الآيات 49-50

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴿49﴾ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿50﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة أبي بن كعب والحسن والثقفي أن وهبت بفتح الألف.

الحجة:

قال ابن جني تقديره لأن وهبت نفسها أي إنها تحل له من أجل أن وهبت نفسها له وليس يعني بذلك امرأة بعينها قد كانت وهبت نفسها له وإنما محصوله أنه إن وهبت امرأة نفسها للنبي حلت له من أجل هبتها إياه فالحل إنما هو مسبب عن الهبة متى كانت ويؤكد ذلك القراءة بالكسر فصح به الشرط.

الإعراب:

العامل في الظرف من قوله ﴿إذا نكحتم﴾ ما يتعلق به لكم والتقدير إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن لم يثبت لكم عليهن عدة.

﴿مما أفاء الله عليك﴾ الجار والمجرور في موضع نصب على الحال من الضمير المحذوف في قوله ﴿وما ملكت يمينك﴾ أي ما ملكته.

﴿إن وهبت نفسها للنبي﴾ جزاء شرط محذوف تقديره إن وهبت نفسها للنبي أحللناها له وجزاء الشرط الذي هو إن أراد النبي أن يستنكحها الشرط والجزاء المتقدم تقديره إن أراد النبي أن يستنكحها إن وهبت نفسها له أحللناها له و﴿أن يستنكحها﴾ في موضع نصب بأنه مفعول أراد.

﴿خالصة لك﴾ نصب على الحال والهاء فيه للمبالغة.

المعنى:

ثم عاد سبحانه إلى ذكر النساء فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن﴾ أي من قبل أن تدخلوا بهن ﴿فما لكم عليهن من عدة تعتدونها﴾ أي تستوفونها بالعدد وتحصون عليها بالأقراء وبالأشهر أسقط الله سبحانه العدة عن المطلقة قبل المسيس لبراءة رحمها فإن شاءت تزوجت من يومها ﴿فمتعوهن﴾ قال ابن عباس هذا إذا لم يكن سمي لها صداقا فإذا فرض لها صداقا فلها نصفه ولا تستحق المتعة وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) فالآية محمولة عندنا على التي لم يسم لها مهرا فيجب لها المتعة ﴿وسرحوهن سراحا جميلا﴾ أي طلقوهن طلاقا للسنة من غير ظلم عليهن عن الجبائي وقيل سرحوهن عن البيت فإنه ليس عليها عدة فلا يلزمها المقام في منزل الزوج سراحا جميلا بغير جفوة ولا أذية وقيل السراح الجميل هو رفع المتعة بحسب الميسرة والعسرة عن حبيب بن أبي ثابت قال كنت قاعدا عند علي بن الحسين (عليهما السلام) فجاءه رجل فقال إني قلت يوم أتزوج فلانة فهي طالق فقال اذهب فتزوجها فإن الله تعالى بدأ بالنكاح قبل الطلاق وقرأ هذه الآية ثم خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن﴾ أي أعطيت مهورهن والإيتاء قد يكون بالأداء وقد يكون بالالتزام ﴿وما ملكت يمينك﴾ أي وأحللنا لك ما ملكت يمينك من الإماء ﴿مما أفاء الله عليك﴾ من الغنائم والأنفال فكانت من الغنائم مارية القبطية أم ابنه إبراهيم ومن الأنفال صفية وجويرية أعتقهما وتزوجهما ﴿وبنات عمك﴾ أي وأحللنا لك بنات عمك ﴿وبنات عماتك﴾ يعني نساء قريش ﴿وبنات خالك وبنات خالاتك﴾ يعني نساء بني زهرة ﴿اللاتي هاجرن معك﴾ إلى المدينة وهذا إنما كان قبل تحليل غير المهاجرات ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل ﴿وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي﴾ أي وأحللنا لك امرأة مصدقة بتوحيد الله تعالى وهبت نفسها منك بغير صداق وغير المؤمنة إن وهبت نفسها منك لا تحل لك ﴿إن أراد النبي أن يستنكحها﴾ أي آثر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نكاحها ورغب فيها ﴿خالصة لك من دون المؤمنين﴾ أي خالصة لك دون غيرك قال ابن عباس يقول لا يحل هذا لغيرك وهو لك حلال وهذا من خصائصه في النكاح فكان ينعقد النكاح له بلفظ الهبة ولا ينعقد ذلك لأحد غيره واختلف في أنه هل كانت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) امرأة وهبت نفسها له أم لا فقيل إنه لم يكن عنده امرأة وهبت نفسها له عن ابن عباس ومجاهد وقيل بل كانت عنده ميمونة بنت الحرث بلا مهر قد وهبت نفسها للنبي في رواية أخرى عن ابن عباس وقتادة وقيل هي زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار عن الشعبي وقيل هي امرأة من بني أسد يقال لها أم شريك بنت جابر عن علي بن الحسين (عليهما السلام) والضحاك ومقاتل وقيل هي خولة بنت حكيم عن عروة بن الزبير وقيل إنها لما وهبت نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت عائشة ما بال النساء يبذلن أنفسهن بلا مهر فنزلت الآية فقالت عائشة ما أرى الله تعالى إلا يسارع في هواك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنك إن أطعت الله سارع في هواك ﴿قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم﴾ معناه قد علمنا ما أخذنا على المؤمنين في أزواجهم من المهر والحضر بعدد محصور ووضعناه عنك تخفيفا عنك ﴿وما ملكت أيمانهم﴾ أي وما أخذنا عليهم في ملك اليمين أن لا يقع لهم الملك إلا بوجوه معلومة من الشراء والهبة والإرث والسبي وأبحنا لك غير ذلك وهو الصفي الذي تصطفيه لنفسك من السبي وإنما خصصناك على علم منا بالمصلحة فيه من غير محاباة ولا جزاف ﴿لكيلا يكون عليك حرج﴾ أي ليرتفع عنك الحرج وهو الضيق والإثم ﴿وكان الله غفورا﴾ لذنوب عباده ﴿رحيما﴾ بهم أو رحيما بك في رفع الحرج عنك.