الآيات 164-165

وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴿164﴾ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿165﴾

الإعراب:

﴿ورسلا﴾ منصوب من وجهين (أحدهما) أن يكون منصوبا بفعل مضمر يفسره الذي ظهر أي وقصصنا رسلا قد قصصناهم عليك كما تقول رأيت زيدا وعمرا أكرمته أي وأكرمت عمرا أكرمته ويجوز أن ينصب رسلا على معنى أوحينا لأن معنى أوحينا إليك أنا أرسلناك موحين إليك وأرسلنا رسلا قد قصصناهم عليك هذا قول الزجاج وقال الفراء أنه على تقدير إنا أوحينا إليك وإلى رسل قد قصصناهم عليك ورسلا لم نقصصهم فلما حذف إلى نصب الفعل، ﴿رسلا مبشرين﴾ منصوب على الحال ويجوز أن يكون منصوبا على المدح على تقدير أعني رسلا مبشرين.

المعنى:

ثم أجمل ذكر الرسل بعد تسمية بعضهم فقال ﴿ورسلا﴾ أي ورسلا آخرين ﴿قد قصصناهم عليك﴾ أي ما حكينا لك أخبارهم وعرفناك شأنهم وأمورهم من قبل قال بعضهم قصهم عليه بالوحي في غير القرآن ﴿من قبل﴾ ثم قصهم عليه من بعد في القرآن وقال بعضهم قصهم عليه من قبل هؤلاء بمكة في سورة الأنعام وفي غيرها لأن هذه السورة مدنية ﴿ورسلا لم نقصصهم عليك﴾ هذا يدل على أن الله سبحانه أرسل رسلا كثيرة لم يذكرهم في القرآن وإنما قص بعضهم على النبي لفضيلتهم على من لم يقصهم عليه ﴿وكلم الله موسى تكليما﴾ فائدته أنه سبحانه كلم موسى بلا واسطة إبانة له بذلك من سائر الأنبياء لأن جميعهم كلمهم الله سبحانه بواسطة الوحي وقيل إنما قال ﴿تكليما﴾ ليعلم أن كلام الله عز ذكره من جنس هذا المعقول الذي يشتق من التكليم بخلاف ما قاله المبطلون وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما قرأ الآية التي قبل هذه على الناس قالت اليهود فيما بينهم ذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) النبيين ولم يبين لنا أمر موسى فلما نزلت هذه الآية وقرأها عليهم قالوا أن محمدا قد ذكره وفضله بالكلام عليهم ﴿رسلا مبشرين﴾ بالجنة والثواب لمن آمن وأطاع ﴿ومنذرين﴾ بالنار والعقاب لمن كفر وعصى ﴿لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾ فيقولوا لم ترسل إلينا رسولا ولو أرسلت لآمنا بك كما أخبر سبحانه في آية أخرى بقوله ﴿لقالوا ربنا لو لا أرسلت إلينا رسولا﴾ وفي هذه الآية دلالة على فساد قول من زعم أن عند الله تعالى من اللطف ما لو فعله بالكافر لآمن لأنه لو كان كذلك لكان للكفار الحجة بذلك على الله تعالى قائمة فأما من لم يعلم من حاله أن له في إنفاذ الرسل إليه لطفا فالحجة قائمة عليه بالعقل وأدلته الدالة على توحيده وعدله ولو لم يقم الحجة إلا بإنفاذ الرسل لفسد ذلك من وجهين (أحدهما) أن صدق الرسول لا يمكن العلم به إلا بعد تقدم العلم بالتوحيد والعدل فإن كانت الحجة عليه غير قائمة فلا طريق له إلى معرفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وصدقه (والثاني) أنه لو كانت الحجة لا تقوم إلا بالرسل لاحتاج الرسول أيضا إلى رسول آخر حتى تكون الحجة عليه قائمة والكلام في رسوله كالكلام فيه حتى يتسلسل وذلك فاسد فمن استدل بهذه الآية على أن التكليف لا يصح بحال إلا بعد إنفاذ الرسل فقد أبعد لما قلناه ﴿وكان الله عزيزا﴾ أي مقتدرا على الانتقام ممن يعصيه ويكفر به ﴿حكيما﴾ فيما أمر به عباده وفي جميع أفعاله.