الآيات 6-10

النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴿6﴾ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴿7﴾ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿8﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴿9﴾ إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴿10﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وابن عامر وأبو بكر وقتيبة الظنونا والرسولا والسبيلا بألف في الوصل والوقف وقرأ أهل البصرة وحمزة بغير ألف في الوصل والوقف والباقون بالألف في الوقف وبغير ألف في الوصل.

الحجة:

قال أبو علي وجه قول من أثبت في الوصل أنها في المصحف كذلك وهو رأس آية ورءوس الآيات تشبه بالقوافي من حيث كانت مقاطع فلما شبه أكرمن وأهانن بالقوافي في حذف الياء منهن كما حذف في نحو قوله:

من حذر الموت أن يأتين

وإذا ما انتسبت له أنكرن

كذلك يشبه هذا في إثبات الألف بالقوافي فأما من طرح الألف في الوصل فإنه ذهب إلى أن ذلك في القوافي وليس رءوس الآي بقواف فيحذف في الوصل كما يحذف غيرها مما يثبت في الوقف نحو التشديد الذي يلحق الحرف الموقوف عليه وهذا إذا أثبت في الخط فينبغي أن لا يحذف كما لا يحذف هاء الوقف من حسابيه وكتابيه وأن يجري مجرى الموقوف عليه ولا يوصل.

الإعراب:

﴿أن تفعلوا﴾ موصول وصلة في موضع رفع بالابتداء إلا أنه استثناء منقطع وخبره محذوف تقديره لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفا جائز ﴿وإذا أخذنا﴾ العامل في الظرف هنا محذوف تقديره واذكر نعمة الله عليكم كائنة وقت مجيء جنود ﴿إذ جاءوكم﴾ بدل من إذ الأولى و﴿إذ زاغت﴾ كذلك.

النزول:

قال الكلبي آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الناس فكان يؤاخي بين الرجلين فإذا مات أحدهما ورثه الثاني منهما دون أهله فمكثوا بذلك ما شاء الله حتى نزلت ﴿وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين﴾ فنسخت هذه الآية الموارثة بالمؤاخاة والهجرة وورث الأدنى فالأدنى من القرابات وقال قتادة كان المسلمون يتوارثون بالهجرة وكان لا يرث الأعرابي المسلم من المهاجرين شيئا فنزلت هذه الآية فصار المواريث بالقرابات.

المعنى:

﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ أي هو أولى بهم منهم بأنفسهم وقيل في معناه أقوال (أحدها) أنه أحق بتدبيرهم وحكمه أنفذ عليهم من حكمهم على أنفسهم خلاف ما يحكم به لوجوب طاعته التي هي مقرونة بطاعة الله تعالى عن ابن زيد (وثانيها) أنه أولى بهم في الدعوة فإذا دعاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعته أولى بهم من طاعة أنفسهم عن ابن عباس وعطا وهذا قريب من الأول (وثالثها) أن حكمه أنفذ عليهم من حكم بعضهم على بعض كقوله فسلموا على أنفسكم فإذا كان هو أحق بهم وهو لا يرث أمته بما له من الحق فكيف يرث من توجبون حقه بالتبني وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أراد غزوة تبوك وأمر الناس بالخروج قال قوم نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت هذه الآية وروي عن أبي وابن مسعود وابن عباس أنهم كانوا يقرءون النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم وكذلك هو في مصحف أبي وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) قال مجاهد وكل نبي أب لأمته ولذلك صار المؤمنون إخوة لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبوهم في الدين وواحدة الأنفس نفس وهي خاصة الحيوان الحساسة الداركة التي هي أنفس ما فيه ويحتمل أن يكون اشتقاقه من التنفس الذي هو التروح ويحتمل أن يكون من النفاسة لأنه أجل ما فيه وأكرمه ﴿وأزواجه أمهاتهم﴾ المعنى إنهن للمؤمنين كالأمهات في الحرمة وتحريم النكاح ولسن أمهات لهم على الحقيقة إذ لو كن كذلك لكانت بنتاه أخوات المؤمنين على الحقيقة فكان لا يحل للمؤمن التزويج بهن فثبت أن المراد به يعود إلى حرمة العقد عليهن لا غير لأنه لم يثبت شيء من أحكام الأمومة بين المؤمنين وبينهن سوى هذه الواحدة أ لا ترى أنه لا يحل للمؤمنين رؤيتهن ولا يرثن المؤمنين ولا يرثونهن ولهذا قال الشافعي وأزواجه أمهاتهم في معنى دون معنى وهو أنهن محرمات على التأبيد وما كن محارم في الخلوة والمسافرة وهذا معنى ما رواه مسروق عن عائشة أن امرأة قالت لها يا أمه فقالت لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم فعلى هذا لا يجوز أن يقال لإخوانهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالات المؤمنين قال الشافعي تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر ولم يقل هي خالة المؤمنين ﴿وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين﴾ وهو مفسر في آخر الأنفال ﴿وأولو الأرحام﴾ هم ذوو الأنساب.

لما ذكر سبحانه أن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمهات المؤمنين عقبه بهذا وبين أنه لا توارث إلا بالولادة والرحم والمعنى أن ذوي القرابات بعضهم أولى بميراث بعض من المؤمنين أي من الأنصار والمهاجرين أي الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وقيل معناه من المؤمنين والمتواخين والمهاجرين فصارت هذه الآية ناسخة للتوارث بالهجرة والمؤاخاة في الدين دالة على أن الميراث بالقرابة فمن كان أقرب في قرباه فهو أحق بالميراث من الأبعد ﴿إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا﴾ هذا استثناء منقطع ومعناه لكن إن فعلتم إلى أوليائكم المؤمنين وخلفائكم ما يعرف حسنه وصوابه فهو حسن قال السدي عنى بذلك وصية الرجل لإخوانه في الدين وقال غيره لما نسخ التوارث بالمؤاخاة والهجرة أباح الوصية فيوصي لمن يتولاه بما أحب من الثلث فمعنى المعروف هنا الوصية وحكي عن محمد بن الحنفية وعكرمة وقتادة أن معناه الوصية لذوي القرابات من المشركين وقيل إن هذا لا يصح لأنه تعالى نهى عن ذلك بقوله لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء وقد أجاز كثير من الفقهاء الوصية للقرابة الكافرة وقال أصحابنا إنها جائزة للوالدين والولد ﴿كان ذلك﴾ أي نسخ الميراث بالهجرة ورده إلى أولي الأرحام من القرابات ﴿في الكتاب﴾ أي في اللوح المحفوظ وقيل في القرآن وقيل في التوراة ﴿مسطورا﴾ أي مكتوبا ومن في قوله ﴿من المؤمنين والمهاجرين﴾ يحتمل أمرين (أحدهما) ما ذكرناه (والآخر) أن يكون التقدير وأولو الأرحام من المؤمنين والمهاجرين أولى بالميراث ﴿وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم﴾ أي واذكر يا محمد حين أخذ الله الميثاق على النبيين خصوصا بأن يصدق بعضهم بعضا ويتبع بعضهم بعضا عن قتادة وقيل أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله ويدعو إلى عبادة الله وأن يصدق بعضهم بعضا وأن ينصحوا لقومهم عن مقاتل ﴿ومنك﴾ يا محمد وإنما قدمه لفضله وشرفه ﴿ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم﴾ خص هؤلاء بالذكر لأنهم أصحاب الشرائع ﴿وأخذنا منهم ميثاقا غليظا﴾ أي عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا من أعباء الرسالة وتبليغ الشرائع وقيل على أن يعلنوا أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويعلن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لا نبي بعده وإنما أعاد ذكر الميثاق على وجه التغليظ وذكره في أول الآية مطلقا وفي آخرها مقيدا بزيادة صفة ثم بين سبحانه الفائدة في أخذ الميثاق فقال ﴿ليسأل الصادقين عن صدقهم﴾ قيل معناه إنما فعل ذلك ليسأل الأنبياء المرسلين ما الذي جاءت به أممكم عن مجاهد وقيل ليسأل الصادقين في توحيد الله وعدله والشرائع عن صدقهم أي عما كانوا يقولونه فيه تعالى فيقال لهم هل ظلم الله تعالى أحدا هل جازى كل إنسان بفعله هل عذب بغير ذنب ونحو ذلك فيقولون نعم عدل في حكمه وجازى كلا بفعله وقيل معناه ليسأل الصادقين في أقوالهم عن صدقهم في أفعالهم وقيل ليسأل الصادقين ما ذا قصدتم بصدقكم وجه الله أو غيره ويكون فيه تهديد للكاذب قال الصادق (عليه السلام) إذا سأل عن صدقه على أي وجه قاله فيجازي بحسبه فكيف يكون حال الكاذب ثم قال سبحانه ﴿وأعد للكافرين عذابا أليما﴾ أي مؤلما ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم﴾ ذكرهم سبحانه عظيم نعمته عليهم في دفع الأحزاب عنهم ﴿إذ جاءتكم جنود﴾ وهم الذين تحزبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيام الخندق ﴿فأرسلنا عليهم ريحا﴾ وهي الصبا أرسلت عليهم حتى أكفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم ﴿وجنودا لم تروها﴾ من الملائكة وقيل إن الملائكة لم يقاتلوا يومئذ ولكن كانوا يشجعون المؤمنين ويجبنون الكافرين ﴿وكان الله بما تعملون بصيرا﴾ من قرأ بالتاء وجه الخطاب إلى المؤمنين ومن قرأ بالياء أراد أن الله عالم بما يعمله الكفار ثم قال ﴿إذ جاءوكم﴾ أي واذكروا حين جاءكم جنود المشركين ﴿من فوقكم﴾ أي من فوق الوادي قبل المشرق قريظة والنضير وغطفان ﴿ومن أسفل منكم﴾ أي من قبل المغرب من ناحية مكة أبو سفيان في قريش ومن تبعه ﴿وإذ زاغت الأبصار﴾ أي مالت عن كل شيء فلم تنظر إلا إلى عدوها مقبلا من كل جانب وقيل معناه عدلت الأبصار عن مقرها من الدهش والحيرة كما يكون الجبان فلا يعلم ما يبصر ﴿وبلغت القلوب الحناجر﴾ والحنجرة جوف الحلقوم أي شخصت القلوب من مكانها فلو لا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت عن قتادة وقال أبو سعيد الخدري قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر فقال قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا قال فقلناها فضرب وجوه أعداء الله بالريح فهزموا قال الفراء المعنى في قوله ﴿بلغت القلوب الحناجر﴾ أنهم جبنوا وجزع أكثرهم وسبيل الجبان إذ اشتد خوفه أن ينتفخ سحره والسحر الرئة فإذا انتفخت الرئة رفعت القلوب إلى الحنجرة ﴿وتظنون بالله الظنونا﴾ أي اختلفت الظنون فظن بعضكم بالله النصر وبعضكم آيس وقنط وقيل تظنون ظنونا مختلفة فظن المنافقون أنه يستأصل محمد وظن المؤمنون أنه ينصر عن الحسن وقيل إن من كان ضعيف القلب والإيمان ظن ما ظنه المنافقون إلا أنه ذلك وقيل اختلاف ظنونهم أن بعضهم ظن أن الكفار تغلبهم فظن بعضهم أنهم يستولون على المدينة وظن بعضهم أن الجاهلية تعود كما كانت وظن بعضهم أن ما وعد الله ورسوله من نصرة الدين وأهله غرور فأقسام الظنون كثيرة خصوصا ظن الجبناء.

النظم:

اتصل قوله ﴿النبي أولى بالمؤمنين﴾ بقوله وما جعل أدعيائكم أبناءكم فإنه سبحانه لما بين أن التبني عليه لا يجوز بين عقيبه أنه مع ذلك أولى بالمؤمنين من أنفسهم من حيث إنه ولاه الله أمرهم فيلزمهم طاعته والانقياد له وأصل الولاية لله تعالى كما قال هنا لك الولاية لله فلا حظ فيها لأحد إلا لمن ولاه سبحانه وإلى هذا المعنى أشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير في قوله أ لست أولى بكم منكم بأنفسكم فلما قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه والمولى بمعنى الأولى بدلالة قوله مأواكم النار هي مولاكم أي أولى بكم وقول لبيد:

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وأمامها

أي أولى بالمخافة ثم عاد سبحانه إلى الكلام في تأكيد نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) بذكر ما أخذ على النبيين من الميثاق في هذا الباب وعقب ذلك ببيان آياته ومعجزاته يوم الأحزاب وذكر ما أنعم عليه وعلى المؤمنين من النصر مع ما أعده لهم من الثواب.

قصة غزوة الخندق:

ذكر محمد بن كعب القرظي وغيره من أصحاب السير قالوا كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب في جماعة من بني النضير الذين أجلاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا إنا سنكون معكم عليهم حتى نستأصلهم فقالت لهم قريش يا معشر اليهود إنكم أهل الكتاب الأول فديننا خير أم دين محمد قالوا بل دينكم خير من دينه فأنتم أولى بالحق منه فهم الذين أنزل الله فيهم أ لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا إلى قوله وكفى بجهنم سعيرا فسر قريشا ما قالوا ونشطوا لما دعوهم إليه فأجمعوا لذلك واتعدوا له ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاءوا غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن قريشا قد بايعوهم على ذلك فأجابوهم فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر في فزارة والحرث بن عوف في بني مرة ومسعر بن جبلة الأشجعي فيمن تابعه من أشجع وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل طليحة في من اتبعه من بني أسد وهما حليفان أسد وغطفان وكتب قريش إلى رجال من بني سليم فأقبل أبو الأعور السلمي فيمن اتبعه من بني سليم مددا لقريش فلما علم بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضرب الخندق على المدينة وكان الذي أشار عليه سلمان الفارسي (ره) وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يومئذ حر قال يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا فعمل فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون حتى أحكموه فمما ظهر من دلائل النبوة في حفر الخندق ما رواه أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني قال حدثني أبي عن أبيه قال خط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الخندق عام الأحزاب أربعين ذراعا بين عشرة فاختلف المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلا قويا فقال الأنصار سلمان منا وقال المهاجرون سلمان منا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سلمان منا أهل البيت قال عمرو بن عوف فكنت أنا وسلمان وحذيفة بن اليمان والنعمان بن مقرن وستة من الأنصار نقطع أربعين ذراعا فحفرنا حتى إذا بلغنا الثرى أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدورة فكسرت حديدنا وشقت علينا فقلنا يا سلمان ارق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره عن الصخرة فأما أن نعدل عنها فإن المعدل قريب وإما أن يأمرنا فيه بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه فرقي سلمان حتى أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مضروب عليه قبة فقال يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء من الخندق مدورة فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها بأمرك فهبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع سلمان في الخندق وأخذ المعول وضرب به ضربة فلمعت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها يعني لابتي المدينة حتى لكان مصباحا في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تكبيرة فتح فكبر المسلمون ثم ضرب ضربة أخرى فلمعت برقة أخرى ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى فقال سلمان بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الذي أرى فقال أما الأولى فإن الله عز وجل فتح علي بها اليمن وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق فاستبشر المسلمون بذلك وقالوا الحمد لله موعد صادق قال وطلعت الأحزاب فقال المؤمنون هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وقال المنافقون أ لا تعجبون يحدثكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر في يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا ومما ظهر فيه أيضا من آيات النبوة ما رواه أبو عبد الله الحافظ بالإسناد عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي قال حدثني أيمن المخزومي قال سمعت جابر بن عبد الله قال كنا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه كدية وهي الجبل فقلنا يا رسول الله إن كدية عرضت فيه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رشوا عليها ماء ثم قام فأتاها وبطنه معصوب بحجر من الجوع فأخذ المعول أو المسحاة فسمى ثلاثا ثم ضرب فعادت كثيبا أهيل فقلت له ائذن لي يا رسول الله إلى المنزل ففعل فقلت للمرأة هل عندك من شيء فقالت عندي صاع من شعير وعناق فطحنت الشعير وعجنته وذبحت العناق وسلختها وخليت بين المرأة وبين ذلك ثم أتيت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجلست عنده ساعة ثم قلت ائذن لي يا رسول الله ففعل فأتيت المرأة فإذا العجين واللحم قد أمكنا فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت إن عندنا طعيما لنا فقم يا رسول الله أنت ورجلان من أصحابك فقال وكم هو قلت صاع من شعير وعناق فقال للمسلمين جميعا قوموا إلى جابر فقاموا فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله فقلت جاء بالخلق على صاع شعير وعناق فدخلت على المرأة وقلت قد افتضحت جاءك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخلق أجمعين فقالت هل كان سألك كم طعامك قلت نعم فقالت الله ورسوله أعلم قد أخبرناه ما عندنا فكشفت عني غما شديدا فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال خذي ودعيني من اللحم فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يثرد ويفرق اللحم ثم يجم هذا ويجم هذا فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعين ويعود التنور والقدر أملأ ما كانا ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلي وأهدي فلم نزل نأكل ونهدي قومنا أجمع أورده البخاري في الصحيح وعن البراء بن عازب قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينقل معنا التراب يوم الأحزاب وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول اللهم لو لا أنت ما اهتديناه ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقيناه إن الأولى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا يرفع بها صوته رواه البخاري أيضا في الصحيح عن أبي الوليد عن شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قالوا ولما فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بين الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هناك عسكره والخندق بينه وبين القوم وأمر بالذراري والنساء فرفعوا في الآطام وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضيري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب بني قريظة وكان قد وادع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على قومه وعاهده على ذلك فلما سمع كعب صوت ابن أخطب أغلق دونه حصنه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه يا كعب افتح لي فقال ويحك يا حيي إنك رجل مشئوم إني قد عاهدت محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) ولست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقا قال ويحك افتح لي أكلمك قال ما أنا بفاعل قال إن أغلقت دوني إلا على حشيشة تكره أن آكل منها معك فأحفظ الرجل ففتح له فقال ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها وبغطفان على سادتها وقادتها قد عاهدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه فقال كعب جئتني والله بذل الدهر بجهام قد هراق ماؤه يرعد ويبرق وليس فيه شيء فدعني ومحمدا وما أنا عليه فلم أر من محمد إلا صدقا ووفاء فلم يزل حيي بكعب يفتل منه في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك فنقض كعب عهده وبرىء مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما انتهى الخبر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث سعد بن معاذ بن النعمان بن امرء القيس أحد بني عبد الأشهل وهو يومئذ سيد الأوس وسعد ابن عبادة أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج وهو يومئذ سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير فقال انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا فإن كان حقا فالحنوا لنا لحنا نعرفه ولا تفتوا أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس وخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث مما بلغهم عنهم قالوا لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه وقال سعد بن معاذ دع عنك مشاتمتهم فإن ما بيننا وبينهم أعظم من المشاتمة ثم أقبلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا عضل والقارة لغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله خبيب بن عدي وأصحاب الرجيع فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن وظهر النفاق من بعض المنافقين فأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقام المشركون عليه بضعا وعشرين ليلة لم يكن بينهم قتال إلا الرمي بالنبل إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود أخو بني عامر بن لؤي وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب وهبيرة بن أبي وهب ونوفل بن عبد الله قد تلبسوا للقتال وخرجوا على خيولهم حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا تهيأوا للحرب يا بني كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان ثم أقبلوا تعنق بهم خيولهم حتى وقفوا على الخندق فقالوا والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق فضربوا خيولهم فاقتحموا فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وخرج علي بن أبي طالب (عليه السلام) في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي منها اقتحموا وأقبلت الفرسان نحوهم وكان عمرو بن عبد ود فارس قريش وكان قد قاتل يوم بدر حتى ارتث وأثبته الجراح ولم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مشهده وكان يعد بألف فارس وكان يسمى فارس يليل لأنه أقبل في ركب من قريش حتى إذا كانوا بيليل وهو واد قريب من بدر عرضت لهم بنو بكر في عدد فقال لأصحابه امضوا فمضوا فقام في وجوه بني بكر حتى منعهم من أن يصلوا إليه فعرف بذلك وكان اسم الموضع الذي حفر فيه الخندق المذاد وكان أول من طفره عمرو وأصحابه فقيل في ذلك:

عمرو بن عبد كان أول فارس

جزع المذاد وكان فارس يليل

وذكر ابن إسحاق أن عمرو بن عبد ود كان ينادي من يبارز فقام علي (عليه السلام) وهو مقنع في الحديد فقال أنا له يا نبي الله فقال إنه عمرو اجلس ونادى عمرو أ لا رجل وهو يؤنبهم ويقول أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها فقام علي (عليه السلام) فقال أنا له يا رسول الله ثم نادى الثالثة فقال:

ولقد بححت من النداء

بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن المشجع

موقف البطل المناجز

إن السماحة والشجاعة

في الفتى خير الغرائز

فقام علي فقال يا رسول الله أنا فقال إنه عمرو فقال وإن كان عمرا فاستأذن رسول الله فأذن له رسول الله وفيما رواه لنا السيد أبو محمد الحسيني القايني عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني بالإسناد عن عمرو بن ثابت عن أبيه عن جده عن حذيفة قال فألبسه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) درعه ذات الفضول وأعطاه سيفه ذا الفقار وعممه عمامة السحاب على رأسه تسعة أكوار ثم قال له تقدم فقال لما ولى: اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه قال ابن إسحاق فمشى إليه وهو يقول:

لا تعجلن فقد أتاك

ذو نية وبصيرة

والصدق منجى كل فائز

إني لأرجو أن أقيم

عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى

ذكرها عند الهزاهز

قال له عمرو من أنت قال أنا علي قال ابن عبد مناف فقال أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فقال غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أسن منك فإني أكره أن أهرق دمك فقال علي (عليه السلام) لكني والله ما أكره أن أهرق دمك فغضب ونزل وسل سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علي مغضبا فاستقبله علي بدرقته فضربه عمرو بالدرقة فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه وضربه علي على حبل العاتق فسقط وفي رواية حذيفة وتسيف على رجليه بالسيف من أسفل فوقع على قفاه وثارت بينهما عجاجة فسمع علي يكبر فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قتله والذي نفسي بيده فكان أول من ابتدر العجاج عمر بن الخطاب فإذا علي يمسح سيفه بدرع عمرو فكبر عمر بن الخطاب وقال يا رسول الله قتله فحز علي رأسه وأقبل نحو رسول الله ووجهه يتهلل فقال عمر بن الخطاب هلا استلبته درعه فإنه ليس للعرب درع خير منها فقال ضربته فاتقاني بسوأته فاستحييت ابن عمي أن أستلبه قال حذيفة فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبشر يا علي فلو وزن اليوم عملك بعمل أمة محمد لرجح عملك بعملهم وذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهن بقتل عمرو ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا وقد دخله عز بقتل عمرو وعن الحاكم أبي القاسم أيضا بالإسناد عن سفيان الثوري عن زبيد الثاني عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال كان يقرأ وكفى الله المؤمنين القتال بعلي وخرج أصحابه منهزمين حتى طفرت خيولهم الخندق وتبادر المسلمون فوجدوا نوفل بن عبد العزى جوف الخندق فجعلوا يرمونه بالحجارة فقال لهم قتلة أجمل من هذه ينزل بعضكم أقاتله فقتله الزبير بن العوام وذكر ابن إسحاق أن عليا (عليه السلام) طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه فمات في الخندق وبعث المشركون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشترون جيفته بعشرة آلاف فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو لكم لا نأكل ثمن الموتى وذكر علي (عليه السلام) أبياتا منها:

نصر الحجارة من سفاهة رأيه

ونصرت رب محمد بصواب

فضربته وتركته متجدلا

كالجذع بين دكادك ورواب

وعففت عن أثوابه ولو أنني

كنت المقطر بزني أثوابي

وروى عمرو بن عبيد عن الحسن البصري قال إن عليا (عليه السلام) لما قتل عمرو بن عبد ود حمل رأسه فألقاه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقام أبو بكر وعمر فقبلا رأس علي (عليه السلام) وروي عن أبي بكر بن عياش أنه قال ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام أعز منها يعني ضربة عمرو بن عبد ود وضرب علي ضربة ما كان في الإسلام ضربة أشأم منها يعني ضربة ابن ملجم عليه لعائن الله.

قال ابن إسحاق ورمى حيان بن قيس بن العرفة سعد بن معاذ بسهم وقال خذها وأنا ابن العرفة فقطع أكحله فقال سعد عرف الله وجهك في النار اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهد من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه وأن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة قال وجاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله إني قد أسلمت ولم يعلم بي أحد من قومي فمرني بأمرك فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإنما الحرب خدعة فانطلق نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة فقال لهم إني لكم صديق والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنزلة واحدة إن البلد بلدكم وبه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم وإنما قريش وغطفان بلادهم غيرها وإنما جاءوا حتى نزلوا معكم فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن رأوا غير ذلك رجعوا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ولا طاقة لكم به فلا تقاتلوا حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم تستوثقون به أن لا يبرحوا حتى يناجزوا محمدا فقالوا له قد أشرت برأي ثم ذهب فأتى أبا سفيان وأشراف قريش فقال يا معشر قريش إنكم قد عرفتم ودي إياكم وفراقي محمدا ودينه وإني قد جئتكم بنصيحة فاكتموا علي فقالوا نفعل ما أنت عندنا بمتهم فقال تعلمون أن بني قريظة قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد فبعثوا إليه أنه لا يرضيك عنا إلا أن نأخذ من القوم رهنا من أشرافهم وندفعهم إليك فتضرب أعناقهم ثم نكون معك عليهم حتى نخرجهم من بلادك فقال بلى فإن بعثوا إليكم يسألونكم نفرا من رجالكم فلا تعطوهم رجلا واحدا واحذروا ثم جاء غطفان وقال يا معشر غطفان إني رجل منكم ثم قال لهم ما قال لقريش فلما أصبح أبو سفيان وذلك يوم السبت في شوال سنة خمس من الهجرة بعث إليهم أبو سفيان عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش أن أبا سفيان يقول لكم يا معشر اليهود إن الكراع والخف قد هلكا وإنا لسنا بدار مقام فاخرجوا إلى محمد حتى نناجزه فبعثوا إليه أن اليوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم نستوثق بهم لا تذهبوا وتدعونا حتى نناجز محمدا فقال أبو سفيان والله قد حذرنا هذا نعيم فبعث إليهم أبو سفيان أنا لا نعطيكم رجلا واحدا فإن شئتم أن تخرجوا وتقاتلوا وإن شئتم فاقعدوا فقالت اليهود هذا والله الذي قال لنا نعيم فبعثوا إليهم أنا والله لا نقاتل حتى تعطونا رهنا وخذل الله بينهم وبعث سبحانه عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد حتى انصرفوا راجعين قال محمد بن كعب قال حذيفة بن اليمان والله لقد رأيتنا يوم الخندق وبنا من الجهد والجوع والخوف ما لا يعلمه إلا الله وقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فصلى ما شاء الله من الليل ثم قال أ لا رجل يأتينا بخبر القوم يجعله الله رفيقي في الجنة قال حذيفة فو الله ما قام منا أحد مما بنا من الخوف والجهد والجوع فلما لم يقم أحد دعاني فلم أجد بدا من إجابته قلت لبيك قال اذهب فجئني بخبر القوم ولا تحدثني شيئا حتى ترجع قال وأتيت القوم فإذا ريح الله وجنوده يفعل بهم ما يفعل ما يستمسك لهم بناء ولا تثبت لهم نار ولا تطمئن لهم قدر فإني لكذلك إذا خرج أبو سفيان من رحله ثم قال يا معشر قريش لينظر أحدكم من جليسه قال حذيفة فبدأت بالذي عن يميني فقلت من أنت قال أنا فلان ثم عاد أبو سفيان براحلته فقال يا معشر قريش والله ما أنتم بدار مقام هلك الخف والحافر وأخلفتنا بنو قريظة وهذه الريح لا يستمسك لنا معها شيء ثم عجل فركب راحلته وإنها لمعقولة ما حل عقالها إلا بعد ما ركبها قال قلت في نفسي لو رميت عدو الله فقتلته كنت قد صنعت شيئا فوترت قوسي ثم وضعت السهم في كبد القوس وأنا أريد أن أرميه فأقتله فذكرت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تحدثن شيئا حتى ترجع قال فحططت القوس ثم رجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يصلي فلما سمع حسي فرج بين رجليه فدخلت تحته وأرسل علي طائفة من مرطة فركع وسجد ثم قال ما الخبر فأخبرته وروى الحافظ بالإسناد عن عبد الله بن أبي أوفى قال دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأحزاب فقال اللهم أنت منزل الكتاب سريع الحساب أهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم وعن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول لا إله إلا الله وحده وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده وعن سليمان بن صرد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أجلى عنه الأحزاب الآن نغزوهم ولا يغزوننا فكان كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم تغزهم قريش بعد ذلك وكان هو يغزوهم حتى فتح الله عليهم مكة.