الآيـة 228

وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ ﴿228﴾

اللغة:

القروء جمع قرء وجمعه القليل أقرؤ والكثير أقراء وقروء وصار بناء الكثير فيه أغلب في الاستعمال يقال ثلاثة قروء مثل ثلاثة شسوع استغنى ببناء الكثير عن بناء القليل ووجه آخر وهو أنه لما كانت كل مطلقة يلزمها هذا دخله معنى الكثرة فأتى ببناء الكثرة للإشعار بذلك فالقروء كثيرة إلا أنها ثلاثة في ثلاثة في القسمة وهذا الحرف من الأضداد وأصله في اللغة يحتمل وجهين (أحدهما) الاجتماع ومنه قرأت القرآن لاجتماع حروفه وما قرأت الناقة سلا قط أي لم يجتمع رحمها على ولد قط قال عمرو بن كلثوم :

ذراعي عيطل أدماء بكر

هجان اللون لم تقرأ جنينا فعلى هذا يقال أقرأت المرأة فهي مقرىء إذا حاضت وأنشد:

له قروء كقروء الحائض

وذلك لاجتماع الدم في الرحم ويجيء على هذا أن يكون القرء الطهر لاجتماع الدم في جملة البدن (والوجه الثاني) أن أصل القرء الوقت الجاري في الفعل على عادة وهو يصلح للحيض والطهر يقال هذا قارىء الرياح أي وقت هبوبها قال الشاعر:

شنئت العقر عقر بني شليل

إذا هبت لقاريها الرياح

أي لوقت هبوبها وشدة بردها والذي يدل على أن القرء الطهر قول الأعشى:

وفي كل عام أنت جاشم غزوة

تشد لأقصاها عزيم عزائكا

مورثة مالا وفي الأرض رفعة

لما ضاع فيها من قروء نسائكا فالذي ضاع هاهنا الأطهار لا الحيض والبعولة جمع بعل ويقال بعل يبعل بعولة وهو بعل وسمي الزوج بعلا لأنه عال على المرأة بملكه لزوجيتها وقوله ﴿أتدعون بعلا﴾ أي ربا وقيل أنه صنم والبعل النخل يشرب بعروقه لأنه مستعل على شربه وبعل الرجل بأمره إذا ضاق به ذرعا لأنه علاه منه ما ضاق به ذرعه وبعل الرجل بطر لأنه استعلى تكبرا وامرأة بعلة لا تحسن لبس الثياب لأن الحيرة تستعلي عليها فتدهشها والرجال جمع رجل يقال رجل بين الرجلة أي القوة وهو أرجلهما أي أقواهما وفرس رجيل قوي على المشي وسميت الرجل رجلا لقوتها على المشي ورجل من جراد أي قطعة منه تشبيها بالرجل لأنها قطعة من الجملة والراجل الذي يمشي على رجله وارتجل الكلام ارتجالا لأنه قوي عليه من غير ركوب فكرة وترجل النهار لأنه قوي ضياءه بنزول الشمس إلى الأرض ورجل شعره إذا طوله وأصل الباب القوة والدرجة المنزلة.

الأعراب:

﴿إن كن يؤمن بالله﴾ جواب الشرط محذوف وتقديره إن كن يؤمن بالله لا يكتمن وكذلك جواب الشرط من قوله تعالى ﴿إن أرادوا إصلاحا﴾ محذوف وتقديره إن أرادوا إصلاحا فبعولتهن أحق بردهن ﴿مثل الذي عليهن﴾ إضافة مثل غير حقيقية لأن الذي عليهن مفعوله.

المعنى:

ثم بين سبحانه حكم المطلقات والطلاق فقال ﴿والمطلقات﴾ أي المخليات عن حبال الأزواج بالطلاق وإنما يعني المطلقات المدخول بهن من ذوات الحيض غير الحوامل لأن في الآية بيان عدتهن ﴿يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء﴾ معناه ينتظرن بأنفسهن انقضاء ثلاثة قروء فلا يتزوجن لفظه خبر ومعناه أمر والمراد بالقروء الأطهار عندنا وبه قال زيد بن ثابت وعائشة وابن عمر ومالك والشافعي وأهل المدينة قال ابن شهاب ما رأيت أحدا من أهل بلدنا إلا وهو يقول الأقراء الأطهار إلا سعيد بن المسيب والمروي عن ابن عباس وابن مسعود والحسن ومجاهد ورووه أيضا عن علي أن القرء الحيض والمراد بثلاثة قروء ثلاثة حيض وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه واستشهدوا بقوله (عليه السلام) للمستحاضة دعي الصلاة أيام أقرائك والصلاة إنما تترك في أيام الحيض واستشهد من ذهب إلى أن القرء الطهر بقوله تعالى : ﴿فطلقوهن لعدتهن﴾ أي في طهر لم تجامع فيه كما يقال لغرة الشهر.

ويقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما طلق ابن عمر زوجته وهي حائض مرة فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك وتلا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن لقبل عدتهن فأخبر أن العدة الأطهار دون الحيض لأنها حينئذ تستقبل عدتها ولو طلقت حائضا لم تكن مستقبلة عدتها إلا بعد الحيض وروى أصحابنا عن زرارة قال سمعت ربيعة الرأي يقول أن من رأيي أن الأقراء التي سمى الله في القرآن إنما هي الطهر فيما بين الحيضين وليست بالحيض قال فدخلت على أبي جعفر فحدثته بما قال ربيعة فقال كذب لم يقل برأيه وإنما بلغه عن علي (عليه السلام) فقلت أصلحك الله أ كان علي يقول ذلك قال نعم كان يقول إنما القرء الطهر تقرأ فيه الدم فتجمعه فإذا جاء الحيض قذفته قلت أصلحك الله رجل طلق امرأته طاهرة من غير جماع بشهادة عدلين قال إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلت للأزواج قال قلت إن أهل العراق يروون عن علي (عليه السلام) أنه كان يقول هو أحق بردها ما لم تطهر من الحيضة الثالثة فقال كذبوا ﴿ولا يحل لهن﴾ أي للمطلقات اللاتي تجب عليهن العدة ﴿أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن﴾ قيل أراد به الحيض عن إبراهيم وعكرمة وقيل أراد به الحبل عن ابن عباس وقتادة وقيل أراد به الحيض والحبل عن ابن عمر والحسن وهو المروي عن الصادق (عليه السلام) قال قد فوض الله إلى النساء ثلاثة أشياء الحيض والطهر والحمل وهذا القول أعم فالأخذ به أولى وإنما لم يحل لهن الكتمان لئلا يظلمن الزوج بمنع المراجعة عن ابن عباس وقيل بنسبة الولد إلى غيره كفعل الجاهلية عن قتادة وقوله ﴿إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر﴾ يعني من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فهذه صفته وحليته وليس هذا بشرط حتى أنها إذا لم تكن مؤمنة يحل لها الكتمان ولكن المراد أن الإيمان يمنع من ارتكاب هذه المعصية كما يقول الرجل لصاحبه إن كنت مؤمنا فلا تظلم وهذا على وجه الوعيد ﴿وبعولتهن أحق بردهن في ذلك﴾ يعني أن أزواجهن أولى بمراجعتهن وهي ردهن إلى الحالة الأولى في ذلك الأجل الذي قدر لهن في مدة العدة فإنه ما دامت تلك المدة باقية كان للزوج حق المراجعة ويفوت بانقضائها وفي هذا ما يدل على أن الزوج ينفرد بالمراجعة ولا يحتاج في ذلك إلى رضاء المرأة ولا إلى عقد جديد وإشهاد وهذا يختص بالرجعيات وإن كان أول الآية عاما في جميع المطلقات الرجعية والبائنة ﴿إن أرادوا إصلاحا﴾ لا إضرارا وذلك أن الرجل كان إذا أراد الإضرار بامرأته طلقها واحدة وتركها حتى إذا قرب انقضاء عدتها راجعها وتركها مدة ثم طلقها أخرى وتركها مدة كما فعل في الأولى ثم راجعها وتركها مدة ثم طلقها أخرى فجعل الله الزوج أحق بالمراجعة على وجه الإصلاح لا على وجه الإضرار وإنما شرط الإصلاح في إباحة الرجعة لا في ثبوت أحكامها لإجماع الأمة على أن مع إرادة الإضرار يثبت أحكام الرجعة وقوله

﴿ولهن﴾ أي للنساء على أزواجهن ﴿مثل الذي لهم عليهن﴾ من الحق ﴿بالمعروف﴾ وهذا من الكلمات العجيبة الجامعة للفوائد الجمة وإنما أراد بذلك ما يرجع إلى حسن العشرة وترك المضارة والتسوية في القسم والنفقة والكسوة كما أن للزوج حقوقا عليها مثل الطاعة التي أوجبها الله عليها له وأن لا تدخل فراشه غيره وأن تحفظ ماءه فلا تحتال في إسقاطه وروي أن امرأة معاذ قالت يا رسول الله ما حق الزوجة على زوجها قال أن لا يضرب وجهها ولا يقبحها وأن يطعمها مما يأكل ويلبسها مما يلبس ولا يهجرها وروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم من تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقوله ﴿وللرجال عليهن درجة﴾ قيل معناه فضيلة منها الطاعة ومنها أن يملك التخلية ومنها زيادة الميراث على قسم المرأة والجهاد هذا قول مجاهد وقتادة وقيل معناه منزلة في الأخذ عليها بالفضل في المعاملة حتى يقول ما أحب أن أستوفي منها جميع حقي ليكون لي عليها الفضيلة عن ابن عباس وقيل معناه أن المرأة تنال اللذة من الرجل كما ينال الرجل منها وله الفضل بنفقته وقيامه عليها عن الزجاج وفي تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم قال حق الرجال على النساء أفضل من حق النساء على الرجال وفي كتاب من لا يحضره الفقيه روي عن الباقر (عليه السلام) قال جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالت يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة فقال لها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تتصدق من بيتها بشيء إلا بإذنه ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه فإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها فقالت يا رسول الله من أعظم الناس حقا على المرأة قال زوجها قالت فما لي من الحق عليه مثل ما له من الحق علي قال لا ولا من كل مائة واحدة فقالت والذي بعثك بالحق لا يملك رقبتي رجل أبدا وقال (عليه السلام) لو كنت آمرا أحدا يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ﴿والله عزيز حكيم﴾ أي قادر على ما يشاء يمنع ولا يمنع ويقهر ولا يقهر فاعل ما تدعو إليه الحكمة وقد قيل في الآية إن المطلقة قبل الدخول والمطلقة الحاملة نسختا من هذه الآية بقوله فما لكم عليهن من عدة تعتدونها وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وقيل إنهما مخصوصتان من الآية كما ذكرناه في أول الآية.