الآيات 4-6

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿4﴾ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿5﴾ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴿6﴾

اللغة:

التذكير التعريض للذكر الذي هو خلاف السهو والصبار كثير الصبر.

الأعراب:

أن أخرج يحتمل أن تكون أن بمعنى أي على وجه التفسير ويصلح أن تكون أن التي توصل بالأفعال إلا أنها وصلت هاهنا بالأمر والتأويل الخبر كما تقول أنت الذي فعلت والمعنى أنت الذي فعل ﴿يسومونكم سوء العذاب﴾ جملة في موضع الحال.

المعنى:

ثم بين سبحانه أنه إنما يرسل الرسل إلى قومهم بلغتهم ليكون أقرب إلى الفهم وأقطع للعذر فقال ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم﴾ أي لم يرسل فيما مضى من الأزمان رسولا إلا بلغة قومه حتى إذا بين لهم فهموا عنه ولا يحتاجون إلى من يترجمه عنه وقد أرسل الله تعالى نبينا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى الخلق كافة بلسان قومه وهم العرب بدلالة قوله ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا﴾ قال الحسن امتن الله على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه لم يبعث رسولا إلا إلى قومه وبعثه خاصة إلى جميع الخلق وبه قال مجاهد وقيل إن معناه أنا كما أرسلناك إلى العرب بلغتهم لتبين لهم الدين ثم أنهم يبينونه للناس كذلك أرسلنا كل رسول بلغة قومه ليظهر لهم الدين ثم استأنف فقال ﴿فيضل الله من يشاء﴾ عن طريق الجنة إذا كانوا مستحقين للعقاب ﴿ويهدي من يشاء﴾ إلى طريق الجنة وقيل يلطف لمن يشاء ممن له لطف ويضل عن ذلك من لا لطف فمن تفكر وتدبر اهتدى وثبته الله ومن أعرض عنه خذله الله ﴿وهو العزيز الحكيم﴾ ظاهر المعنى ثم ذكر سبحانه إرساله موسى فقال ﴿ولقد أرسلنا موسى ب آياتنا﴾ أي بالمعجزات والدلالات ﴿أن أخرج قومك﴾ أي بأن أخرج قومك ﴿من الظلمات إلى النور﴾ مر معناه أي أمرناه بذلك وإنما أضاف الإخراج إليه لأنهم بسبب دعائه خرجوا من الكفر إلى الإيمان ﴿وذكرهم بأيام الله﴾ قيل فيه أقوال (أحدها) أن معناه وأمرناه بأن يذكر قومه وقائع الله في الأمم الخالية وإهلاك من أهلك منهم ليحذروا ذلك عن ابن زيد والبلخي ويعضده قول عمرو بن كلثوم:

وأيام لنا غر طوال

عصينا الملك فيها أن ندينا

فيكون المعنى الأيام التي انتقم الله فيها من القرون الأولى (والثاني) أن المعنى ذكرهم بنعم الله سبحانه في سائر أيامه عن ابن عباس وأبي بن كعب والحسن ومجاهد وقتادة وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) (والثالث) أنه يريد بأيام الله سننه وأفعاله في عباده من إنعام وانتقام وكنى بالأيام عنهما لأنها ظرف لهما جامعة لكل منهما عن أبي مسلم وهذا جمع بين القولين المتقدمين ﴿إن في ذلك﴾ التذكير ﴿لآيات لكل صبار شكور﴾ أي دلالات لكل من كان عادته الصبر على بلاء الله والشكر على نعمائه وإنما جمع بينهما لأن حال المؤمن لا يخلو من نعمة يجب شكرها أو محنة يجب الصبر عليها فالشكر والصبر من خصال المؤمنين فكأنه قال لكل مؤمن ولأن التكليف لا يخلو من الصبر والشكر ﴿وإذ قال موسى لقومه﴾ والتقدير واذكر يا محمد إذ قال موسى لهم ﴿اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجيكم﴾ أي في الوقت الذي أنجاكم ﴿من آل فرعون يسومونكم﴾ أي يذيقونكم ﴿سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم﴾ أي يستبقونهن أحياء للاسترقاق ﴿وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم﴾ والآية مفسرة في سورة البقرة قال الفراء: وإنما دخلت الواو هنا للعطف لأنهم كانوا يعذبون أنواعا من العذاب سوى الذبح فجاز العطف فإذا حذفت الواو كان يذبحون تفسيرا للعذاب.