الآيات 21-25

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴿21﴾ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴿22﴾ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿23﴾ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿24﴾ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴿25﴾

القراءة:

قرأ عاصم ﴿أسوة﴾ بضم الألف حيث كان في جميع القرآن والباقون بكسر الألف وهما لغتان ومعناهما قدوة.

اللغة:

النحب النذر قال بشر بن أبي حازم:

وإني والهجاء لآل لام

كذات النحب توفي بالنذور

والنحب الموت قال ذو الرمة:

عشية مر الحارثيون بعد ما

قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر

وهوبر اسم رجل والنحب الخطر قال جرير:

بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا

عشية بسطام جرين على نحب

أي على خطر والنحب المد في السير يوما وليلة.

المعنى:

ثم حث سبحانه على الجهاد والصبر عليه فقال ﴿لقد كان لكم﴾ معاشر المكلفين ﴿في رسول الله أسوة حسنة﴾ أي قدوة صالحة يقال لي في فلان أسوة أي لي به اقتداء والأسوة من الاتساء كما أن القدرة من الاقتداء اسم وضع موضع المصدر والمعنى كان لكم برسول الله اقتداء لو اقتديتم به في نصرته والصبر معه في مواطن القتال كما فعل هو يوم أحد إذ انكسرت رباعيته وشج حاجبه وقتل عمه فواساكم مع ذلك بنفسه فهلا فعلتم مثل ما فعله هو وقوله ﴿لمن كان يرجوا الله﴾ بدل من قوله ﴿لكم﴾ وهو تخصيص بعد العموم للمؤمنين يعني أن الأسوة برسول الله إنما تكون ﴿لمن كان يرجوا الله﴾ أي يرجو ما عند الله من الثواب والنعيم عن ابن عباس وقيل معناه يخشى الله ويخشى البعث الذي فيه جزاء الأعمال وهو قوله ﴿واليوم الآخر﴾ عن مقاتل ﴿وذكر الله كثيرا﴾ أي ذكرا كثيرا وذلك أن ذاكر الله متبع لأوامره بخلاف الغافل عن ذكره ثم عاد سبحانه إلى ذكر الأحزاب فقال ﴿ولما رءا المؤمنون الأحزاب﴾ أي ولما عاين المصدقون بالله ورسوله الجماعة التي تحزبت على قتال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع كثرتهم ﴿قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله﴾ اختلف في معناه على قولين (أحدهما) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد أخبرهم أنه يتظاهر عليهم الأحزاب ويقاتلونهم ووعدهم الظفر بهم فلما رأوهم تبين لهم مصداق قوله وكان ذلك معجزا له ﴿وما زادهم﴾ مشاهدة عدوهم ﴿إلا إيمانا﴾ أي تصديقا بالله ورسوله ﴿وتسليما﴾ لأمره عن الجبائي (و الآخر) أن الله تعالى وعدهم في سورة البقرة بقوله ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا﴾ إلى قوله ﴿إن نصر الله قريب﴾ ما سيكون من الشدة التي تلحقهم من عدوهم فلما رأوا الأحزاب يوم الخندق قالوا هذه المقالة علما منهم أنه لا يصيبهم إلا ما أصاب الأنبياء والمؤمنين قبلهم وزادهم كثرة المشركين تصديقا ويقينا وثباتا في الحرب عن قتادة وغيره ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه﴾ أي بايعوا أن لا يفروا فصدقوا في لقائهم العدو ﴿فمنهم من قضى نحبه﴾ أي مات أو قتل في سبيل الله فأدرك ما تمنى فذلك قضاء النحب وقيل قضى نحبه معناه فرغ من عمله ورجع إلى ربه يعني من استشهد يوم أحد عن محمد بن إسحاق وقيل معناه قضى أجله على الوفاء والصدق عن الحسن وقال ابن قتيبة أصل النحب النذر وكأن قوما نذروا إن يلقوا العدو أن يقاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح الله فقتلوا فقيل فلان قضى نحبه إذا قتل وروي عن أنس بن مالك أن عمه غاب عن قتال بدر فقال غبت عن أول قتال قاتله رسول الله مع المشركين لئن أراني الله قتالا للمشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فلقيه سعد دون أحد فقال أنا معك قال سعد فلم أستطع أن أصنع ما صنع فوجد فيه بضع وثمانون ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم كنا نقول فيه وفي أصحابه نزلت ﴿فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر﴾ رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن سعيد الخزامي عن عبد الأعلى عن حميد بن أنس وقال ابن إسحاق ﴿فمنهم من قضى نحبه﴾ من استشهد يوم بدر وأحد ﴿ومنهم من ينتظر﴾ ما وعد الله من نصرة أو شهادة على ما مضى عليه أصحابه ﴿وما بدلوا تبديلا﴾ أي ما غيروا العهد الذي عاهدوا ربهم كما غير المنافقون قال ابن عباس ﴿من قضى نحبه﴾ حمزة بن عبد المطلب ومن قتل معه وأنس بن النضر وأصحابه وقال الكلبي ما بدلوا العهد بالصبر ولا نكثوه بالفرار وروي الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن علي (عليه السلام) قال فينا نزلت ﴿رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه﴾ فأنا والله المنتظر وما بدلت تبديلا ﴿ليجزي الله الصادقين بصدقهم﴾ أي صدق المؤمنون في عهودهم ليجزيهم الله بصدقهم ﴿ويعذب المنافقين﴾ بنقض العهد ﴿إن شاء أو يتوب عليهم﴾ إن تابوا ويكون معناه أنه سبحانه إن شاء قبل توبتهم وأسقط عقابهم وإن شاء لم يقبل توبتهم وعذبهم فإن إسقاط العذاب على المذهب الصحيح بالتوبة تفضل من الله تعالى لا يجب عقلا وإنما علمنا ذلك بالسمع والإجماع على أن الله سبحانه يفعل ذلك فالآية قاضية بما يقتضيه العقل من الحكم ويؤكد ذلك قوله ﴿إن الله كان غفورا رحيما﴾ لأن المدح إنما يحصل إذا رحم سبحانه من يستحق العقاب ويغفر ما جاز له المؤاخذة به ولا مدح في مغفرة ورحمة من يجب عليه غفرانه ورحمته وقيل معناه ويعذب المنافقين بعذاب عاجل في الدنيا إن شاء أو يتوبوا عن الجبائي ثم عاد سبحانه إلى تعداد نعمه فقال ﴿ورد الله الذين كفروا﴾ يعني الأحزاب أبا سفيان وجنوده وغطفان ومن معهم من قبائل العرب ﴿بغيظهم﴾ أي بغمهم الذي جاءوا به وحنقهم لم يشفوا بنيل ما أرادوا و﴿لم ينالوا خيرا﴾ أملوه وأرادوه من الظفر بالنبي والمؤمنين وإنما سماه خيرا لأن ذلك كان خيرا عندهم وقيل أراد بالخير المال كما في قوله وإنه لحب الخير لشديد ﴿وكفى الله المؤمنين القتال﴾ أي مباشرة القتال بما أنزل الله على المشركين من الريح الشديدة الباردة التي أزعجتهم عن أماكنهم وبما أرسل من الملائكة وبما قذف في قلوبهم من الرعب وقيل بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وقتله عمرو بن عبد ود وكان ذلك سبب هزيمة القوم عن عبد الله بن مسعود وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ﴿وكان الله قويا﴾ أي قادرا على ما يشاء ﴿عزيزا﴾ لا يمتنع عليه شيء من الأشياء وقيل قويا في ملكه وسلطانه عزيزا في قهره وانتقاله.