الآيات 22-24

قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴿22﴾ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿23﴾ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴿24﴾

اللغة:

الجبار هو الذي لا ينال بالقهر وأصله في النخل وهو ما فأت اليد طولا والجبار من الناس هو الذي يجبرهم على ما يريد والجبر جبر العظم وهو كالإكراه على الصلاح وقال العجاج:

قد جبر الدين الإله فجبر

وعور الرحمن من ولى العور والجبار في صفة الله تعالى صفة تعظيم لأنه يفيد الاقتدار وهو سبحانه لم يزل جبارا بمعنى أن ذاته تدعو العارف بها إلى تعظيمها والفرق بين الجبار والقهار أن القهار هو الغالب لمن ناواه أو كان في حكم المناوي بمعصيته إياه ولا يوصف سبحانه فيما لم يزل بأنه قهار والجبار في صفة المخلوقين صفة ذم لأنه يتعظم بما ليس له فإن العظمة لله سبحانه.

الإعراب:

﴿فاذهب أنت وربك﴾ إنما أتى بالضمير المرفوع المنفصل تأكيدا للضمير المستكن في اذهب ليصح العطف عليه فإنه يقبح العطف بالاسم الظاهر على الضمير المستكن والمتصل من غير أن يؤكد لأنه يصير كأنه معطوف على الفعل إذا عطف علي ما هو متصل بالفعل غير مفارق له ولا يجوز أن يقال أنه أبرز الضمير فإن الضمير إذا أبرز يصير الفعل خاليا منه وقوله ﴿اذهب﴾ غير فارغ من الضمير وإنما حسن العطف على الضمير المتصل في قوله ﴿فاجمعوا أمركم وشركاءكم﴾ لأن ذكر المفعول صار عوضا من الضمير المنفصل كما كان لا في قوله لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا عوضا منه.

المعنى:

ثم ذكر جواب القوم فقال سبحانه ﴿قالوا﴾ يعني بني إسرائيل ﴿يا موسى إن فيها﴾ أي في الأرض المقدسة ﴿قوما﴾ أي جماعة ﴿جبارين﴾ شديدي البطش والبأس والخلق قال ابن عباس بلغ من جبرية هؤلاء القوم أنه لما بعث موسى (عليه السلام) من قومه اثني عشر نقيبا ليخبروه خبرهم رآهم رجل من الجبارين يقال له عوج فأخذهم في كمه مع فاكهة كان يحملها من بستانه وأتى بهم الملك فنثرهم بين يديه وقال للملك تعجبا منهم هؤلاء يريدون قتالنا فقال الملك ارجعوا إلى صاحبكم فأخبروه خبرنا قال مجاهد وكان فاكهتهم لا يقدر على حمل عنقود منها خمسة رجال بالخشب ويدخل في قشر نصف رمانة خمسة رجال وأن موسى (عليه السلام) كان طوله عشرة أذرع وله عصا طولها عشرة أذرع ونزا من الأرض مثل ذلك فبلغ كعب عوج بن عنق فقتله وقيل كان طول سريره ثمانمائة ذراع ﴿وإنا لن ندخلها﴾ يعني لقتالهم ﴿حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا﴾ يعني الجبارين ﴿منها فإنا داخلون﴾ ﴿قال رجلان﴾ من جملة النقباء الذين بعثهم موسى ليعرف خبر القوم وقيل هما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا عن ابن عباس ومجاهد والسدي وقتادة والربيع وقيل رجلان كانا من مدينة الجبارين وكانا على دين موسى لما بلغهما خبر موسى جاءاه فاتبعاه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﴿من الذين يخافون﴾ الله تعالى ﴿أنعم الله عليهما﴾ بالإسلام عن قتادة والحسن وقيل يخافون الجبارين أي لم يمنعهم الخوف من الجبارين أن قالوا الحق أنعم الله عليهما بالتوفيق للطاعة عن الجبائي وكان سعيد بن جبير يقرأ يخافون بضم الياء وروي تأويل ذلك عن ابن عباس أنهما كانا من الجبارين أنعم الله عليهما بالإسلام ﴿ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون﴾ أخبر عن الرجلين أنهما قالا ادخلوا يا بني إسرائيل على الجبارين باب مدينتهم وإنما علما أنهم يظفرون بهم ويغلبونهم إذا دخلوا باب مدينتهم لما أخبر به موسى (عليه السلام) من وعد الله تعالى بالنصرة وقيل لما رأوه من إلقاء الله الرعب في قلوب الجبارين فعلما أنهم إن دخلوا الباب غلبوا ﴿وعلى الله فتوكلوا﴾ في نصرة الله على الجبارين ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ بالله وبما آتاكم به رسوله من عنده ثم أخبر عن قوم موسى بأنهم ﴿قالوا يا موسى إنا لن ندخلها﴾ أي هذه المدينة ﴿أبدا ما داموا﴾ أي ما دام الجبارون ﴿فيها﴾ وإنما قالوا ذلك لأنهم جبنوا وخافوا من قتالهم لعظم أجسامهم وشدة بطشهم ولم يثقوا بوعد الله سبحانه بالنصرة لهم عليهم ﴿فاذهب﴾ يا موسى ﴿أنت وربك فقاتلا﴾ الجبارين ﴿إنا هاهنا قاعدون﴾ إلى أن تظفر بهم وترجع إلينا فحينئذ ندخل وإنما لم ينكر موسى عليهم قولهم ﴿اذهب أنت وربك﴾ لأمرين (أحدهما) أن الكلام كله يدل على الإنكار عليهم والتعجب من جهلهم في تلقيهم أمر ربهم بالرد له والمخالفة عليه (والآخر) أنهم إنما قالوا ذلك مجازا بمعنى وربك معين لك على ما قاله أبو القاسم البلخي والأول أليق بجهل أولئك القوم قال الحسن هذا القول منهم يدل على أنهم كانوا مشبهة ولذلك عبدوا العجل ولو عرفوا الله تعالى حق معرفته لما عبدوا العجل وقال الجبائي إن كانوا قالوا ذلك على وجه الذهاب من مكان إلى مكان فإنه كفر وإن قالوا على وجه الخلاف فإنه فسق وأما قوله سبحانه قاتلهم الله أنى يؤفكون فإنه مجاز والمعنى أنه يعاديهم عداوة المقاتل ويحل بهم ما يحله المقاتل المستعلي بالاقتدار وعظم السلطان بمن يقاتله.