الآيات 33-34

إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿33﴾ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿34﴾

اللغة:

أصل النفي الإهلاك بالإعدام ومنه النفاية لرديء المتاع ومنه النفي وهو ما تطاير من الماء عن الدلو قال الراجز:

كان متنيه من النفي

مواقع الطير على الصفي والنفي الطرد قال أوس بن حجر:

ينفون من طرق الكرام كما

ينفي المطارق ما يلي القرد

والخزي الفضيحة يقال خزي يخزى خزيا إذا افتضح وخزي يخزى خزاية فهو خزيان إذا استحيى وخزوته أخزوه إذا سسته ومنه قول لبيد :

وأخزها بالبر لله الأجل.

الإعراب:

﴿فسادا﴾ مصدر وضع موضع الحال أي يسعون في الأرض مفسدين و﴿أن يقتلوا﴾ في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ الذي هو جزاء ﴿الذين تابوا﴾ ويحتمل أن يكون في موضع رفع بالابتداء وخبره ﴿فاعلموا أن الله غفور رحيم﴾ ويجوز أن يكون في موضع نصب بالاستثناء من قوله ﴿أن يقتلوا﴾ إلى ما بعده من الحد.

النزول:

اختلف في سبب نزول الآية فقيل نزلت في قوم كان بينهم وبين النبي موادعة فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض عن ابن عباس والضحاك وقيل نزلت في أهل الشرك عن الحسن وعكرمة وقيل نزلت في العرينيين لما نزلوا المدينة للإسلام واستوخموها واصفرت ألوانهم فأمرهم النبي أن يخرجوا إلى إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا ذلك فصحوا ثم مالوا إلى الرعاة فقتلوهم واستاقوا الإبل وارتدوا عن الإسلام فأخذهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمل أعينهم عن قتادة وسعيد بن جبير والسدي وقيل نزلت في قطاع الطريق عن أكثر المفسرين وعليه جل الفقهاء.

المعنى:

لما قدم تعالى ذكر القتل وحكمه عقبه بذكر قطاع الطريق والحكم فيهم فقال ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله﴾ أي أولياء الله كقوله تعالى ﴿إن الذين يؤذون الله﴾ ﴿ورسوله﴾ أي يحاربون رسوله ﴿ويسعون في الأرض فسادا﴾ المروي عن أهل البيت (عليهم السلام) أن المحارب هو كل من شهر السلاح وأخاف الطريق سواء كان في المصر أو خارج المصر فإن اللص المحارب في المصر وخارج المصر سواء وهو مذهب الشافعي والأوزاعي ومالك وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن المحارب هو قاطع الطريق في غير المصر وهو المروي عن عطا الخراساني والمعنى في قوله إنما جزاؤهم إلا هذا عن الزجاج قال لأن القائل إذا قال جزاؤك دينار فجائز أن يكون معه غيره وإذا قال إنما جزاؤك دينار كان المعنى ما جزاؤك إلا دينار ﴿أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم﴾ قال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليه السلام) إنما جزاء المحارب على قدر استحقاقه فإن قتل فجزاؤه أن يقتل وإن قتل وأخذ المال فجزاؤه أن يقتل ويصلب وإن أخذ المال ولم يقتل فجزاؤه أن تقطع يده ورجله من خلاف وإن أخاف السبيل فقط فإنما عليه النفي لا غير وبه قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة والسدي والربيع وعلى هذا فإن أو ليست للإباحة هنا وإنما هي مرتبة الحكم باختلاف الجناية وقال الشافعي إن أخذ المال جهرا كان للإمام صلبه حيا ولم يقتل قال ويحد كل واحد بقدر فعله فمن وجب عليه القتل والصلب قتل قبل صلبه كراهية تعذيبه ويصلب ثلاثا ثم ينزل قال أبو عبيد سألت محمد بن الحسن عن قوله ﴿أو يصلبوا﴾ فقال هو أن يصلب حيا ثم يطعن بالرماح حتى يقتل وهو رأي أبي حنيفة فقيل له هذا مثلة قال المثلة يراد به وقيل معنى أو هاهنا للإباحة والتخيير أي إن شاء الإمام قتل وإن شاء صلب وإن شاء نفى عن الحسن وسعيد بن المسيب ومجاهد وقد روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقوله ﴿من خلاف﴾ معناه اليد اليمني والرجل اليسرى ﴿أو ينفوا من الأرض﴾ قيل فيه أقوال والذي يذهب إليه أصحابنا الإمامية أن ينفي من بلد إلى بلد حتى يتوب ويرجع وبه قال ابن عباس والحسن والسدي وسعيد بن جبير وغيرهم وإليه ذهب الشافعي قال أصحابنا ولا يمكن من الدخول إلى بلاد الشرك ويقاتل المشركون على تمكينهم من الدخول إلى بلادهم حتى يتوبوا وقيل هو أن ينفى من بلده إلى بلد غيره عن عمر بن عبد العزيز وعن سعيد بن جبير في رواية أخرى وقال أبو حنيفة وأصحابه أن النفي هو الحبس والسجن واحتجوا بأن المسجون يكون بمنزلة المخرج من الدنيا إذا كان ممنوعا من التصرف محولا بينه وبين أهله مع مقاساته الشدائد في الحبس وأنشد قول بعض المسجونين:

خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها

فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى

إذا جاءنا السجان يوما لحاجة

عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا

﴿ذلك﴾ أي فعل ما ذكرناه ﴿لهم خزي﴾ أي فضيحة وهوان ﴿في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم﴾ زيادة على ذلك وفي هذا دلالة على بطلان قول من ذهب إلى أن إقامة الحدود تكفير للمعاصي لأنه سبحانه بين أن لهم في الآخرة عذابا عظيما مع أنه أقيمت عليهم الحدود والمعنى أنهم يستحقون العذاب العظيم وليس في الآية أنه يفعل ذلك بهم لا محالة لأنه يجوز أن يعفو الله عنهم ويتفضل عليهم بإسقاط ما يستحقونه من العذاب الأكبر ﴿إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم﴾ لما بين سبحانه حكم المحارب استثنى من جملتهم من يتوب مما ارتكبه قبل أن يؤخذ ويقدر عليه لأن توبته بعد قيام البينة عليه ووقوعه في يد الإمام لا تنفعه بل يجب إقامة الحد عليه ﴿فاعلموا أن الله غفور رحيم﴾ يقبل توبته ويدخله الجنة وفي هذا الآية حجة على من قال لا تصح التوبة من معصية مع الإقامة على معصية أخرى يعلم صاحبها أنها معصية لأنه تعالى علق بالتوبة حكما لا تخل به الإقامة على معصية هي السكر أو غيره.