى هو بقاء وقال الأكثرون لا يحتاج إلى معنى به يبقى والبقاء هو استمرار الوجود والاستعاذة طلب المعاذ استفعال من العوذ والعياذ والله سبحانه معاذ من عاذ به وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) للمرأة التي قالت له أعوذ بالله منك لقد عذت بمعاذ فألحقي بأهلك وأصل السلطان من التسلط وهو القهر وإنما سميت الحجة سلطانا لأن الخصم به يقهر وقيل اشتق من السليط وهو دهن الزيت وسميت الحجة سلطانا لإضاءتها وفي الحديث عن ابن عباس أ رأيت عليا وكأن عينيه سراجا سليط.

الإعراب:

ما عند الله اسم أن وهو فصل وخير وخبره وما عندكم مبتدأ وينفد خبره وكذلك ما عند الله باق وإنما قال ﴿ولنجزينهم﴾ بلفظ الجمع لأن لفظ من يقع على الواحد والجمع فرد الضمير على المعنى.

النزول:

قال ابن عباس إن رجلا من حضرموت يقال له عبدان الأشرع قال يا رسول الله إن امرءا القيس الكندي جاورني في أرضي فاقتطع من أرضي فذهب بها مني والقوم يعلمون إني لصادق ولكنه أكرم عليهم مني فسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) امرءا القيس عنه فقال لا أدري ما يقول فأمره أن يحلف فقال عبدان إنه فاجر لا يبالي أن يحلف فقال إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه فلما قام ليحلف أنظره فانصرفا فنزل قوله ﴿ولا تشتروا بعهد الله﴾ الآيتان فلما قرأهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال امرؤ القيس أما ما عندي فينفد وهو صادق فيما يقول لقد اقتطعت أرضه ولم أدر كم هي فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها فنزل فيه ﴿من عمل صالحا﴾ الآية.

المعنى:

لما تقدم النهي عن نقض العهد أكد سبحانه فقال ﴿ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا﴾ أي لا تخالفوا عهد الله بسبب شيء يسير تنالونه من حطام الدنيا فتكونوا قد بعتم عظيم ما عند الله بالشيء الحقير ﴿إن ما عند الله هو خير لكم﴾ معناه إن الذي عند الله من الثواب على الوفاء بالعهود خير لكم وأشرف مما تأخذونه من عرض الدنيا على نقضها فإن القليل الذي يبقى خير من الكثير الذي يفنى فكيف بالكثير الذي يبقى في مقابلة القليل الذي يفنى ﴿إن كنتم تعلمون﴾ الفرق بين الخير والشر والتفاوت الذي بين القليل الفاني والكثير الباقي ﴿ما عندكم ينفد وما عند الله باق﴾ بين سبحانه بهذا أن العلة التي لأجلها كان الثواب خيرا من متاع الدنيا هو أن الثواب الذي عند الله يبقى والذي عندكم من نعيم الدنيا يفنى ثم أخبر سبحانه أنه يجزي الصابرين فقال ﴿ولنجزين الذين صبروا﴾ أي لنكافئن الذين ثبتوا على الطاعات وعلى الوفاء بالعهود ﴿أجرهم﴾ وثوابهم ﴿بأحسن ما كانوا يعملون﴾ أي بالطاعات من الواجبات والمندوبات فإن أفعال المكلف قد تكون طاعة وقد تكون مباحا لا يقع الجزاء عليه ولا يستحق عليه أجر ولا حمد فلذلك قال سبحانه ﴿بأحسن﴾ فإن الطاعة أحسن من المباح وهذا يدل على فساد قول من يقول إنه لا يكون حسن أحسن من حسن ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن﴾ هذا وعد من الله سبحانه أي من عمل عملا صالحا سواء كان ذكرا أو أنثى وهو مع ذلك مؤمن مصدق بتوحيد الله مقر بصدق أنبيائه ﴿فلنحيينه حياة طيبة﴾ قيل فيه أقوال (أحدها) أن الحياة الطيبة الرزق الحلال عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء (وثانيها) أنها القناعة والرضا بما قسم الله عن الحسن ووهب وروي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) (وثالثها) أنها الجنة عن قتادة ومجاهد وابن زيد قال الحسن لا يطيب لأحد حياة إلا في الجنة وقال ابن زيد أ لا ترى إلى قوله يا ليتني قدمت لحياتي (ورابعها) أنها رزق يوم بيوم (وخامسها) أنها حياة طيبة في القبر ﴿ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾ مر تفسيره وإنما كرره تأكيدا ﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم﴾ معناه إذا أردت يا محمد قراءة القرآن فاستعذ بالله من شر الشيطان المرجوم المطرود الملعون وهذا كما يقال إذا أكلت فاغسل يديك وإذا صليت فكبر ومنه إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم والاستعاذة استدفاع الأدنى بالأعلى على وجه الخضوع والتذلل وتأويله استعذ بالله من وسوسة الشيطان عند قراءتك لتسلم في التلاوة من الزلل وفي التأويل من الخطل والاستعاذة عند التلاوة مستحبة غير واجبة بلا خلاف في الصلاة وخارج الصلاة وقد تقدم ذكر اختلاف القراء في لفظ الاستعاذة في أول الفاتحة ﴿إنه﴾ يعني الشيطان ﴿ليس له سلطان﴾ أي تسلط وقدرة ﴿على الذين آمنوا﴾ بالله ﴿وعلى ربهم يتوكلون﴾ والمعنى أنه لا يقدر على أن يكرههم على الكفر والمعاصي وقيل معناه ليس له حجة على ما يدعوهم إليه من المعاصي عن قتادة ﴿إنما سلطانه على الذين يتولونه﴾ معناه إنما تسلطه على الذين يطيعونه فيقبلون دعاءه ويتبعون إغواءه ﴿والذين هم به﴾ أي بسبب طاعته ﴿مشركون﴾ بالله وقيل معناه والذين هم بالله مشركون أي يشركون مع الله سبحانه غيره في العبادة عن مجاهد.

النظم:

اتصل قوله ﴿فإذا قرأت القرآن﴾ الآيات بما قدمه سبحانه من الأمر بالطاعات فعقب ذلك بالاستعاذة من الشيطان الآمر بالمعاصي تحذيرا منه وإنما خص بالقرآن لأن القرآن هو العمدة في جميع أمور الدين وقيل اتصل بقوله ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء﴾ ثم اعترض ذكر الأوامر والنواهي ثم عاد الكلام إلى ذكر القرآن والأمر بالاستعاذة عند قراءته.