الآيات 1-3

الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴿1﴾ اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴿2﴾ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ ﴿3﴾

القراءة:

الله الذي بالرفع مدني شامي والباقون بالجر.

الحجة:

قال أبو علي من قرأ بالجر جعله بدلا من الحميد ولم يكن صفة لأن الاسم وإن كان مصدرا في الأصل والمصادر يوصف بها كما يوصف بأسماء الفاعلين فكذلك كان هذا الاسم في الأصل الإله ومعناه ذو العبادة أي العبادة تجب له قال أبو زيد التأله التنسك وأنشد لرؤبة:

سبحن واسترجعن عن تألهي فهذا في أنه في الأصل مصدر قد وصف به مثل السلام والعدل إلا أن هذا الاسم غلب حتى صار في الغلبة لكثرة استعمال هذا الاسم كالعلم وقد يغلب ما أصله الصفة فيصير بمنزلة العلم قال:

ونابغة الجعدي بالرمل بيته

عليه صفيح من تراب وجندل والأصل النابغة ولما غلب نزع منه الألف واللام كما ينزع من الأعلام نحو زيد وجعفر وربما استعمل في هذا النحو الوجهان قال:

تقعدهم أعراق حذيم بعد ما

رجا الهتم إدراك العلى والمكارم وقال:

وجلت عن وجوه الأهاتم ومن قرأ بالرفع قطعه من الأول وجعل الذي الخبر أو جعله صفة وأضمر الخبر ومثل ذلك في القطع قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب ومن قطع ورفع جعل قوله لا يعزب عنه خبرا لقوله عالم الغيب ومن جر أجرى عالم الغيب صفة على الأول وعلى هذا يجوز من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن أي إن شئت جعلت هذا صفة لقوله من مرقدنا وأضمرت خبرا لقوله ما وعد الرحمن وإن شئت جعلت قوله هذا ابتداء وما وعد الرحمن خبرا.

اللغة:

العزيز القادر على الأشياء الممتنع بقدرته من أن يضام والحميد المحمود على كل حال والاستحباب طلب محبة الشيء بالتعرض لها والمحبة إرادة منافع المحبوب وقد يستعمل بمعنى ميل الطباع والشهوة والبغية والابتغاء الطلب.

المعنى:

﴿الر﴾ قد ذكرنا معاني الحروف المقطعة في أوائل السور وذكرنا اختلاف الأقاويل فيه في أول البقرة ﴿كتاب أنزلناه إليك﴾ يعني القرآن نزل به جبرئيل (عليه السلام) من عند الله تعالى أي هذا كتاب منزل إليك يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليس بسحر ولا بشعر ﴿لتخرج الناس﴾ أي جميع الخلق ﴿من الظلمات إلى النور﴾ أي من الضلالة إلى الهدى ومن الكفر إلى الإيمان ﴿بإذن ربهم﴾ أي بإطلاق الله ذلك وأمره به وفي هذا دلالة على أنه سبحانه يريد الإيمان من جميع المكلفين لأن اللام لام الغرض ولا يجوز أن يكون لام العاقبة لأنه لو كان ذلك لكان الناس كلهم مؤمنين والمعلوم خلافه ثم بين سبحانه ما النور فقال ﴿إلى صراط العزيز الحميد﴾ أي يخرجهم من ظلمات الكفر إلى طريق الله المؤدي إلى معرفة الله المنيع في سلطانه المحمود في فعاله ونعمة التي أنعم بها على عباده ﴿الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض﴾ أي له التصرف فيهما على وجه لا اعتراض عليه ﴿وويل للكافرين من عذاب شديد﴾ أخبر أن الويل للكافرين الذين يجحدون نعم الله ولا يعترفون بوحدانيته من عذاب تتضاعف الأمة ثم وصف الكافرين بقوله ﴿الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة﴾ أي يختارون المقام في هذه الدنيا العاجلة على الكون في الآخرة وإنما دخلت على لهذا المعنى وذمهم سبحانه بذلك لأن الدنيا دار انتقال وفناء والآخرة دار مقام وبقاء ﴿ويصدون عن سبيل الله﴾ أي يمنعون غيرهم من اتباع الطريق المؤدي إلى معرفة الله ويجوز أن يريد أنهم يعرضون بنفوسهم عن اتباعها ﴿ويبغونها عوجا﴾ أي يطلبون للطريق عوجا أي عدولا عن الاستقامة والسبيل يذكر ويؤنث وقيل معناه يلتمسون الدنيا من غير وجهها لأن نعمة الله لا تستمد إلا بطاعته دون معصيته ﴿أولئك في ضلال بعيد﴾ أي في عدول عن الحق بعيد عن الاستقامة والصواب.