الآيات 32-35

يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴿32﴾ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴿33﴾ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴿34﴾ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿35﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وعاصم ﴿وقرن﴾ بفتح القاف وقرأ الباقون وهبيرة عن حفص عن عاصم وقرن بكسر القاف وفي الشواذ قراءة الأعرج وأبان بن عثمان فيطمع الذي بكسر العين.

الحجة:

قال أبو علي قوله وقرن لا يخلو إما أن يكون من القرار أو من الوقار فإن كان من الوقار فهو مثل عدن وكلن مما يحذف فيه الفاء وهي واو فيبقى من الكلمة علن وإن كان من القرار فيكون الأمر اقررن فيبدل من العين الياء كراهة التضعيف كما أبدل في قيراط ودينار فيصير لها حركة الحرف المبدل منه ثم تلقى الحركة على الفاء فتسقط همزة الوصل لتحرك ما بعدها فتقول قرن لأن حركة الراء كانت كسرة في تقر أ لا ترى أن القاف متحرك بها وأما من فتح فقال قرن فمن لم يجز قررت بالمكان أقر وإنما يقول قررت أقر فإن فتح الفاء عنده لا يجوز ومن أجاز ذلك جاز على قوله ﴿قرن﴾ كما جاز قرن وهي لغة حكاها الكسائي وقال أبو عثمان يقال قررت به عينا أقر ولا يقال قررت في هذا المعنى وقررت في المكان فأنا أقر فيه يقال قررت في هذا المعنى ومن قرأ فيطمع الذي بالكسر فهو معطوف على ﴿فلا تخضعن﴾ أي فلا يطمع الذي في قلبه مرض فكلاهما منهي عنه إلا أن النصب أقوى لأنه يكون بمعنى أن طمعه مسبب عن خضوعهن بالقول وإذا كان عطفا كان نهيا لهن وله وليس فيه دليل على أن الطمع واقع من أجلهن.

اللغة:

التبرج إظهار المرأة محاسنها مأخوذ من البرج وهو السعة في العين وطعنة برجاء واسعة وفي أسنانه برج إذا تفرق ما بينها.

الإعراب:

قوله ﴿ليذهب﴾ اللام يتعلق بمحذوف تقديره وإرادته ليذهب ويجوز أن يتعلق بيريد.

﴿أهل البيت﴾ منصوب على المدح تقديره أعني أهل البيت ويجوز أن يكون منادى مضافا ويجوز في العربية جر اللام ورفعها فالجر على أن يكون بدلا من كم والرفع على المدح.

المعنى:

ثم أظهر سبحانه فضيلتهن على سائر النسوان بقوله ﴿يا نساء النبي لستن كأحد من النساء﴾ قال الزجاج لم يقل كواحدة من النساء لأن أحدا للنفي العام وقال ابن عباس معناه ليس قدركن عندي كقدر غيركن من النساء الصالحات أنتن أكرم علي فأنا بكن أرحم وثوابكن أعظم لمكانكن من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿إن اتقيتن﴾ الله شرط عليهن التقوى ليبين سبحانه أن فضيلتهن بالتقوى لا باتصالهن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿فلا تخضعن بالقول﴾ أي لا ترققن القول ولا تلن الكلام للرجال ولا تخاطبن الأجانب مخاطبة تؤدي إلى طمعهم فتكن كما تفعل المرأة التي تظهر الرغبة في الرجال ﴿فيطمع الذي في قلبه مرض﴾ أي نفاق وفجور عن قتادة وقيل من في قلبه شهوة للزنا عن عكرمة وقيل أن المرأة مندوبة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في المقالة لأن ذلك أبعد من الطمع في الريبة ﴿وقلن قولا معروفا﴾ أي مستقيما جميلا بريئا من التهمة بعيدا من الريبة موافقا للدين والإسلام ﴿وقرن في بيوتكن﴾ أمرهن بالاستقرار في بيوتهن والمعنى اثبتن في منازلكن والزمنها وإن كان من وقر يقر فمعناه كن أهل وقار وسكينة ﴿ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾ أي لا تخرجن على عادة النساء اللاتي في الجاهلية ولا تظهرن زينتكن كما كن يظهرن ذلك وقيل التبرج التبختر والتكبر في المشي عن قتادة ومجاهد وقيل هو أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فتواري قلائدها وقرطيها فيبدو ذلك منها عن مقاتل والمراد بالجاهلية الأولى ما كان قبل الإسلام عن قتادة وقيل ما كان بين آدم (عليه السلام) ونوح (عليه السلام) ثمان مائة سنة عن الحكم وقيل ما بين عيسى ومحمد عن الشعبي قال وهذا لا يقتضي أن يكون بعدها جاهلية في الإسلام لأن الأول اسم للسابق تأخر عنه غيره أو لم يتأخر وقيل أن معنى ﴿تبرج الجاهلية الأولى﴾ أنهم كانوا يجوزون أن تجمع امرأة واحدة زوجا وخلا فتجعل لزوجها نصفها الأسفل ولخلها نصفها الأعلى يقبلها ويعانقها ثم قال ﴿وأقمن الصلاة﴾ أي أدينها في أوقاتها بشرائطها ﴿وآتين الزكاة﴾ المفروضة في أموالكن ﴿وأطعن الله ورسوله﴾ فيما يأمرانكن به وينهانكن عنه ثم قال عز وجل ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ قال ابن عباس الرجس عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضى والبيت التعريف فيه للعهد والمراد به بيت النبوة والرسالة والعرب تسمي ما يلتجأ إليه بيتا ولهذا سموا الأنساب بيوتا وقالوا بيوتات العرب يريدون النسب قال:

ألا يا بيت بالعلياء بيت

ولو لا حب أهلك ما أتيت

ألا يا بيت أهلك أوعدوني

كأني كل ذنبهم جنيت

يريد بيت النسب وبيت النبوة والرسالة كبيت النسب قال الفرزدق:

بيت زرارة محتب بفنائه

ومجاشع وأبو الفوارس نهشل

لا يحتبي بفناء بيتك مثلهم

أبدا إذا عد الأكمل

وقيل البيت بيت الحرام وأهله هم المتقون على الإطلاق لقوله إن أولياؤه إلا المتقون وقيل البيت مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهله من مكنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه ولم يخرجه ولم يسد بابه وقد اتفقت الأمة بأجمعها على أن المراد بأهل البيت في الآية أهل بيت نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم اختلفوا فقال عكرمة أراد أزواج النبي لأن أول الآية متوجه إليهن وقال أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وعائشة وأم سلمة أن الآية مختصة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) ذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدثني شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحمل حريرة لها فقال ادعي زوجك وابنيك فجاءت بهم فطعموا ثم ألقى عليهم كساء له خيبريا فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقلت يا رسول الله وأنا معهم قال أنت إلى خير وروى الثعلبي في تفسيره أيضا بالإسناد عن أم سلمة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في بيتها فأتته فاطمة (عليها السلام) ببرمة فيها حريرة فقال لها ادعي زوجك وابنيك فذكرت الحديث نحو ذلك ثم قالت فأنزل الله تعالى ﴿إنما يريد الله﴾ الآية قالت فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يده فألوى يده بها إلى السماء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فأدخلت رأسي البيت وقلت وأنا معكم يا رسول الله قال إنك إلى خير أنك إلى خير وبإسناده قال مجمع دخلت مع أمي على عائشة فسألتها أمي أ رأيت خروجك يوم الجمل قالت أنه كان قدرا من الله فسألتها عن علي (عليه السلام) فقالت تسأليني عن أحب الناس كان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوج أحب الناس كان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد رأيت عليا وفاطمة وحسنا وحسينا (عليهما السلام) وجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بثوب عليهم ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت فقلت يا رسول الله أنا من أهلك قال تنحي فإنك إلي خير وبإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال نزلت هذه الآية في خمسة في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة (عليهما السلام) وأخبرنا السيد أبو الحمد قال حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال حدثونا عن أبي بكر السبيعي قال حدثنا أبو عروة الحراني قال حدثنا ابن مصغي قال حدثنا عبد الرحيم بن واقد عن أيوب بن سيار عن محمد بن المنكدر عن جابر قال نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وليست في البيت إلا فاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) وعلي (عليه السلام) ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت﴾ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم هؤلاء أهلي وحدثنا السيد أبو الحمد قال حدثنا الحاكم أبو القاسم بإسناده عن زاذان عن الحسن بن علي (عليهما السلام) قال لما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإياه في كساء لأم سلمة خيبري ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي والروايات في هذا كثيرة من طريق العامة والخاصة لو قصدنا إلى إيرادها لطال الكتاب وفيما أوردناه كفاية واستدلت الشيعة على اختصاص الآية بهؤلاء الخمسة (عليهم السلام) بأن قالوا إن لفظة إنما محققة لما أثبت بعدها، نافية لما لم يثبت فإن قول القائل إنما لك عندي درهم وإنما في الدار زيد يقتضي أنه ليس عنده سوى الدرهم وليس في الدار سوى زيد وإذا تقرر هذا فلا تخلو الإرادة في الآية أن تكون هي الإرادة المحضة أو الإرادة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرجس ولا يجوز الوجه الأول لأن الله تعالى قد أراد من كل مكلف هذه الإرادة المطلقة فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق ولأن هذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بغير شك وشبهة ولا مدح في الإرادة المجردة فثبت الوجه الثاني وفي ثبوته ثبوت عصمة المعنيين بالآية من جميع القبائح وقد علمنا أن من عدا من ذكرناه من أهل البيت غير مقطوع على عصمته فثبت أن الآية مختصة بهم لبطلان تعلقها بغيرهم ومتى قيل أن صدر الآية وما بعدها في الأزواج فالقول فيه أن هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم فإنهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه والقرآن من ذلك مملوء وكذلك كلام العرب وأشعارهم ثم عاد سبحانه إلى ذكر الأزواج فقال ﴿واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة﴾ معناه واشكرن الله تعالى إذ صيركن في بيوت يتلى فيها القرآن والسنة عن قتادة وقيل اذكرن أي احفظن ذلك وليكن منكن على بال أبدا لتعملن بموجبه وهذا حث لهن على حفظ القرآن والأخبار ومذاكرتهن بهما والخطاب وإن اختص بهن فغيرهن يشاركهن فيه لأن بناء الشريعة على القرآن والسنة ﴿إن الله كان لطيفا﴾ بأوليائه ﴿خبيرا﴾ بجميع خلقه وقيل لطيفا في تدبير خلقه وإيصال المنافع إليهم خبيرا بما يكون منهم ومصالحهم ومفاسدهم فيأمرهم بفعل ما فيه صلاحهم واجتناب ما فيه فسادهم قال مقاتل بن حيان لما رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) دخلت على نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت هل نزل فينا شيء من القرآن قلن لا فأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ومم ذلك قالت لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال فأنزل الله تعالى هذه الآية ﴿إن المسلمين والمسلمات﴾ أي المخلصين الطاعة لله والمخلصات من قوله ورجلا سلما لرجل أي خالصا وقيل معناه إن الداخلين في الإسلام من الرجال والنساء وقيل يعني المستسلمين لأوامر الله والمنقادين له من الرجال والنساء ﴿والمؤمنين والمؤمنات﴾ أي والمصدقين بالتوحيد والمصدقات والإسلام والإيمان واحد عند أكثر المفسرين وإنما كرر لاختلاف اللفظين وقيل إنهما مختلفان فالإسلام الإقرار باللسان والإيمان التصديق بالقلب ويعضده قوله قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا وقيل الإسلام هو اسم الدين والإيمان التصديق به قال البلخي فسر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلم والمؤمن بقوله المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمن جاره بوائقه وما آمن بي من بات شبعان وجاره طاو ﴿والقانتين والقانتات﴾ يعني الدائمين على الأعمال الصالحات والدائمات وقيل يعني الداعين والداعيات ﴿والصادقين﴾ في إيمانهم وفيما ساءهم وسرهم ﴿والصادقات والصابرين﴾ على طاعة الله وعلى ما ابتلاهم الله به ﴿والصابرات والخاشعين﴾ أي المتواضعين الخاضعين لله تعالى ﴿والخاشعات﴾ وقيل معناه والخائفين والخائفات ﴿والمتصدقين﴾ أي المخرجين الصدقات والزكوات ﴿والمتصدقات والصائمين﴾ لله تعالى بنية صادقة ﴿والصائمات والحافظين فروجهم﴾ من الزنا وارتكاب الفجور ﴿والحافظات﴾ فروجهن فحذف لدلالة الكلام عليه ﴿والذاكرين الله كثيرا والذاكرات﴾ الله كثيرا وحذف أيضا للدلالة عليه ﴿أعد الله لهم﴾ أي لهؤلاء الموصوفين بهذه الصفات والخصال ﴿مغفرة﴾ لذنوبهم ﴿وأجرا عظيما﴾ في الآخرة وروى أبو سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فتوضئا وصليا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات وقال مجاهد لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال من بات على تسبيح فاطمة (عليها السلام) كان من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.