الآية- 136

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا ﴿136﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو أنزل بالضم وكسر الزاي والباقون ﴿نزل﴾ و﴿أنزل﴾ بفتحهما.

الحجة:

من قرأ بالضم فحجته قوله سبحانه ﴿لتبين للناس ما نزل إليهم ويعلمون أنه منزل من ربك بالحق﴾ ومن قرأ ﴿نزل﴾ و﴿أنزل﴾ فحجته أنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون وأنزلنا إليك الذكر.

المعنى:

﴿يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله﴾ قيل فيه ثلاثة أقوال (أحدها) وهو الصحيح المعتمد عليه أن معناه يا أيها الذين آمنوا في الظاهر بالإقرار بالله ورسوله آمنوا في الباطن ليوافق باطنكم ظاهركم ويكون الخطاب للمنافقين الذين كانوا يظهرون خلاف ما يبطنون ﴿والكتاب الذي نزل على رسوله﴾ وهو القرآن ﴿و الكتاب الذي أنزل من قبل﴾ هو التوراة والإنجيل عن الزجاج وغيره (وثانيها) أن يكون الخطاب للمؤمنين على الحقيقة ظاهرا وباطنا فيكون معناه أثبتوا على هذا الإيمان في المستقبل وداوموا عليه ولا تنتقلوا عنه عن الحسن واختاره الجبائي قال لأن الإيمان الذي هو التصديق لا يبقى وإنما يستمر بأن يجدده الإنسان حالا بعد حال (وثالثها) إن الخطاب لأهل الكتاب أمروا بأن يؤمنوا بالنبي والكتاب الذي أنزل عليه كما آمنوا بما معهم من الكتب ويكون قوله ﴿والكتاب الذي أنزل من قبل﴾ إشارة إلى ما معهم من التوراة والإنجيل ويكون وجه أمرهم بالتصديق بهما وإن كانوا مصدقين بهما أحد أمرين إما أن يكون لأن التوراة والإنجيل فيهما صفات نبينا وتصديقه وتصحيح نبوته فمن لم يصدقه ولم يصدق القرآن لا يكون مصدقا بهما لأن في تكذيبه تكذيب التوراة والإنجيل وأما أن يكون الله تعالى أمرهم بالإقرار بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبالقرآن وبالكتاب الذي أنزل من قبله وهو الإنجيل وذلك لا يصح إلا بالإقرار بعيسى أيضا وهو نبي مرسل ويعضد هذا الوجه ما روي عن عبد الله بن عباس أنه قال إن الآية نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس وابن أخت عبد الله بن سلام ويامين بن يامين وهؤلاء من كبار أهل الكتاب قالوا نؤمن بك وبكتابك وبموسى وبالتوراة وعزير ونكفر بما سواه من الكتب وبمن سواهم من الرسل فقيل لهم بل آمنوا بالله ورسوله الآية ف آمنوا كما أمرهم الله ﴿ومن يكفر بالله﴾ أي يجحده أو يشبهه بخلقه أو يرد أمره ونهيه ﴿وملائكته﴾ أي ينفيهم أو ينزلهم منزلة لا يليق بهم كما قالوا أنهم بنات الله ﴿وكتبه﴾ فيجحدها ﴿ورسله﴾ فينكرهم ﴿واليوم الآخر﴾ أي يوم القيامة ﴿فقد ضل ضلالا بعيدا﴾ أي ذهب عن الحق وبعد قصد السبيل ذهابا بعيدا وقال الحسن الضلال البعيد هو ما لا ائتلاف له والمعنى أن من كفر بمحمد وجحد نبوته فكأنه جحد جميع ذلك لأنه لا يصح إيمان أحد من الخلق بشيء مما أمر الله به بالإيمان به وبما أنزل الله عليه وفي هذا تهديد لأهل الكتاب وإعلام لهم إن إقرارهم بالله ووحدانيته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر لا ينفعهم مع جحدهم نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ويكون وجوده وعدمه سواء.

النظم:

وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن الله سبحانه لما بين الإسلام عقبه بالدعاء إلى الإيمان وشرائطه وقيل أنها تتصل بقوله ﴿كونوا قوامين بالقسط﴾ والقيام بالقسط هو الإيمان على الوجه المذكور.