الآيات 144-146

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ﴿144﴾ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴿145﴾ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿146﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر الدرك بسكون الراء والباقون بفتحها.

الحجة:

هما لغتان كالنهر والنهر والشمع والشمع والقص والقصص.

اللغة:

السلطان الحجة قال الزجاج وهو يذكر ويؤنث قالوا قضت عليك السلطان وأمرك به السلطان ولم يأت في القرآن إلا مذكرا وقيل للأمير سلطان ومعناه ذو الحجة وأصل الدرك الحبل الذي يوصل به الرشا ويعلق به الدلو ثم لما كان في النار سفال من جهة الصورة والمعنى قيل له درك ودرك وجمع الدرك أدراك ودروك وجمع الدرك أدرك.

المعنى:

ثم نهى سبحانه عن موالاة المنافقين فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء﴾ أي أنصارا ﴿من دون المؤمنين﴾ فتكونوا مثلهم ﴿أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا﴾ أي حجة ظاهرة وهو استفهام يراد به التقرير وفيه دلالة على أن الله لا يعاقب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه والاستحقاق وأنه لا يعاقب الأطفال بذنوب الآباء وأنه كان لا حجة له على الخلق لو لا معاصيهم قال الحسن معناه أ تريدون أن تجعلوا لله سبيلا إلى عذابكم بكفركم وتكذيبكم ﴿إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار﴾ أي في الطبق الأسفل من النار فإن للنار طبقات ودركات كما أن للجنة درجات فيكون المنافق على أسفل طبقة منها لقبح عمله عن ابن كثير وأبي عبيدة وجماعة وقيل إن المنافقين في توابيت من حديد مغلقة عليهم في النار عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وقيل إن الإدراك يجوز أن تكون منازل بعضها أسفل من بعض بالمسافة ويجوز أن يكون ذلك إخبارا عن بلوغ الغاية في العقاب كما يقال إن السلطان بلغ فلانا الحضيض وبلغ فلانا العرش يريدون بذلك انحطاط المنزلة وعلوها لا المسافة عن أبي القاسم البلخي ﴿ولن تجد لهم نصيرا﴾ ولا تجد يا محمد لهؤلاء المنافقين ناصرا ينصرهم فينقذهم من عذاب الله إذ جعلهم في أسفل طبقة من النار ثم استثنى تعالى فقال ﴿إلا الذين تابوا﴾ من نفاقهم ﴿وأصلحوا﴾ نياتهم وقيل ثبتوا على التوبة في المستقبل ﴿واعتصموا بالله﴾ أي تمسكوا بكتاب الله وصدقوا رسله وقيل وثقوا بالله ﴿وأخلصوا دينهم لله﴾ أي تبرأوا من الآلهة والأنداد وقيل طلبوا بإيمانهم رحمة الله ورضاه مخلصين عن الحسن ﴿فأولئك مع المؤمنين﴾ أي فإنهم إذا فعلوا ذلك يكونون في الجنة مع المؤمنين ومحل الكرامة ﴿وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما﴾ سوف كلمة ترجئة وعدة وإطماع وهي من الله إيجاب لأنه أكرم الأكرمين ووعد الكريم إنجاز ولم يشرط على غير المنافقين في التوبة من الإصلاح والاعتصام ما شرطه عليهم ثم شرط عليهم بعد ذلك الإخلاص لأن النفاق ذنب القلب والإخلاص توبة القلب ثم قال ﴿فأولئك مع المؤمنين﴾ ولم يقل فأولئك المؤمنون أو من المؤمنين غيظا عليهم ثم أتى بلفظ ﴿سوف﴾ في أجر المؤمنين لانضمام المنافقين إليهم هذا إذا عنى به جميع المؤمنين من تقدم منه الكفر ومن لم يتقدم ويحتمل أن يكون المراد به زيادة الثواب لمن لم يسبق منه كفر ولا نفاق.