الآيات 63-69

يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴿63﴾ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ﴿64﴾ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿65﴾ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴿66﴾ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴿67﴾ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴿68﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴿69﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر ويعقوب وسهل ساداتنا بالألف وكسر التاء والباقون ﴿سادتنا﴾ بغير ألف وقرأ عاصم ﴿كبيرا﴾ بالباء والباقون كثيرا بالثاء وفي الشواذ قراءة عيسى بن عمر يوم تقلب وجوههم وقراءة ابن مسعود والأعمش وكان عبدا لله وجيها.

الحجة:

قال أبو علي سادة فعلة مثل كتبة وفجرة قال:

سليل قروم سادة مثل ذادة

يبذون أهل الجمع يوم المحصب

ووجه الجمع بالألف والتاء أنهم قد قالوا الطرقات والمعنات في المعن جمع معين قال الأعشى:

جندك التالد الطريف من السادات

أهل القباب والآكال

قال أبو الحسن هي غريبة والكبر مثل العظم والكثرة أشبه بالموضع لأنهم يلعنون مرة بعد مرة وقد جاء يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون فالكثرة أشبه بالمرار المتكررة من الكبر وقوله ﴿يوم تقلب وجوههم﴾ تقديره يوم تقلب السعير وجوههم نسب الفعل إلى النار لما كان التقليب فيها كما قال مكر الليل والنهار لوقوع المكر فيهما وعليه قول رؤبة:

فنام ليلي وتجلى همي

وقوله عبدا لله وجيها لا يهم منه وجاهته عند الله فقراءة الناس المشهورة أقوى منه لإسناده وجاهته إلى الله سبحانه.

المعنى:

ثم قال سبحانه ﴿يسئلك﴾ يا محمد ﴿الناس عن الساعة﴾ يعني القيامة ﴿قل إنما علمها عند الله﴾ لا يعلمها غيره ﴿وما يدريك﴾ يا محمد أي أي شيء يعلمك من أمر الساعة ومتى يكون قيامها أي أنت لا تعرفه ثم قال ﴿لعل الساعة تكون قريبا﴾ أي قريبا مجيئها ويجوز أن يكون أمره أن يجيب كل من يسأله عن الساعة بهذا فيقول لعل ما تستبطئه قريب وما تنكره كائن ويجوز أن يكون تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلم) أي فاعلم أنه قريب فلا يضيقن صدرك باستهزائهم بإخفائها ﴿إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا﴾ أي نارا تستعر وتلتهب ﴿خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا﴾ أي وليا ينصرهم يدفع عنهم ﴿يوم تقلب وجوههم في النار﴾ العامل في ﴿يوم تقلب﴾ قوله ﴿وأعد لهم سعيرا﴾ والتقليب تصريف الشيء في الجهات ومعناه تقلب وجوه هؤلاء السائلين عن الساعة وأشباههم من الكفار فتسود وتصفر وتصير كالحة بعد أن لم تكن وقيل معناه تنقل وجوههم من جهة إلى جهة في النار فيكون أبلغ فيما يصل إليها من العذاب ﴿يقولون﴾ متمنين متأسفين ﴿يا ليتنا أطعنا الله﴾ فيما أمرنا به ونهانا عنه ﴿وأطعنا الرسولا﴾ فيما دعانا إليه ﴿وقالوا ربنا إنا أطعنا﴾ فيما فعلناه ﴿سادتنا وكبرائنا﴾ والسيد المالك المعظم الذي يملك تدبير السواد الأعظم وهو الجمع الأكثر قال مقاتل هم المطعمون في غزوة بدر وقال طاووس هم العلماء والوجه أن المراد جميع قادة الكفر وأئمة الضلال ﴿فأضلونا السبيلا﴾ أي أضلنا هؤلاء عن سبيل الحق وطريق الرشاد ﴿ربنا آتهم ضعفين من العذاب﴾ بضلالهم في نفوسهم وإضلالهم إيانا أي عذبهم مثلي ما تعذب غيرهم ﴿والعنهم لعنا كبيرا﴾ مرة بعد أخرى وزدهم غضبا إلى غضبك وسخطا إلى سخطك ثم خاطب سبحانه المظهرين للإيمان فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا﴾ أي لا تؤذوا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) كما آذى بنو إسرائيل موسى فإن حق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعظم ويبجل لا أن يؤذي واختلفوا فيما أوذي به موسى على أقوال (أحدها) أن موسى وهارون صعدا الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل أنت قتلته فأمر الله الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرفوا أنه قد مات وبرأه الله من ذلك عن علي (عليه السلام) وابن عباس واختاره الجبائي (وثانيها) أن موسى كان حييا ستيرا يغتسل وحده فقالوا ما يستتر منا إلا لعيب بجلده إما برص وإما أدرة فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر فمر الحجر بثوبه فطلبه موسى فرآه بنو إسرائيل عريانا كأحسن الرجال خلقا فبرأه الله مما قالوا رواه أبو هريرة مرفوعا وقال قوم إن ذلك لا يجوز لأن فيه إشهار النبي وإبداء سوأته على رءوس الأشهاد وذلك ينفر عنه (وثالثها) أن قارون استأجر مومسة لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ فعصمه الله تعالى من ذلك على ما مر ذكره عن أبي العالية (ورابعها) أنهم آذوه من حيث أنهم نسبوه إلى السحر والجنون والكذب بعد ما رأوا الآيات عن أبي مسلم ﴿وكان عند الله وجيها﴾ أي عظيم القدر رفيع المنزلة يقال وجه وجاهة فهو وجيه إذا كان ذا جاه وقدر قال ابن عباس كان عند الله خطيرا لا يسأله شيئا إلا أعطاه.