الآيـة 240

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿240﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وابن كثير والكسائي وأبو بكر عن عاصم وصية بالرفع والباقون بالنصب.

الحجة:

قال أبو علي حجة من قرأ وصية بالرفع أنه يجوز أن يرتفع من وجهين (أحدهما) أن يكون مبتدأ والظرف خبره وحسن الابتداء بالنكرة لأنه موضع تخصيص كما حسن أن يرتفع سلام عليكم وخير بين يديك ونحو قوله لملتمس المعروف أهل ومرحب لأنها في موضع دعاء فجاز فيها الابتداء بالنكرة لما كان معناها كمعنى المنصوب (والآخر) أن تضمر له خبرا فيكون لأزواجهم صفة وتقدير الخبر المضمر فعليهم وصية لأزواجهم ومن نصب وصية حمله على الفعل أي ليوصوا وصية ويكون قوله ﴿لأزواجهم﴾ وصفا كما كان في قول من أضمر الخبر كذلك ومن حجتهم أن الظرف إذا تأخر عن النكرة كان استعماله صفة أكثر وإذا كان خبرا تقدم على النكرة إذا لم يكن في معنى المنصوب كقوله تعالى ﴿ولهم أعمال من دون ذلك﴾ ﴿ولدينا مزيد﴾ فإذا تأخرت فالأكثر فيها أن تكون صفاتا وقال بعضهم لا يجوز غير الرفع لأنه لا يمكن الوصية بعد الوفاة ولأن فرض النفقة كان لهن أوصى أو لم يوص قال علي بن عيسى وهذا غلط لأن المعنى والذين تحضرهم الوفاة منكم فلذلك قال ﴿يتوفون﴾ على لفظ الحاضر الذي يتطاول نحو قوله (الذين يصلون فليعرضوا عن الفكر فيما يشغلهم) فأما قولهم أن الفرض كان لهن وإن لم يوصوا فغير صحيح لأن الزوج إذا فرط في الوصية فلا ينكر أن يوجبه الله على الورثة وقال قتادة والسدي كان يجب على الزوج الوصية لها كما أوجب الوصية للوالدين والأقربين وقوله ﴿متاعا﴾ نصب على وجهين (أحدهما) أنه على تقدير متعوهن متاعا (والثاني) جعل الله لهن ذلك متاعا لأن ما قبله دل عليه وقوله ﴿غير إخراج﴾ منصوب على وجهين (أحدهما) أن يكون صفة لمتاع (والثاني) أن يكون مصدرا وضع موضع الحال قال الفراء وهو كقولك جئتك غير رغبة إليك فكأنه قال متعوهن متاعا في مساكنهن وأقول إن تقديره غير مخرجات إخراجا فيكون ذو الحال هن من متعوهن ويجوز أن يكون تقديره غير مخرجين فيكون ذو الحال الواو من متعوهن.

المعنى:

﴿والذين يتوفون منكم﴾ أي الذين يقاربون منكم الوفاة لأن المتوفى لا يؤمر ولا ينهى ﴿ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم﴾ أي فليوصوا وصية لهن ومن رفع فمعناه وصية من الله لأزواجهم أو عليهم وصية لهن ﴿متاعا إلى الحول﴾ يعني ما ينتفعن به حولا من النفقة والكسوة والسكنى وقيل وهو مثل المتعة في المطلقات وكان واجبا في المتوفى عنها زوجها بالوصية من مال الزوج ﴿غير إخراج﴾ أي لا يخرجن من بيوت الأزواج ﴿فإن خرجن﴾ بأنفسهن قبل الحول من غير أن يخرجهن الورثة وقيل أن المراد إذا خرجن بعد مضي الحول وقد مضت العدة فإن بمعنى إذا عن القاضي وغيره ﴿فلا جناح عليكم﴾ يا معشر أولياء الميت ﴿فيما فعلن في أنفسهن من معروف﴾ اختلفوا في رفع الجناح قيل لا جناح في قطع النفقة والسكنى عنهن عن الحسن والسدي قالا وهذا دليل على سقوط النفقة بالخروج وأن ذلك كان واجبا لهن بالإقامة إلى الحول فإن خرجن قبله بطل الحق الذي وجب لهن بالإقامة وقيل لا جناح عليكم في ترك منعهن من الخروج لأن مقامها سنة في البيت غير واجب ولكن قد خيرها الله في ذلك عن الجبائي وقيل لا جناح عليكم أن تزوجن بعد انقضاء العدة وهذا أوجه وتقديره إذا خرجن من العدة بانقضاء السنة فلا جناح إن تزوجن وقوله ﴿من معروف﴾ يعني طلب النكاح والتزين ﴿والله عزيز﴾ قادر لا شيء يعجزه ﴿حكيم﴾ لا يصدر منه إلا ما تقتضيه الحكمة واتفق العلماء على أن هذه الآية منسوخة وقال أبو عبد الله ثم كان الرجل إذا مات أنفق على امرأته من صلب المال حولا ثم أخرجت بلا ميراث ثم نسختها آية الربع والثمن فالمرأة ينفق عليها من نصيبها وعنه قال نسختها يتربص بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ونسختها آية المواريث.