الآية- 159

وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴿159﴾

الإعراب:

إن في قوله ﴿وإن من أهل الكتاب﴾ نافية وأكثر ما تأتي مع إلا وقد تأتي من غير إلا نحو قوله ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه أي في الذي ما مكناكم فيه قال الزجاج المعنى وما منهم أحد إلا ليؤمنن به وكذلك قوله وإن منكم إلا واردها معناه وما منكم أحد إلا واردها وكذلك وما منا إلا له مقام معلوم أي ومنا أحد إلا له مقام ومثله قول الشاعر:

لو قلت ما في قومها لم تيثم

يفضلها في حسب وميسم أي ما في قومها أحد يفضلها وذهب الكوفيون إلى أن المعنى وما من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن به وما منكم إلا من هو واردها وما منا إلا من له مقام وأهل البصرة لا يجيزون حذف الموصول وتبقية الصلة.

المعنى:

ثم أخبر تعالى أنه لا يبقى أحد منهم إلا ويؤمن به فقال ﴿وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته﴾ اختلف فيه على أقوال (أحدها) أن كلا الضميرين يعودان إلى المسيح أي ليس يبقى أحد من أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلا ويؤمنن بالمسيح قبل موت المسيح إذا أنزله الله إلى الأرض وقت خروج المهدي في آخر الزمان لقتل الدجال فتصير الملل كلها ملة واحدة وهي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم عن ابن عباس وأبي مالك والحسن وقتادة وابن زيد وذلك حين لا ينفعهم الإيمان واختاره الطبري قال والآية خاصة لمن يكون منهم في ذلك الزمان وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره أن أباه حدثه عن سليمان بن داود المنقري عن أبي حمزة الثمالي عن شهر بن حوشب قال قال الحجاج بن يوسف آية من كتاب الله قد أعيتني قوله ﴿وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته﴾ الآية والله إني لأمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يحمل فقلت أصلح الله الأمير ليس على ما أولت قال فكيف هو قلت إن عيسى بن مريم ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا ولا يبقى أهل ملة يهودي أو نصراني أو غيره إلا وآمن به قبل موت عيسى ويصلي خلف المهدي قال ويحك أنى لك هذا ومن أين جئت به قال قلت حدثني به الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال جئت والله بها من عين صافية فقيل لشهر ما أردت بذلك قال أردت أن أغيظه وذكر أبو القاسم البلخي مثل ذلك وضعف الزجاج هذا الوجه قال إن الذين يبقون إلى زمن عيسى من أهل الكتاب قليل والآية تقتضي عموم إيمان أهل الكتاب إلا أن جميعهم يقولون أن عيسى الذي ينزل في آخر الزمان نحن نؤمن به (وثانيها) أن الضمير في به يعود إلى المسيح والضمير في موته يعود إلى الكتابي ومعناه لا يكون أحد من أهل الكتاب يخرج من دار الدنيا إلا ويؤمن بعيسى قبل موته إذا زال تكليفه وتحقق الموت ولكن لا ينفعه الإيمان حينئذ وإنما ذكر اليهود والنصارى لأن جميعهم مبطلون.

اليهود بالكفر به والنصارى بالغلو في أمره وذهب إليه ابن عباس في رواية أخرى ومجاهد والضحاك وابن سيرين وجويبر قالوا ولو ضربت رقبته لم تخرج نفسه حتى يؤمن (وثالثها) أن يكون المعنى ليؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل موت الكتابي عن عكرمة ورواه أيضا أصحابنا وضعف الطبري هذا الوجه بأن قال لو كان ذلك صحيحا لما جاز إجراء أحكام الكفار عليهم إذا ماتوا وهذا لا يصح لأن إيمانهم بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) إنما يكون في حال زوال التكليف فلا يعتد به وإنما ضعف هذا القول من حيث لم يجر ذكر لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) هاهنا ولا ضرورة توجب رد الكناية إليه وقد جرى ذكر عيسى فالأولى أن يصرف ذلك إليه ﴿ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا﴾ يعني عيسى يشهد عليهم بأنه قد بلغ رسالات ربه وأقر على نفسه بالعبودية وأنه لم يدعهم إلى أن يتخذوه إلها عن قتادة وابن جريج وقيل يشهد عليهم بتصديق من صدقه وتكذيب من كذبه عن أبي علي الجبائي وفي هذه الآية دلالة على أن كل كافر يؤمن عند المعاينة وعلى أن إيمانه ذلك غير مقبول كما لم يقبل إيمان فرعون في حال اليأس عند زوال التكليف ويقرب من هذا ما رواه الإمامية أن المحتضرين من جميع الأديان يرون رسول الله وخلفاءه عند الموت ويروون في ذلك عن علي (عليه السلام) أنه قال للحارث الهمداني:

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه

بعينه واسمه وما فعلا

فإن صحت هذه الرواية فالمراد برؤيتهم في تلك الحال العلم بثمرة ولايتهم وعداوتهم على اليقين بعلامات يجدونها من نفوسهم ومشاهدة أحوال يدركونها كما قد روي أن الإنسان إذا عاين الموت أري في تلك الحالة ما يدله على أنه من أهل الجنة أو من أهل النار.