الآيات 7-10

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴿7﴾ وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿8﴾ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴿9﴾ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴿10﴾

اللغة:

التأذن الإعلام يقال أذن وتأذن ومثله أوعد وتوعد قال الحارث بن حلزة:

آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء والنبأ الخبر عما يعظم شأنه لهذا الأمر نبأ عظيم أي شأن ونبأ الله محمدا وتنبأ مسيلمة الكذاب ادعى النبوة والريب أخبث الشك والمريب المتهم وهو الذي يأتي بما فيه التهمة يقال أراب يريب إذا أتى بما يوجب الريبة.

الإعراب:

قوم نوح وما بعده مجرور بأنه بدل من قوله ﴿الذين من قبلكم﴾ وفاطر مجرور بأنه صفة لله في قوله ﴿أفي الله شك﴾ ومن في قوله ﴿من ذنوبكم﴾ للتبعيض وقيل إن من زائدة عن أبي عبيدة وأنكر سيبويه زيادتها في الإيجاب.

المعنى:

لما تقدم ذكر النعمة أتبعه سبحانه بذكر ما يلزم عليها من الشكر فقال ﴿وإذ تأذن ربكم﴾ التقدير واذكر إذ أعلم ربكم عن الحسن والبلخي وقيل معناه وإذ قال لكم ربكم عن ابن عباس وقيل أخبر ربكم عن الجبائي ﴿لئن شكرتم لأزيدنكم﴾ أي لئن شكرتم لي على نعمتي لأزيدنكم في النعم ﴿ولئن كفرتم﴾ أي جحدتم نعمتي ﴿إن عذابي لشديد﴾ لمن كفر نعمتي وقال أبو عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية أيما عبد أنعمت عليه نعمة فأقر بها بقلبه وحمد الله عليها بلسانه لم ينفذ كلامه حتى يأمر الله له بالزيادة ﴿وقال موسى إن تكفروا﴾ أي تجحدوا نعم الله سبحانه ﴿أنتم ومن في الأرض جميعا﴾ من الخلق لم تضروا الله شيئا وإنما يضركم ذلك بأن تستحقوا عليه العقاب ﴿فإن الله﴾ سبحانه ﴿لغني﴾ عن شكركم ﴿حميد﴾ في أفعاله وقد يكون كفر النعمة بأن يشبه الله بخلقه أو يجور في حكمه أو يرد على نبي من أنبيائه فإن الله سبحانه قد أنعم على خلقه في جميع ذلك بأن أقام الحجج الواضحة والبراهين الساطعة على صحته وعرض بالنظر فيها للثواب الجزيل ﴿ألم يأتكم﴾ قيل إن هذا الخطاب متوجه إلى أمة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فذكرت بأخبار من تقدمها من الأمم وقيل إنه من قول موسى (عليه السلام) لأنه متصل به في الآية المتقدمة والمعنى ألم يجئكم ﴿نبأ الذين من قبلكم﴾ أي أخبار من تقدمكم ﴿قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله﴾ أي لا يعلم تفاصيل أحوالهم وعددهم وما فعلوه وفعل بهم من العقوبات إلا الله قال ابن الأنباري: إن الله تعالى أهلك أمما من العرب وغيرها فانقطعت أخبارهم وعفت آثارهم فليس يعرفهم أحد إلا الله وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال كذب النسابون وقيل إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان لا يجاوز في انتسابه معد بن عدنان فعلى هذا يكون قوله ﴿والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله﴾ مبتدأ وخبرا ﴿جاءتهم رسلهم بالبينات﴾ أي بالأدلة والحجج والأحكام والحلال والحرام ﴿فردوا أيديهم في أفواههم﴾ اختلفوا في معناه على أقوال (أحدها) أن معناه عضوا على أصابعهم من شدة الغيظ لأنه ثقل عليهم مكان الرسل عن ابن مسعود وابن عباس والجبائي (وثانيها) أن معناه جعلوا أيديهم في أفواه الأنبياء تكذيبا لهم وردا لما جاءوا به فالضمير في أيديهم للكفار وفي أفواههم للأنبياء فكأنهم لما سمعوا وعظ الأنبياء وكلامهم أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل تسكيتا لهم عن الحسن ومقاتل (وثالثها) أن معناه وضعوا أيديهم على أفواههم مومين بذلك إلى الرسل أن اسكتوا عما تدعوننا إليه كما يفعل الواحد منا مع غيره إذا أراد تسكيته عن الكلبي فيكون على هذا القول الضميران للكفار (ورابعها) أن كلا الضميرين للرسل أي أخذوا أيدي الرسل فوضعوها على أفواههم ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم فيسكتوا عنهم لما يئسوا منهم هذا كله إذا حمل معنى الأيدي والأفواه على الحقيقة ومن حملها على التوسع والمجاز فاختلفوا في معناه فقيل المراد باليد ما نطقت به الرسل من الحجج والمعنى فردوا حججهم من حيث جاءت لأن الحجج تخرج من الأفواه عن أبي مسلم وقيل إن المعنى ردوا ما جاءت به الرسل وكذبوهم عن مجاهد وقتادة وقيل معناه تركوا ما أمروا به وكفوا عن قبول الحق عن أبي عبيدة والأخفش قال القتيبي: ولم يسمع أحد أن العرب تقول رد يده في فيه بمعنى ترك ما أمر به وإنما المعنى أنهم عضوا على الأيدي حنقا وغيظا كقول الشاعر:

يردون في فيه عشر الحسود يعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه العشر وقال آخر:

قد أفنى أنامله أزمة

فاضحى يعض على الوظيفا وقيل المعنى ردوا بأفواههم نعم الرسل أي وعظهم وبيانهم فوقع في موقع الباء عن مجاهد قال الفراء: أنشدني بعضهم:

وأرغب فيها عن لقيط ورهطه

ولكنني عن سنبس لست أرغب قال أراد أرغب بها يعني بنتا له يقول أرغب بها عن لقيط وقبيلته ﴿وقالوا إنا كفرنا﴾ أي جحدنا ﴿بما أرسلتم به﴾ أي برسالاتكم ﴿وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه﴾ من الدين ﴿مريب﴾ متهم أي يوقعنا في الريب بكم أنكم تطلبون الرئاسة وتفترون الكذب ﴿قالت رسلهم﴾ حينئذ لهم ﴿أ في الله شك﴾ مع قيام الأدلة على وحدانيته وصفاته ﴿فاطر السماوات والأرض﴾ أي خالقهما ومنشئهما لا يقدر على ذلك غيره فوجب أن يعبد وحده ولا يشرك به من لا يقدر على اختراع الأجسام ﴿يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم﴾ أي يدعوكم إلى الإيمان به لينفعكم لا ليضركم وقال من ذنوبكم بمعنى ليغفر لكم بعض ذنوبكم لأنه يغفر ما دون الشرك ولا يغفر الشرك وقال الجبائي: دخلت من للتبعيض ووضع البعض موضع الجميع توسعا ﴿ويؤخركم إلى أجل مسمى﴾ أي يؤخركم إلى الوقت الذي ضربه الله لكم أن يميتكم فيه ولا يؤاخذكم بعاجل العقاب ﴿قالوا﴾ أي قال لهم قومهم ﴿إن أنتم﴾ أي ما أنتم ﴿إلا بشر مثلنا﴾ أي خلق مثلنا ﴿تريدون أن تصدونا﴾ أي تمنعونا ﴿عما كان يعبد آباؤنا﴾ من الأصنام والأوثان ﴿فأتونا بسلطان مبين﴾ أي بحجة واضحة على صحة ما تدعونه وبطلان ما نحن فيه وإنما قالوا ذلك لأنهم اعتقدوا أن جميع ما جاءت به الرسل من المعجزات ليست بمعجزة ولا دلالة وقيل إنهم طلبوا معجزات مقترحات سوى ما ظهرت فيما بينهم وفي هذه الآية دلالة على أنه سبحانه لا يريد الكفر والشرك وإنما يريد الخير والإيمان وأنه إنما بعث الرسل إلى الكفار رحمة وفضلا وإنعاما عليهم ليؤمنوا فإنه قال يدعوكم ليغفر لكم.