الآيات 56-62

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿56﴾ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ﴿57﴾ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴿58﴾ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿59﴾ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴿60﴾ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴿61﴾ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴿62﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة الحسن فصلوا عليه.

الحجة:

إنما جاز دخول الفاء لما في الكلام من معنى الشرط وذلك أن الصلاة إنما وجبت عليه منا لأن الله قد صلى عليه وملائكته فجرى مجرى قول القائل قد أعطيتك فخذ أي إنما وجب عليك الأخذ من أجل العطية.

اللغة:

الجلباب خمار المرأة الذي يغطي رأسها ووجهها إذا خرجت لحاجة والإرجاف إشاعة الباطل للاغتمام به وأصله الاضطراب ومنه يقال للبحر رجاف لاضطرابه فإرجاف الناس بالشيء اضطرابهم بالخوض فيه ومنه ترجف الراجفة والإغراء الدعاء إلى تناول الشيء بالتحريض عليه يقال أغراه بالشيء إغراء فغري به أي أولع به.

الإعراب:

﴿يدنين﴾ في موضع جزم بأنه جواب شرط مقدر وتقديره قل لأزواجك أدنين عليكن من جلابيبكن فإنك إن تقل ذلك يدنين.

﴿ملعونين﴾ نصب على الذم.

﴿أينما ثقفوا أخذوا﴾ شرط وجزاء وأين ظرف لثقفوا ومعمول له وإنما جاز ذلك لأن الجازم في الأصل إن المحذوفة فصار ﴿أينما﴾ يتضمنها فيغني عنها ويقوم مقامها ولا يجوز أن يعمل فيه ﴿أخذوا﴾ لأنه جواب الشرط ولا يعمل الجواب فيما قبل الشرط.

المعنى:

لما صدر سبحانه هذه السورة بذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقرر في أثناء السورة ذكر تعظيمه ختم ذلك بالتعظيم الذي ليس يقاربه تعظيم ولا يدانيه فقال ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي﴾ معناه إن الله يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويثني عليه بالثناء الجميل ويبجله بأعظم التبجيل وملائكته يصلون عليه " يثنون عليه " بأحسن الثناء ويدعون له بأزكى الدعاء ﴿يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ قال أبو حمزة الثمالي حدثني السدي وحميد بن سعد الأنصاري وبريد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال لما نزلت هذه الآية قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد حدث عن عبد الله بن مسعود قال إذا صليتم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قالوا فعلمنا قال قولوا اللهم اجعل صلاتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الدين وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد حدث عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية فقلت كيف صلاة الله على رسوله فقال يا أبا محمد تزكيته له في السماوات العلى فقلت قد عرفت صلواتنا عليه فكيف التسليم فقال هو التسليم له في الأمور فعلى هذا يكون معنى قوله ﴿وسلموا تسليما﴾ انقادوا لأوامره وابذلوا الجهد في طاعته وفي جميع ما يأمركم به وقيل معناه سلموا عليه بالدعاء أي قولوا السلام عليك يا رسول الله (الحديث) وحدث عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم أره أشد استبشارا منه يومئذ ولا أطيب نفسا قلت يا رسول الله ما رأيتك قط أطيب نفسا ولا أشد استبشارا منك اليوم فقال وما يمنعني وقد خرج آنفا جبرائيل من عندي قال: قال الله تعالى من صلى عليك صلاة صليت بها عليه عشر صلوات ومحوت عنه عشر سيئات وكتبت له عشر حسنات ﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله﴾ قيل هم المنافقون والكافرون والذين وصفوا الله بما لا يليق به وكذبوا رسله وكذبوا عليه فعلى هذا يكون معنى يؤذون الله يخالفون أمره ويصفونه بما هو منزه عنه ويشبهونه بغيره فإن الله عز اسمه لا يلحقه أذى ولكن لما كانت مخالفة الأمر فيما بيننا تسمى إيذاء خوطبنا بما نتعارفه وقيل يؤذون الله يلحدون في أسمائه وصفاته وقيل معناه يؤذون رسول الله فقدم ذكر الله على وجه التعظيم إذ جعل أذى رسوله أذى له تشريفا له وتكريما فكأنه يقول لو جاز أن يناله أذى من شيء لكان ينالني من هذا واتصاله بما قبله أنه كأنه يقول صلوا عليه ولا تؤذوا فإن من آذاه فهو كافر ثم أوعد عليه بقوله ﴿لعنهم الله في الدنيا والآخرة﴾ أي يبعدهم الله من رحمته ويحل بهم وبال نقمته بحرمان زيادات الهدى في الدنيا والخلود في النار في الآخرة ﴿وأعد لهم﴾ في الآخرة ﴿عذابا مهينا﴾ أي مذلا لهم حدثنا السيد أبو الحمد قال حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال حدثنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أحمد بن محمد بن أبي دارم الحافظ قال حدثنا علي بن أحمد العجلي قال حدثنا عباد ابن يعقوب قال حدثنا أرطاة بن حبيب قال حدثنا أبو خالد الواسطي وهو آخذ بشعره قال حدثني زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) وهو آخذ بشعره قال حدثني علي بن الحسن وهو آخذ بشعره قال حدثني الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو آخذ بشعره قال حدثني علي بن أبي طالب وهو آخذ بشعره قال حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو آخذ بشعره فقال من آذى شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فعليه لعنة الله ﴿والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا﴾ أي يؤذونهم من غير أن عملوا ما يوجب أذاهم ﴿فقد احتملوا بهتانا﴾ أي فقد فعلوا ما هو أعظم الإثم مع البهتان وهو الكذب على الغير يواجهه به فجعل إيذاء المؤمنين والمؤمنات مثل البهتان وقيل يعني بذلك أذية اللسان فيتحقق فيها البهتان ﴿وإثما مبينا﴾ أي ومعصية ظاهرة قال قتادة والحسن إياكم وأذى المؤمنين فإن الله تعالى يغضب له وقيل نزلت في قوم من الزناة كانوا يمشون في الطرقات ليلا فإذا رأوا امرأة غمزوها وكانوا يطلبون الإماء عن الضحاك والسدي والكلبي ثم خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن﴾ أي قل لهؤلاء فليسترن موضع الجيب بالجلباب وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة عن الحسن وقيل الجلباب مقنعة المرأة أي يغطين جباههن ورءوسهن إذا خرجن لحاجة بخلاف الإماء اللاتي يخرجن مكشفات الرؤوس والجباه عن ابن عباس ومجاهد وقيل أراد بالجلابيب الثياب والقميص والخمار وما تستتر به المرأة عن الجبائي وأبي مسلم ﴿ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين﴾ أي ذلك أقرب إلى أن يعرفن بزيهن أنهن حرائر ولسن بإماء فلا يؤذيهن أهل الريبة فإنهم كانوا يمازحون الإماء وربما كان يتجاوز المنافقون إلى ممازحة الحرائر فإذا قيل لهم في ذلك قالوا حسبناهن إماء فقطع الله عذرهم وقيل معناه ذلك أقرب إلى أن يعرفن بالستر والصلاح فلا يتعرض لهن لأن الفاسق إذا عرف امرأة بالستر والصلاح لم يتعرض لها عن الجبائي ﴿وكان الله غفورا﴾ أي ستارا لذنوب عباده ﴿رحيما﴾ بهم ثم أوعد سبحانه هؤلاء الفساق فقال ﴿لئن لم ينته المنافقون﴾ أي لئن لم يمتنع المنافقون ﴿والذين في قلوبهم مرض﴾ أي فجور وضعف في الإيمان وهم الذين لا دين لهم عما ذكرناه من مراودة النساء وإيذائهن ﴿والمرجفون في المدينة﴾ وهم المنافقون أيضا الذين كانوا يرجفون في المدينة بالأخبار الكاذبة المضعفة لقلوب المسلمين بأن يقولوا اجتمع المشركون في موضع كذا قاصدين لحرب المسلمين ونحو ذلك ويقولوا لسرايا المسلمين إنهم قتلوا وهزموا وفي الكلام حذف وتقديره لئن لم ينته هؤلاء عن أذى المسلمين وعن الإرجاف بما يشغل قلوبهم ﴿لنغرينك بهم﴾ أي لنسلطنك عليهم يا محمد عن ابن عباس والمعنى أمرناك بقتلهم حتى تقتلهم وتخلي عنهم المدينة وقد حصل الإغراء بهم بقوله جاهد الكفار والمنافقين عن أبي مسلم وقيل لم يحصل الإغراء بهم لأنهم انتهوا عن الجبائي قال ولو حصل الإغراء لقتلوا وشردوا وأخرجوا عن المدينة ﴿ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا﴾ أي ثم لا يساكنونك في المدينة إلا يسيرا وهو ما بين الأمر بالقتل وما بين قتلهم ﴿ملعونين﴾ أي مطرودين منفيين عن المدينة مبعدين عن الرحمة وقيل ملعونين على السنة المؤمنين ﴿أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا﴾ أي أينما وجدوا وظفر بهم أخذوا وقتلوا أبلغ القتل ﴿سنة الله في الذين خلوا من قبل﴾ والسنة الطريقة في تدبير الحكم وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طريقته التي أجراها بأمر الله تعالى فأضيفت إليه ولا يقال سنته إذا فعلها مرة أو مرتين لأن السنة الطريقة الجارية والمعنى سن الله في الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بهم أن يقتلوا حيثما ثقفوا عن الزجاج ﴿ولن تجد لسنة الله تبديلا﴾ أي تحويلا وتغييرا أي لا يتهيأ لأحد تغييرها ولا قلبها من جهتها لأنه سبحانه القادر الذي لا يتهيأ لأحد منعه مما أراد فعله.