الآية- 60

قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ﴿60﴾

القراءة:

قرأ حمزة وحده وعبد الطاغوت بضم الباء وجر التاء والباقون ﴿وعبد الطاغوت﴾ بفتح الباء ونصب التاء وروي في الشواذ قراءة الحسن وابن هرمز مثوبة ساكنة الثاء مفتوحة الواو وكذلك في سورة البقرة لمثوبة وقرأ ابن عباس وابن مسعود وإبراهيم النخعي والأعمش وأبان بن تغلب وعبد الطاغوت بضم العين والباء وفتح الدال وخفض الطاغوت وقرأ أبي بن كعب عبدوا الطاغوت ورواية عكرمة عن ابن عباس وعبد الطاغوت بتشديد الباء وفتح الدال وقراءة أبي واقد وعباد الطاغوت وقراءة أبي جعفر الرؤاسي النحوي وعبد الطاغوت كقولك ضرب زيد لم يسم فاعله وقراءة عون العقيلي وابن بريدة وعابد الطاغوت ورواية علقمة عن ابن مسعود وعبد الطاغوت على وزن صرد فهذه عشر قراءات اثنتان منها في السبعة.

الحجة:

قال أبو علي حجة حمزة في قراءة وعبد الطاغوت أن يحمله على ما عمل فيه جعل كأنه وجعل منهم عبد الطاغوت ومعنى جعل خلق كقوله ﴿وجعل الظلمات والنور وجعل منها زوجها﴾ وليس عبد لفظ جمع لأنه ليس من أبنية الجموع شيء على هذا البناء ولكنه واحد يراد به الكثرة أ لا ترى أن في الأسماء المفردة المضافة إلى المعارف ما لفظه لفظ الإفراد ومعناه الجمع كما في قوله ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾ ولأن بنا فعل يراد به المبالغة والكثرة نحو يقظ وندس فكان تقديره أنه قد ذهب في عباد الطاغوت كل مذهب وتكرر ذلك منه وأما من فتح فقال ﴿وعبد الطاغوت﴾ فإنه عطفه على بناء الماضي الذي في الصلة وهو قوله ﴿لعنه الله﴾ وأفرد الضمير في عبد وإن كان المعني فيه الكثرة لأن الكلام محمول على لفظه دون معناه وفاعله ضمير من كما أن فاعل الأمثلة المعطوفة عليه ضمير من فأفرد لحمل ذلك جميعا على اللفظ ولو حمل الكل على المعنى أو البعض على اللفظ والبعض على المعنى لكان مستقيما وأما الوجه في ﴿مثوبة﴾ فإنه قد خرج على الأصل شاذا قال أبو الفتح ومثله ما يحكى عنهم الفكاهة مقودة إلى الأذى وقياسهما مثابة ومقادة ومثله مزيد وقياسه مزاد إلا أن مزيدا علم والأعلام قد يحتمل فيها ما يكره من الأجناس نحو محبب ومكوزة ومريم ومدين ورجاء بن حيوة ومثوبة مفعلة ونظيرها المبطخة والمشرقة وأصل مثوبة مثوبة فنقلت الضمة من الواو إلى الثاء ومثلها معونة وقيل هي مفعولة مثل مقولة ومضوفة على معنى المصدر قال الشاعر:

وكنت إذا جاري دعا لمضوفة

أشمر حتى ينصف الساق مئزري قال وأما قوله عبد الطاغوت فهو جمع عبد وأنشد:

انسب العبد إلى آبائه

أسود الجلد ومن قوم عبد

هكذا قال أبو الحسن وقال أحمد بن يحيى عبد جمع عابد كبازل وبزل وشارف وشرف وكذلك عبد جمع عابد ومثله عباد وعباد ويجوز أن يكون عباد جمع عبد وأما عبد الطاغوت وعبدوا الطاغوت فظاهر وأما عابد الطاغوت فهو واحد في معنى جماعة وكذلك وعبد الطاغوت لأنه كحطم ولبد كما أن عبد كحذر وفطن ووظف وعجز.

الإعراب:

مثوبة نصب على التمييز كذلك هو خير ثوابا ، موضع من يحتمل ثلاثة أوجه من الإعراب (أحدها) الجر على البدل والتقرير هل أنبئكم بمن لعنه الله والثاني الرفع على خبر المبتدأ المحذوف أي هم من لعنه الله والثالث النصب على البدل من موضع الجار والمجرور والتقدير أنبئكم أي هل أخبركم على من لعنه الله مكانا على التمييز.

المعنى:

ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يخاطبهم فقال ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء المستهزءين من الكفار واليهود ﴿هل أنبئكم﴾ أي هل أخبركم ﴿بشر من ذلك مثوبة عند الله﴾ أي بشر مما نقمتم من إيماننا ثوابا أي جزاء المعنى إن كان ذلك عندكم شرا فأنا أخبركم بشر منه عاقبة عند الله وقيل معناه هل أخبركم بشر من الذين طعنتم عليهم من المسلمين وإنما قال ﴿بشر من ذلك﴾ وإن لم يكن في المؤمنين شر على الإنصاف في المخاطبة والمظاهرة في الحجاج كقوله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ﴿من لعنه الله﴾ أي أبعده من رحمته ﴿وغضب عليه﴾ بفسقه وكفره وغضبه عليه أراد به العقوبة والاستخفاف به وقيل غضبه أن ضرب عليهم الذلة والمسكنة والجزية أينما كانوا من الأرض ﴿وجعل منهم القردة والخنازير﴾ أي مسخهم قردة وخنازير قال المفسرون يعني بالقردة أصحاب السبت وبالخنازير كفار مائدة عيسى وروى الوالبي عن ابن عباس أن الممسوخين من أصحاب السبت لأن شبانهم مسخوا قردة وشيوخهم مسخوا خنازير ﴿وعبد الطاغوت﴾ قال الزجاج هو نسق على لعنة الله ومن عبد الطاغوت وقال الفراء تأويله وجعل منهم القردة ومن عبد الطاغوت فعلى هذا يكون الموصول محذوفا وذلك لا يجوز عند البصريين فالصحيح الأول والطاغوت هنا الشيطان عن ابن عباس والحسن لأنهم أطاعوه طاعة المعبود وقيل هو العجل الذي عبده اليهود عن الجبائي لأن الكلام كله في صفتهم ولا تعلق في هذه الآية للمجبرة لأن أكثر ما تضمنته الأخبار بأنه خلق من يعبد الطاغوت على قراءة حمزة أو غيره ممن قرأ عبادا أو عبدا وغير ذلك ولا شبهة في أنه تعالى خلق الكافر وأنه لا خالق للكافر سواه غير أن ذلك لا يوجب أن يكون خلق كفره وجعله كافرا وليس لهم أن يقولوا أنا نستفيد من قوله وجعل منهم من عبد الطاغوت أو عبد الطاغوت أنه خلق ما به كان عابدا كما نستفيد من قوله ﴿وجعل منهم القردة والخنازير﴾ أنه جعل ما به كانوا كذلك وذلك أنا إنما استفدنا ما ذكروه لأن الدليل قد دل على أن ما به يكون القرد قردا والخنزير خنزيرا لا يكون إلا من فعل الله وليس كذلك ما به يكون الكافر كافرا فإنه قد دل الدليل على أنه يتعالى عن فعله وخلقه فافترق الأمران ﴿أولئك شر مكانا﴾ أي هؤلاء الذين وصفهم الله بأنه لعنهم وغضب عليهم وأنهم عبدوا الطاغوت شر مكانا لأن مكانهم سقر ولا شر في مكان المؤمنين ومثله أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وقيل معناه أنهم شر مكانا في عاجل الدنيا وآجل الآخرة ممن نقمتم من المؤمنين أما في الدنيا فبالقتل والسبي وضرب الذلة والمسكنة عليهم وإلزام الجزية وأما في الآخرة فبعذاب الأبد ﴿وأضل عن سواء السبيل﴾ أي أجوز عن الطريق المستقيم وأبعد من النجاة قال المفسرون فلما نزلت هذه الآية عبر المسلمون أهل الكتاب وقالوا يا إخوان القردة والخنازير فنكسوا رءوسهم وافتضحوا.