الآيـة 237

وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿237﴾

القراءة:

روي في الشواذ عن الحسن أو يعفو الذي بيده بسكون الواو وعن علي (عليه السلام) ولا تناسوا الفضل.

الحجة:

قال ابن جني سكون الواو من المضارع في موضع النصب قليل وسكون الياء فيه أكثر وأصل السكون في هذا إنما هو للألف نحو أن يسعى ثم شبهت الياء بالألف لقربها منها نحو قوله:

كان أيديهن بالموماة

أيدي جوار بتن ناعمات وقوله:

كان أيديهن بالقاع القرق ثم شبهت الواو في ذلك بالياء قال الأخطل:

إذا شئت أن تلهو ببعض حديثها

رفعن وأنزلن القطين المولدا وقال:

أبى الله أن أسمو بأم ولا أب وأما قوله تعالى ولا تناسوا فإنما هو نهي عن فعلهم الذي اختاروه وتظاهروا به كما يقال تغافل وتصام وتحسن هذه القراءة إنك إنما تنهى الإنسان عن فعله والنسيان ظاهره أن يكون من فعل غيره كأنه أنسي فنسي قال الله سبحانه وما أنسانيه إلا الشيطان.

الإعراب:

﴿فنصف ما فرضتم﴾ رفع تقديره عليكم نصف ما فرضتم وقوله ﴿يعفون﴾ في موضع نصب بأن إلا أن فعل المضارع إذا اتصل به نون ضمير جماعة المؤنث بني فيستوي في الرفع والنصب والجزم و﴿أن يعفون﴾ موصول وصلة في محل النصب على الاستثناء ﴿أو يعفو﴾ تقديره أو أن يعفو وهو في محل النصب بالعطف على الموصول والصلة قبلها ﴿وأن تعفوا﴾ في موضع الرفع بالابتداء وأقرب خبره وتقديره والعفو أقرب للتقوى واللام يتعلق بأقرب وهو بمعنى من أو إلى والألف واللام في النكاح بدل من الإضافة إذ المعنى أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحه ومثله قوله ﴿فإن الجنة هي المأوى﴾ ومعناه هي ماواه.

المعنى:

ثم بين سبحانه حكم الطلاق قبل المسيس بعد الفرض فقال ﴿وإن طلقتموهن﴾ يعني إن طلقتم أيها الرجال النساء ﴿من قبل أن تمسوهن﴾ أي تجامعوهن ﴿وقد فرضتم لهن فريضة﴾ أي أوجبتم لهن صداقا وقدرتم مهرا ﴿فنصف ما فرضتم﴾ أي فعليكم نصف ما قدرتم وهو المهر المسمى ﴿إلا أن يعفون﴾ يعني الحرائر البالغات غير المولى عليهن لفساد عقولهن أي يتركن ما يجب لهن من نصف الصداق فلا يطالبن الأزواج بذلك عن ابن عباس ومجاهد وسائر أهل العلم ﴿أو يعفو﴾ أي يترك ويهب الذي بيده عقدة النكاح قيل هو الولي عن مجاهد وعلقمة والحسن وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وهو مذهب الشافعي غير أن عندنا الولي هو الأب أو الجد مع وجود الأب الأدنى على البكر غير البالغ فأما من عداهما فلا ولاية له إلا بتوليتها إياه وقيل هو الزوج ورووه عن علي وسعيد بن المسيب وشريح وإبراهيم وقتادة والضحاك وهو مذهب أبي حنيفة ورواه أيضا أصحابنا غير أن الأول أظهر وهو المذهب ومن جعل العفو للزوج قال له أن يعفو عن جميع النصف ومن جعله للولي من أصحابنا قال له أن يعفو عن بعضه وليس له أن يعفو عن جميعه فإن امتنعت المرأة عن ذلك لم يكن لها ذلك إذا اقتضته المصلحة عن أبي عبد الله ﴿وأن تعفوا أقرب للتقوى﴾ خطاب للزوج والمرأة جميعا عن ابن عباس وللزوج وحده عن الشعبي قال وإنما جمع لأنه خطاب لكل زوج وقول ابن عباس أقوى لعمومه وإنما كان العفو أقرب للتقوى من وجهين (أحدهما) أن معناه أقرب إلى أن يتقي أحدهما ظلم صاحبه لأن من ترك لغيره حق نفسه كان أقرب إلى أن لا يظلم غيره بطلب ما ليس له (والثاني) أن معناه أقرب إلى أن يتقي معصية الله لأن من ترك حق نفسه كان أقرب إلى أن لا يعصي الله بطلب ما ليس له ﴿ولا تنسوا الفضل بينكم﴾ أي لا تتركوا الأخذ بالفضل والإحسان بينكم والإفضال فتأخذوا بمر الحكم واستيفاء الحقوق على الكمال بين الله سبحانه في هذه الآية الحكم الذي لا يعذر أحد في تركه وهو أنه ليس للزوج أن ينقصها من نصف المهر ولا للمرأة أن تطالبه بالزيادة ثم بين طريق الفضل من الجانبين وندب إليه وحث عليه ﴿إن الله بما تعملون﴾ أي بأعمالكم ﴿بصير﴾ أي عليم وروي عن سعيد بن المسيب أن هذه الآية ناسخة لحكم المتعة في الآية الأولى وقال أبو القاسم البلخي وهذا ليس بصحيح لأن الآية تضمنت حكم من لم يدخل بها ولم يسم لها مهرا إذا طلقها وهذه تضمنت حكم التي فرض لها المهر ولم يدخل بها إذا طلقها وأحد الحكمين غير الآخر وأقول إذا بينا في الآية الأولى أنها تتناول المطلقات غير المدخول بهن سواء فرض لهن المهر أو لم يفرض وقلنا إن متعوهن لا يحمل على العموم إذ لا متعة لمن فرض لها المهر وإن لم يدخل بها فلا بد من تخصيص فيه وتقدير وحذف أي ومتعوا من طلقتم منهن ولم تفرضوا لهن فريضة وإنما جاز هذا الحذف لدلالة ذكر من فرض لها المهر وحكمها في الآية الأخرى عليه وهذا ما سنح لي هاهنا ولم أر أحدا من المفسرين تعرض لذكره وبالله التوفيق.