الآيات 112-113

إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿112﴾ قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴿113﴾

القراءة:

قرأ الكسائي وحده هل تستطيع بالتاء ربك بالنصب والباقون ﴿يستطيع﴾ بالياء ﴿ربك﴾ مرفوع وأدغم الكسائي اللام في التاء.

الحجة:

وجه قراءة الكسائي أن المراد هل تستطيع سؤال ربك وذكروا الاستطاعة في سؤالهم لا لأنهم شكوا في استطاعته ولكن كأنهم ذكروه على وجه الاحتجاج عليه منهم كأنهم قالوا إنك مستطيع فما يمنعك ومثل ذلك قولك لصاحبك أتستطيع أن تذهب عني فإني مشغول أي اذهب لأنك غير عاجز عن ذلك و﴿أن ينزل﴾ على هذه القراءة متعلق بالمصدر المحذوف لا يستقيم الكلام إلا على تقدير ذلك ألا ترى أنه لا يصح أن تقول هل تستطيع أن يفعل غيرك فأن ينزل في موضع نصب بأنه مفعول به والتقدير هل تستطيع أن تسأل ربك إنزال مائدة من السماء علينا وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ما يقارب هذا التقدير قال يعني هل تستطيع أن تدعو ربك وأما إدغام اللام في التاء فإنه حسن لأن أبا عمرو أدغم اللام في الثاء في هل ثوب الكفار والتاء أقرب إلى اللام من الثاء والإدغام إنما يحسن في المتقاربين وأنشد سيبويه :

فذر ذا ولكن هتعين متيما

على ضوء برق آخر الليل ناصب.

اللغة:

الفرق بين الاستطاعة والقدرة أن الاستطاعة انطباق الجوارح للفعل والقدرة هي ما أوجب كون القادر عليه قادرا ولذلك لا يوصف تعالى بأنه مستطيع ويوصف بأنه قادر والمائدة الخوان قال الأزهري في تهذيب اللغة هي في المعنى مفعولة ولفظها فاعلة لأنها من العطاء وقد ماد زيد عمرا إذا أعطاه وقيل هي من ماد يميد إذا تحرك فهي فاعلة ويقال مائدة وميدة قال الشاعر :

وميدة كثيرة الألوان

تصنع للإخوان والجيران وماد به البحر يميد فهو مائد إذا تحرك به وماد يميد إذا تبختر وماد أهله إذا مادهم وأصله الحركة.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن الحواريين وسؤالهم فقال ﴿إذ قال الحواريون﴾ والعامل في إذ قوله ﴿أوحيت﴾ ويحتمل أن يكون معناه واذكر إذ قال الحواريون ﴿يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء﴾ قيل فيه أقوال (أحدها) أن يكون معناه هل يفعل ربك ذلك بمسألتك إياه ليكون علما على صدقك ولا يجوز أن يكونوا شكوا في قدرة الله تعالى على ذلك لأنهم كانوا عارفين مؤمنين وكأنهم سألوه ذلك ليعرفوا صدقه وصحة أمره من حيث لا يعرض عليهم فيه إشكال ولا شبهة ومن ثم قالوا ﴿وتطمئن قلوبنا﴾ كما قال إبراهيم ﴿ولكن ليطمئن قلبي﴾ عن أبي علي الفارسي (وثانيها) أن المراد هل يقدر ربك وكان هذا في ابتداء أمرهم قبل أن تستحكم معرفتهم بالله ولذلك أنكر عليهم عيسى (عليه السلام) فقال ﴿اتقوا الله إن كنتم مؤمنين﴾ لأنهم لم يستكمل إيمانهم في ذاك الوقت (وثالثها) أن يكون معناه هل يستجيب لك ربك وإليه ذهب السدي في قوله يريد هل يطيعك ربك أن سألته وهذا على أن يكون استطاع بمعنى أطاع كما يكون استجاب بمعنى أجاب قال الزجاج يحتمل مسألة الحواريين عيسى (عليه السلام) المائدة على ضربين : (أحدهما) أن يكونوا أرادوا أن يزدادوا تثبيتا كما قال إبراهيم ﴿ربي أرني كيف تحيي الموتى﴾ (وجائز) أن يكون مسألتهم المائدة قبل علمهم أنه أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى ﴿قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين﴾ معناه اتقوا الله أن تسألوه شيئا لم تسأله الأمم قبلكم وقيل أن معناه الأمر بالتقوى مطلقا كما أمر الله المؤمنين بها في قوله ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله﴾ عن أبي علي الفارسي وقيل أمرهم أن لا يقترحوا الآيات وأن لا يقدموا بين يدي الله ورسوله لأن الله تعالى قد أراهم البراهين والمعجزات بإحياء الموتى وغيره مما هو أوكد مما سألوه وطلبوه عن الزجاج ﴿قالوا﴾ أي قال الحواريون ﴿نريد أن نأكل منها﴾ قيل في معناه قولان (أحدهما) أن تكون الإرادة التي هي من أفعال القلوب ويكون التقدير فيه نريد السؤال من أجل هذا الذي ذكرنا والآخر أن يكون الإرادة هاهنا بمعنى المحبة التي هي ميل الطباع أي نحب ذلك ﴿وتطمئن قلوبنا﴾ يجوز أن يكونوا قالوا وهم مستبصرون في دينهم ومعناه نريد أن نزداد يقينا وذلك أن الدلائل كلما كثرت مكنت المعرفة في النفس عن عطاء ﴿ونعلم أن قد صدقتنا﴾ بأنك رسول الله وهذا يقوي قول من قال إن هذا كان في ابتداء أمرهم والصحيح أنهم طلبوا المعاينة والعلم الضروري والتأكيد في الإعجاز ﴿ونكون عليها من الشاهدين﴾ لله بالتوحيد ولك بالنبوة وقيل من الشاهدين لك عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم.