الآيات 11-20

هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴿11﴾ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴿12﴾ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴿13﴾ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا ﴿14﴾ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا ﴿15﴾ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿16﴾ قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿17﴾ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿18﴾ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿19﴾ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ﴿20﴾

القراءة:

قرأ حفص ﴿لا مقام لكم﴾ بضم الميم والباقون بفتحها وقرأ أهل الحجاز ﴿لأتوها﴾ بغير مد والباقون لآتوها بالمد وقرأ يعقوب يسائلون بالتشديد والمد والباقون ﴿يسئلون﴾ بالتخفيف وفي الشواذ قراءة ابن عباس وابن يعمر وقتادة إن بيوتنا عورة وما هي بعورة بكسر الواو في الموضعين وقراءة الحسن ثم سولوا الفتنة مرفوعة السين ولا يجعل فيها ياء ولا يمدها وقراءة ابن عباس لو أنهم بدى في الأعراب.

الحجة:

قال أبو علي المقام يحتمل أمرين (أحدهما) لا موضع إقامة لكم وهذا أشبه لأنه في معنى لا مقام بفتح الميم أي ليس لكم موضع تقومون فيه (والآخر) لا إقامة لكم ومن قصر ﴿لأتوها﴾ فلأنك تقول أتيت الشيء إذا فعلته تقول أتيت الخير وتركت الشر ومعنى ﴿ثم سئلوا الفتنة لأتوها﴾ سئلوا فعل الفتنة لفعلوها ومن قرأ لآتوها فالمعنى لأعطوها أي لم يمتنعوا فيها والمعنى لو قيل لهم كونوا على المسلمين ومع المشركين لفعلوا ذلك ومن قرأ يسائلون فإنه يتساءلون أي يسأل بعضهم بعضا فأدغم التاء في السين ومن قرأ عورة بكسر الواو فإنه شاذ من طريق الاستعمال وذلك لتحرك الواو بعد الفتحة والقياس أن تقول عارة كما قالوا رجل مال وامرأة مالة وكبش صاف ونعجة صافة ومثل عورة في صحة الواو وقولهم رجل عوز لا مال له وقول الأعشى:

وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني

شاو مشل شلول شلشل شول

وقوله سولوا من قولهم سأل يسأل كخاف يخاف فالعين على هذه اللغة واو وحكى أبو زيد قولهم هما يتساولان كما يقال يتقاومان والأقيس على هذا أن يقال سيلوا كعيدوا وقيل واللغة الأخرى إشمام الضمة نحو سئلوا واللغة الثالثة سولوا على إخلاص ضمة فعل إلا أنه أردأ اللغات قال الشاعر:

وقول لا أهل له ولا مال أي وقيل وقال آخر:

نوط إلى صلب شديد الحل

أي نيط وقوله بدى جمع باد فهو مثل غاز وغزى.

اللغة:

يقال هنا للقريب من المكان وهنالك للبعيد وهناك للمتوسط بين القريب والبعيد وسبيله سبيل ذا وذلك وذاك والزلزال الاضطراب العظيم والزلزلة اضطراب الأرض وقيل إنه مضاعف زل وزلزلة غيره والشدة قوة تدرك بالحاسة لأن القوة التي هي القدرة لا تدرك بالحاسة وإنما تعلم بالدلالة فلذلك يوصف تعالى بأنه قوي ولا يوصف بأنه شديد والغرور إيهام المحبوب بالمكروه والغرور الشيطان قال الحرث بن حلزة:

لم يغروكم غرورا ولكن

يرفع الآل جمعهم والضحاء

ويثرب اسم أرض المدينة قال أبو عبيدة إن مدينة الرسول في ناحية من يثرب وقيل يثرب هي المدينة نفسها وذكر المرتضى علم الهدى قدس الله روحه أن من أسماء المدينة يثرب وطيبة وطابة والدار والسكينة وجائزة المحبورة والمحبة والمحبوبة والعذراء والمرحومة والقاصمة ويندد فذلك ثلاثة عشر اسما والعورة كل شيء يتخوف منه في ثغر أو حرب ومكان معور ودار معورة إذا لم تكن حريزة.

القطر الناحية والجانب وجمعه الأقطار ويقال طعنه فقطره إذا ألقاه على أحد قطريه أي أحد شقيه والتعويق التثبيت والعوق الصرف ورجل عوق وعوقة يعوق الناس عن الخير.

والبأس الحرب وأصله الشدة.

والأشحة جمع شحيح والشح البخل مع حرص يقال شح يشح ويشح بضم الشين وفتحها.

والسلق أصله الضرب وسلق أي صاح ومنه خطيب مسلق ومصلق فصيح وسلقته بالكلام أسمعته المكروه وفي الحديث ليس منا من سلق أو حلق أو رفع صوته عند المصيبة وقيل هو أن تصك وجهها ومعنى حلق أي يحلق رأسه وشعره عند المصيبة.

والحديد ضد الكليل والجمع حداد.

والأحزاب الجماعات واحدها حزب وتحزبوا أي تجمعوا من مواضع والبادي الذي ينزل البادية ومنه الحديث من بدا جفا أي من نزل البادية كان فيه جفوة الإعراب والبداوة الخروج إلى البادية بفتح الباء وكسرها قال القطامي:

ومن تكن الحضارة أعجبته

فأي أناس بادية ترانا

الإعراب:

الضمير في دخلت عائد إلى البيوت ﴿إلا يسيرا﴾ تقديره إلا تلبسا يسيرا أو زمانا يسيرا فهو صفة ظرف زمان محذوف ﴿وإذا لا تمتعون﴾ لم يعمل إذا لوقوعه بين الواو والفعل وقد أعملت بعد أن في قول الشاعر:

لا تتركني فيهم شطيرا

إني إذا أهلك أو أطيرا

﴿ولا يأتون﴾ جملة معطوفة على صلة الموصول أي الذين يعوقون ولا يأتون وقوله ﴿إلا قليلا﴾ تقديره إلا زمانا قليلا وإن شئت إلا إتيانا قليلا أشحة منصوب على الحال في الموضعين وقيل هو نصب على الذم كالذي يغشى عليه من الموت أي تدور أعينهم دورانا مثل دوران أعين الذي يغشى عليه من الموت فالكاف صفة مصدر محذوف وقد حذف بعد الكاف المضاف والمضاف إليه.

هلم معناه أقبل وتعال وأهل الحجاز يقولون للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث هلم بلفظ الواحد وإنما هي لم ضمت إليها هاء التي للتنبيه ثم حذفت الألف منها إذا صارا شيئا واحدا كقولهم ويلمه وأصله ويل لأمه فلما جعلوهما شيئا واحدا حذفوا وغيروا وأما بنو تميم فيصرفونه تصريف الفعل يقولون هلم يا رجل وهلما وهلموا وهلمي يا امرأة وهلما وهلممن يا نساء إلا أنهم يفتحون آخر الواحد البتة.

المعنى:

لما وصف سبحانه شدة الأمر يوم الخندق قال ﴿هنالك ابتلي المؤمنون﴾ أي اختبروا وامتحنوا ليظهر لك حسن إيمانهم وصبرهم على ما أمرهم الله به من جهاد أعدائه فظهر من كان ثابتا قويا في الإيمان ومن كان ضعيفا فيه ﴿وزلزلوا زلزالا شديدا﴾ أي حركوا بالخوف تحريكا شديدا وأزعجوا إزعاجا عظيما وذلك أن الخائف يكون قلقا مضطربا لا يستقر على مكانه قال الجبائي منهم من اضطرب خوفا على نفسه من القتل ومنهم من اضطرب عليه دينه ﴿وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض﴾ أي شك عن الحسن وقيل ضعف في الإيمان ﴿ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا﴾ قال ابن عباس إن المنافقين قالوا يعدنا محمد أن يفتح مدائن كسرى وقيصر ونحن لا نأمن أن نذهب إلى الخلاء هذا والله الغرور ﴿وإذ قالت طائفة منهم﴾ يعني عبد الله بن أبي وأصحابه عن السدي وقيل هم بنو سالم من المنافقين عن مقاتل وقيل إن القائل لذلك أوس بن قبطي ومن وافقه على رأيه عن يزيد بن رومان ﴿يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا﴾ أي لا إقامة لكم هاهنا أو لا مكان لكم تقومون فيه للقتال إذا فتح الميم فارجعوا إلى منازلكم بالمدينة وأرادوا الهرب من عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿ويستأذن فريق منهم النبي﴾ في الرجوع إلى المدينة وهم بنو حارثة وبنو سلمة ﴿يقولون إن بيوتنا عورة﴾ ليست بحريزة، مكشوفة ليست بحصينة عن ابن عباس ومجاهد وقيل معناه بيوتنا خالية من الرجال نخشى عليها السراق عن الحسن وقيل قالوا بيوتنا مما يلي العدو ولا نأمن على أهلينا عن قتادة فكذبهم الله تعالى فقال ﴿وما هي بعورة﴾ بل هي رفيعة السمك حصينة عن الصادق (عليه السلام) ﴿إن يريدون﴾ أي ما يريدون ﴿إلا فرارا﴾ وهربا من القتال ونصرة المؤمنين ﴿ولو دخلت﴾ أي ولو دخلت البيوت أو دخلت المدينة ﴿عليهم﴾ أي ولو دخل هؤلاء الذين يريدون القتال وهم الأحزاب على الذين يقولون إن بيوتنا عورة وهم المنافقون ﴿من أقطارها﴾ أي من نواحي المدينة أو البيوت ﴿ثم سئلوا الفتنة لأتوها﴾ أي ثم دعوا هؤلاء إلى الشرك لأشركوا فالمراد بالفتنة الشرك عن ابن عباس ﴿وما تلبثوا بها إلا يسيرا﴾ أي وما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلا عن قتادة وقيل معناه وما أقاموا بالمدينة بعد إعطائهم الكفر إلا قليلا حتى يعاجلهم الله بالعذاب عن الحسن والفراء ثم ذكرهم الله سبحانه عهدهم مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالثبات في المواطن فقال ﴿ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل﴾ أي من قبل الخندق ﴿لا يولون الأدبار﴾ أي بايعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحلفوا له أنهم ينصرونه ويدفعون عنه كما يدفعون عن نفوسهم ولا يرجعون عن مقاتلة العدو ولا ينهزمون قال مقاتل يريد ليلة العقبة ﴿وكان عهد الله مسئولا﴾ يسألون عنهم في الآخرة وإنما جاء بلفظ الماضي تأكيدا ثم قال سبحانه ﴿قل﴾ يا محمد للذين استأذنوك في الرجوع واعتلوا بأن بيوتهم يخاف عليها ﴿لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل﴾ إن كان حضرت آجالكم فإنه لا بد من واحد منهما وإن هربتم فالهرب لا يزيد في آجالكم ﴿وإذا لا تمتعون إلا قليلا﴾ معناه وإن لم تحضر آجالكم وسلمتم من الموت أو القتل في هذه الوقعة لم تمتعوا في الدنيا إلا أياما قلائل وإنما فرق بين الموت والقتل لأن القتل غير الموت فإن الموت ضد الحياة عند من أثبته معنى وانتفاء الحياة عند من لم يثبته معنى والقتل هو نقض البنية الحيوانية فالقتل يقدر عليه غير الله تعالى والموت لا يقدر عليه غيره ﴿قل﴾ يا محمد ﴿من ذا الذي يعصمكم من الله﴾ أي يدفع عنكم قضاء الله ويمنعكم من الله ﴿إن أراد بكم سوءا﴾ أي عذابا وعقوبة ﴿أو أراد بكم رحمة﴾ أي نصرا وعزا فإن أحدا لا يقدر على ذلك ﴿ولا يجدون لهم من دون الله وليا﴾ يلي أمورهم ﴿ولا نصيرا﴾ ينصرهم ويدفع عنهم ثم قال سبحانه ﴿قد يعلم الله المعوقين منكم﴾ وهم الذين يعوقون غيرهم عن الجهاد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويثبطونهم ويشغلونهم لينصرفوا عنه وذلك بأنهم قالوا لهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان وهؤلاء الأحزاب ﴿والقائلين لإخوانهم﴾ يعني اليهود قالوا لإخوانهم المنافقين ﴿هلم إلينا﴾ أي تعالوا وأقبلوا إلينا ودعوا محمدا وقيل القائلون هم المنافقون قالوا لإخوانهم من ضعفة المسلمين لا تحاربوا وخلوا محمدا فإنا نخاف عليكم الهلاك ﴿ولا يأتون البأس﴾ أي ولا يحضرون القتال في سبيل الله ﴿إلا قليلا﴾ يخرجون رياء وسمعة قدر ما يوهمون أنهم معكم يعلم الله سبحانه أحوالهم لا يخفى عليه شيء منها عن السدي وقيل معناه ولا يحضرون القتال إلا كارهين تكون قلوبهم مع المشركين عن قتادة ﴿أشحة عليكم﴾ أي لا يأتون الناس أشحة عليكم أي بخلاء بالقتال معكم وقيل بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة عن قتادة ومجاهد ومعناه لا ينصرونكم ثم أخبر عن جبنهم فقال ﴿فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى﴾ أي كعين الذي يغشى ﴿عليه من الموت﴾ وهو الذي قرب من حال الموت وغشيته أسبابه فيذهل ويذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم وتحار أعينهم من شدة خوفهم ﴿فإذا ذهب الخوف﴾ والفزع وجاء الأمن والغنيمة ﴿سلقوكم بألسنة حداد﴾ أي آذوكم بالكلام وخاصموكم بألسنة سليطة ذربة عن الفراء وقيل معناه بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطونا أعطونا فلستم بأحق بها منا عن قتادة قال فأما عند البأس فأجبن قوم وأخذلهم للحق وأما عند الغنيمة فأشح قوم وهو قوله ﴿أشحة على الخير﴾ أي بخلاء بالغنيمة يشاحون المؤمنين عند القسمة وقيل معناه بخلاء بأن يتكلموا بكلام فيه خير عن الجبائي ﴿أولئك﴾ يعني من تقدم وصفهم ﴿لم يؤمنوا﴾ كما آمن غيرهم وإلا لما فعلوا ذلك ﴿فأحبط الله أعمالهم﴾ لأنها لم تقع على الوجوه التي يستحق عليها الثواب إذ لم يقصدوا بها وجه الله تعالى وفي هذا دلالة على صحة مذهبنا في الإحباط لأن المنافقين ليس لهم ثواب فيحبط فليس إلا أن جهادهم الذي لم يقارنه إيمان لم يستحقوا عليه ثوابا ﴿وكان ذلك﴾ الإحباط أو كان نفاقهم ﴿على الله يسيرا﴾ أي هينا ثم وصف سبحانه هؤلاء المنافقين فقال ﴿يحسبون الأحزاب لم يذهبوا﴾ أي يظنون أن الجماعات من قريش وغطفان وأسد واليهود الذين تحزبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ينصرفوا وقد انصرفوا وإنما ظنوا ذلك لجبنهم وفرط حبهم قهر المسلمين ﴿وإن يأت الأحزاب﴾ أي وإن يرجع الأحزاب إليهم ثانية للقتال ﴿يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسئلون عن أنبائكم﴾ أي يود هؤلاء المنافقون أن يكونوا في البادية مع الأعراب يسألون عن أخباركم ولا يكونوا معكم حذرا من القتل وتربصا للدوائر ﴿ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا﴾ أي ولو كان هؤلاء المنافقون معكم وفيكم لم يقاتلوا معكم إلا قدرا يسيرا ليوهموا أنهم في جملتكم لا لينصروكم ويجاهدوا معكم وقيل معناه قتالا قليلا رياء وسمعة من غير احتساب ولو كان هؤلاء المنافقون معكم وفيكم لم يقاتلوا معكم إلا قدرا يسيرا ليوهموا أنهم في جملتكم لا لينصروكم ويجاهدوا معكم وقيل معناه قتالا قليلا رياء وسمعة من غير احتساب ولو كان لله تعالى لم يكن قليلا عن الجبائي ومقاتل.