الآيات 61-63
وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ﴿61﴾ وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴿62﴾ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴿63﴾
اللغة:
الفرق بين الإثم والعدوان أن الإثم الجرم كائنا ما كان والعدوان الظلم وقد مر معنى السحت قبل والصنع والعمل واحد وقيل الفرق بينهما أن الصنع مضمن بالجودة من قولهم ثوب صنيع وفلان صنيعة فلان إذا استخلصه على غيره وصنع الله لفلان أي أحسن إليه وكل ذلك كالفعل الجيد.
الإعراب:
قد تدخل في الكلام على وجهين إذا كانت مع الماضي قريبة من الحال وإذا كانت مع المستقبل دلت على التقليل وموضع الباء من قوله ﴿وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به﴾ نصب على الحال لأن المعنى دخلوا كافرين وخرجوا كافرين لأنه لا يريد أنهم دخلوا يحملون شيئا وهو كقولك خرج زيد بثيابه أي وثيابه عليه يريد خرج لابسا ثيابه ومثله قول الشاعر:
ومستنة كاستنان الخروف
قد قطع الحبل بالمرود
أي وفيه المرود يعني وهذه صفته والفرق بين قولك متى جاءوكم وإذا جاءوكم إن متى يتضمن معنى إن الجزاء ويعمل فيه جاءوكم ولا يجوز أن يعمل في إذا لأن إذا مضاف إلى ما بعده والمضاف إليه لا يعمل في المضاف لأنه من تمامه لبئس اللام فيه لام القسم ولا يجوز أن يكون لام الابتداء لأنها لا تدخل على الفعل إلا في باب إن خاصة لأنها أخرت إلى الخبر لئلا يجتمع حرفان متفقان في المعنى وقوله ﴿لبئس ما كانوا يعملون﴾ بدل على أن المدح والذم يكونان بالأفعال لأنه بمنزلة لبئس العمل عملهم وما يحتمل أمرين (أحدهما) أن تكون كافة كما تكون في إنما زيد منطلق وليتما عمرو قائم فلا يكون لها على هذا موضع (الثاني) أن يكون نكرة موصوفة كأنه قيل لبئس شيئا كانوا يعملون ولو لا هاهنا بمعنى هلا قال علي بن عيسى وأصلها التقرير لوجوب الشيء عن الأول فنقلت إلى التحضيض على فعل الثاني من أجل الأول وإن لم يذكر لا ولا بد معها من لا لأنه دخلها معنى لم لا تفعل ومتى قيل كيف تدخل لو لا على الماضي وهي للتحضيض وفي التحضيض معنى الأمر قيل لأنها تدخل للتحضيض والتوبيخ فإذا كانت مع الماضي فهو توبيخ كقوله تعالى لو لا جاءوا عليه بأربعة شهداء.
المعنى:
ثم أخبر الله تعالى عن هؤلاء المنافقين بقوله ﴿و إذا جاءوكم﴾ أيها المؤمنون ﴿قالوا آمنا﴾ أي صدقنا ﴿وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به﴾ قيل فيه قولان (أحدهما) أنهم دخلوا به على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وخرجوا به من عنده أي دخلوا وخرجوا كافرين والكفر معهم في كلتا حالتيهم عن الحسن وقتادة (والثاني) أن معناه وقد دخلوا به في أحوالهم وخرجوا به إلى أحوال أخر كقولك هو يتقلب في الكفر ويتصرف فيه وقوله وهم قد خرجوا به أكد الكلام بالضمير تعيينا إياهم بالكفر وتمييزا لهم من غيرهم بهذه الصفة ﴿والله أعلم بما كانوا يكتمون﴾ معناه بما كانوا يكتمون من نفاقهم إذا أظهروا بألسنتهم ما أضمروا خلافه في قلوبهم ثم بين الله سبحانه أنهم يضمون إلى نفاقهم خصالا أخر ذميمة فقال ﴿وترى﴾ يا محمد ﴿كثيرا منهم﴾ قيل المراد بالكثير رؤساؤهم وعلماؤهم ﴿يسارعون﴾ يبادرون ﴿في الإثم والعدوان﴾ قيل الإثم الكفر عن السدي والعدوان مجاوزة حدود الله وتعديها وقيل الإثم كل معصية وهو الأولى والعدوان الظلم أي يسارعون في ظلم الناس وفي الجرم الذي يعود عليهم بالوبال والخسران ﴿وأكلهم السحت﴾ أي الرشوة في الحكم عن الحسن وسماها سحتا لأنه يؤدي إلى الاستئصال ويقال لأنها تذهب بالبركة من المال قال أهل المعاني أكثر ما تستعمل المسارعة في الخير كقوله تعالى ﴿يسارعون﴾ وفائدة لفظة المسارعة وإن كان لفظ العجلة أدل على الذم أنهم يعملونه كأنهم محقون فيه ولذلك قال ابن عباس في تفسيره وإنهم يجترؤون على الخطإ ﴿لبئس ما كانوا يعملون﴾ أي لبئس العمل عملهم ﴿لولا ينهاهم﴾ أي هلا ينهاهم والكناية في هم تعود إلى الكثير ﴿الربانيون﴾ أي العلماء بالدين الذين من قبل الرب على وجه تغير الاسم كما قالوا روحاني بالنسبة إلى الروح وبحراني بالنسبة إلى البحر وقال الحسن الربانيون علماء أهل الإنجيل ﴿والأحبار﴾ علماء أهل التوراة وقال غيره كلهم من اليهود لأنه يتصل بذكرهم ﴿عن قولهم الإثم﴾ أي عن تحريفهم الكتاب وقيل عن كل ما قالوه بخلاف الحق ﴿وأكلهم السحت﴾ أي الحرام والرشوة ﴿لبئس ما كانوا يصنعون﴾ أي لبئس الصنع صنعهم حيث اجتمعوا على معصية الله وأنذر سبحانه علماءهم بترك التكبر عليهم فيما ضيعوا منزلتهم فذم هؤلاء بمثل اللفظة التي ذم بها أولئك وفي هذه الآية دلالة على أن تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبة وفيه وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.