الآيات 51-53

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿51﴾ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴿52﴾ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ ﴿53﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر وابن كثير ونافع يقول بلا واو والباقون بالواو وكلهم قرأ بضم اللام إلا أبا عمرو فإنه فتحها.

الحجة:

من حذف الواو من قوله ﴿ويقول الذين آمنوا﴾ فلأن في الجملة المعطوفة ذكرا من المعطوف عليها وذلك إن من وصف بقوله ﴿يسارعون﴾ إلى قوله ﴿نادمين﴾ هم الذين قال فيهم ﴿الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم﴾ فلما صار في كل واحدة من الجملتين ذكر من الأخرى حسن عطفها بالواو وبغير الواو كما أن قوله ﴿سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم﴾ لما كان في كل واحدة من الجملتين ذكر مما تقدم اكتفي بذلك عن الواو لأنهما بالذكر وملابسة بعضهما ببعض قد ترتبط إحداهما بالأخرى كما ترتبط بحرف العطف ويدلك على حسن دخول الواو قوله تعالى ﴿و ثامنهم كلبهم﴾ فحذف الواو من ﴿ويقول﴾ كحذفها في هذه الآية وإلحاقها كإلحاقها فيها والوجه في قراءة أبي عمرو ويقول بالنصب أن يحمله على أن تكون ﴿أن يأتي﴾ بدلا من اسم الله كما كان أن أذكره بدلا من الهاء في أنسانيه من قوله ﴿وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره﴾ ثم يكون ﴿ويقول﴾ منصوبا عطفا على ذلك فكأنه قال عسى أن يأتي الله بالفتح ﴿ويقول الذين آمنوا﴾ ومن رفع فحجته أن يعطف جملة على جملة لا مفردا على مفرد.

اللغة:

الاتخاذ هو الاعتماد على الشيء لإعداده لأمره وهو افتعال من الأخذ وأصله اءتخاذ فأبدلت الهمزة تاء وأدغمتها في التاء التي بعدها ومثله الاتعاد من الوعد والأخذ يكون على وجوه تقول أخذ الكتاب إذا تناوله وأخذ القربان إذا تقبله وأخذه الله من مأمنه إذا أهلكه وأصله جواز الشيء من جهة إلى جهة من الجهات والأولياء جمع ولي وهو النصير لأنه يلي بالنصر صاحبه والدائرة هاهنا الدولة التي تتحول إلى من كانت له عمن في يده قال حميد الأرقط:

كنت حسبت الخندق المحفورا

يرد عنك القدر المقدورا

ودائرات الدهر أن تدورا يعني دول الدهر الدائرة من قوم إلى قوم وعسى موضوعة للشك وهي من الله تعالى تفيد الوجوب لأن الكريم إذا أطمع في خير يفعله فهو بمنزلة الوعد به في تعلق النفس به ورجائها له ولذلك حق لا يضيع ومنزلة لا تخيب والفتح القضاء والفصل ويقال للحاكم الفتاح لأنه يفتح الحكم ويفصل به الأمر.

النزول:

اختلف في سبب نزوله وإن كان حكمه عاما لجميع المؤمنين فقال عطية بن سعد العوفي والزهري لما انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من اليهود آمنوا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر فقال مالك بن ضيف أغركم أن أصبتم رهطا من قريش لا علم لهم بالقتال أما لو أمرونا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يدان بقتالنا فجاء عبادة بن الصامت الخزرجي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا رسول الله إن لي أولياء من اليهود كثيرا عددهم قوية أنفسهم شديدة شوكتهم وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولايتهم ولا مولى لي إلا الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي لكني لا أبرأ من ولاية اليهود لأني أخاف الدوائر ولا بد لي منهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا أبا الحباب ما نفست به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه قال إذا أقبل وأنزل الله الآية وقال السدي لما كانت وقعة أحد اشتدت على طائفة من الناس فقال رجل من المسلمين أنا ألحق بفلان اليهودي وآخذ منه أمانا وقال آخر أنا ألحق بفلان النصراني ببعض أرض الشام فأخذ منه أمانا فنزلت الآية وقال عكرمة نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين قال لبني قريظة إذا رضوا بحكم سعد أنه الذبح.

المعنى:

لما تقدم ذكر اليهود والنصارى أمر سبحانه عقيب ذلك بقطع موالاتهم والتبرؤ منهم فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء﴾ أي لا تعتمدوا على الاستنصار بهم متوددين إليهم وخص اليهود والنصارى بالذكر لأن سائر الكفار بمنزلتها في وجوب معاداتهم ﴿بعضهم أولياء بعض﴾ ابتداء كلام أخبر سبحانه أن بعض الكفار ولي بعض في العون والنصرة ويدهم واحدة على المسلمين وفي هذه دلالة على أن الكفر كله كالملة الواحدة في أحكام المواريث لعموم قوله ﴿بعضهم أولياء بعض﴾ وقال الصادق لا تتوارث أهل ملتين ونحن نرثهم ولا يورثوننا ﴿ومن يتولهم منكم﴾ أي من استنصر بهم واتخذهم أنصارا ﴿فإنه منهم﴾ أي هو كافر مثلهم عن ابن عباس والمعنى أنه محكوم له حكمهم في وجوب لعنه والبراءة منه وأنه من أهل النار ﴿إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾ إلى طريق الجنة لكفرهم واستحقاقهم العذاب الدائم بل يضلهم عنها إلى طريق النار عن أبي علي الجبائي وقيل معناه لا يحكم لهم بحكم المؤمنين في المدح والثناء والنصرة على الأعداء ﴿فترى﴾ يا محمد ﴿الذين في قلوبهم مرض﴾ أي شك ونفاق يعني عبد الله بن أبي عن ابن عباس ﴿يسارعون فيهم﴾ أي في موالاة اليهود ومناصحتهم وقيل في معاونتهم على المسلمين وقيل موالاة اليهود ونصارى نجران لأنهم كانوا يميرونهم عن الكلبي ﴿يقولون﴾ أي قائلين وهو في موضع الحال ﴿نخشى أن تصيبنا دائرة﴾ أي دولة تدور لأعداء المسلمين على المسلمين فنحتاج إلى نصرتهم عن مجاهد والسدي وقتادة وقيل معناه نخشى أن يدور الدهر علينا بمكروه يعنون الجدب فلا يميروننا عن الكلبي ﴿فعسى الله أن يأتي بالفتح﴾ يعني فتح مكة عن السدي وقيل بفتح بلاد المشركين عن الجبائي وقيل المراد بالقضاء الفصل عن قتادة ويجمع هذه الأقوال قول ابن عباس يريد بفتح الله تعالى لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) على جميع خلقه ﴿أو أمر من عنده﴾ فيه إعزاز للمؤمنين وإذلال للمشركين وظهور الإسلام عن السدي وقيل هو إظهار نفاق المنافقين مع الأمر بقتالهم عن الحسن والزجاج وقيل هو أمر دون الفتح الأعظم أو موت هذا المنافق عن الجبائي وقيل هو القتل وسبي الذراري لبني قريظة والإجلاء لبني النضير عن مقاتل وهذا معنى قول ابن عباس ﴿أو أمر من عنده﴾ يريد فيه هلاكهم وهو يحتمل هلاك اليهود وهلاك المنافقين ﴿فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين﴾ أي فيصبح أهل النفاق على ما كان منهم من نفاقهم وولايتهم لليهود ودس الأخبار إليهم نادمين عن ابن عباس وقتادة والمعنى إذا فتح الله على المؤمنين ندم المنافقون والكفار على تفويتهم أنفسهم ذلك وكذلك إذا ماتوا وتحققوا دخول النار ندموا على ما فعلوه في الدنيا من الكفر والنفاق ﴿ويقول الذين آمنوا﴾ أي صدقوا الله ورسوله ظاهرا وباطنا تعجبا من نفاق المنافقين واجترائهم على الله بالأيمان الكاذبة ﴿أهؤلاء الذين أقسموا بالله﴾ يعني المنافقين حلفوا بالله ﴿جهد أيمانهم﴾ انتصب جهد لأنه مصدر أي جهدوا جهد أيمانهم قال عطا أي حلفوا بأغلظ الأيمان وأوكدها أنهم مؤمنون ومعكم في معاونتكم على أعدائكم ونصرتكم يريد أنهم حلفوا أنهم لأمثالكم في الإيمان ﴿حبطت أعمالهم﴾ أي ضاعت أعمالهم التي عملوها لأنهم أوقعوها على خلاف الوجه المأمور به وبطل ما أظهروه من الإيمان لأنه لم يوافق باطنهم ظاهرهم فلم يستحقوا به الثواب ﴿فأصبحوا﴾ أي صاروا ﴿خاسرين﴾ أي خسروا الدنيا والآخرة أما الدنيا فليسوا من الأنصار وأما الآخرة فقرنهم الله مع الكفار عن ابن عباس وقيل مغبونين بأنفسهم ومنازلهم في الجنة إذا صاروا إلى النار وورثها المؤمنون عن الكلبي.