الآية- 135

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿135﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر وحمزة أن تلوا بضم اللام وواو واحدة ساكنة والباقون ﴿تلووا﴾ بواوين الأولى مضمومة والثانية ساكنة.

الحجة:

من قرأ بواو واحدة فحجته أن يقول أنه من الولاية وولاية الشيء إقبال عليه وخلاف الإعراض عنه فيكون المعنى إن تقبلوا أو تعرضوا فإن الله خبير بأعمالكم يجازي المحسن المقبل بإحسانه والمسيء المعرض بإعراضه وتركه الإقبال على ما يلزمه أن يقبل عليه قال وإذا قرأت ﴿تلووا﴾ فهي من اللي واللي مثل الأعراض فيكون كالتكرير أ لا ترى أن قوله ﴿لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون﴾ معناه الإعراض وترك الانقياد للحق ومن قرأ ﴿تلووا﴾ من لوى فحجته أن يقول لا ينكر أن يتكرر اللفظان بمعنى واحد نحو قوله ﴿فسجد الملائكة كلهم أجمعون﴾ وقول الشاعر:

وهند أتى من دونها الناي والبعد

وقول آخر:

وألفى قولها كذبا ومينا

وقيل أن تلوا يجوز أن يكون تلووا وإن الواو التي هي عين همزت لانضمامها كما همزت في أدؤر ثم طرحت الهمزة وألقيت حركتها على اللام التي هي فاء فصارت تلوا كما تطرح الهمزة في أدؤر وتلقي حركتها على الدال فتصير آدر.

اللغة:

القسط والأقساط العدل يقال أقسط الرجل إقساطا إذا عدل وأتى بالقسط وقسط الرجل يقسط قسوطا إذا جار ويقال قسط البعير يقسط قسطا إذا يبست يده ويد قسطاء أي يابسة فكان معنى أقساط أقام الشيء على حقيقته في التعديل وكان قسط أي جار معناه يبس الشيء وأفسد جهته المستقيمة والقوام فعال من القيام وهو أن يكون عادته القيام واللي الدفع يقال لويت فلانا حقه إذا دفعته ومطلته ومنه الحديث لي الواجد ظلم أي مطل الغني جور.

الإعراب:

شهداء نصب على الحال من الضمير في قوله ﴿قوامين﴾ وهو ضمير ﴿الذين آمنوا﴾ ويجوز أن يكون خبر كان على أن لها خبرين نحو هذا حلو حامض ويجوز أن يكون صفة لقوامين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما لم يقل به لأنه أراد فالله أولى بغناء الغني وفقر الفقير لأن ذلك منه سبحانه وقيل إنما ثني الضمير لأن أو في هذا الموضع بمعنى الواو وقيل أنه لم يقصد غنيا بعينه ولا فقيرا بعينه فهو مجهول وما ذلك حكمه يجوز أن يعود إليه الضمير بالتوحيد والتثنية وقد ذكر أن في قراءة أبي فالله أولى بهم وقيل إنما قال بهما لأنهما قد ذكرا كما قال وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما وقيل إنما جاز ذلك لأنه أضمر فيه من خاصم على ما تذكره في المعنى مشروحا و﴿إن تعدلوا﴾ يجوز أن يكون في موضع نصب بأنه مفعول له أي هربا من أن تعدلوا وكراهة أن تعدلوا ويجوز أن يكون في موضع جر على معنى فلا تتبعوا الهوى لتعدلوا.

المعنى:

لما ذكر سبحانه أن عنده ثواب الدنيا والآخرة عقبه بالأمر بالقسط والقيام بالحق وترك الميل والجور فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط﴾ أي دائمين على القيام بالعدل ومعناه ولتكن عادتكم القيام بالعدل في القول والفعل ﴿شهداء لله﴾ وهو جمع شهيد أمر الله تعالى عباده بالثبات والدوام على قول الحق والشهادة بالصدق تقربا إليه وطلبا لمرضاته وعن ابن عباس كونوا قوالين بالحق في الشهادة على من كانت ولمن كانت من قريب أو بعيد ﴿ولو على أنفسكم﴾ أي ولو كانت شهادتكم على أنفسكم ﴿أو الوالدين والأقربين﴾ أي على والديكم وعلى أقرب الناس إليكم فقوموا فيها بالقسط والعدل وأقيموها على الصحة والحق ولا تميلوا فيها لغنى غني أو لفقر فقير فإن الله قد سوى بين الغني والفقير فيما ألزمكم من إقامة الشهادة لكل واحد منهما بالعدل وفي هذا دلالة على جواز شهادة الولد لوالده والوالد لولده وعليه وشهادة كل ذي قرابة لقريبه وعليه وإليه ذهب ابن عباس في قوله أمر الله سبحانه المؤمنين أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم أو آبائهم أو أبنائهم ولا يحابوا غنيا لغناه ولا مسكينا لمسكنته وقال ابن شهاب الزهري كان سلف المسلمين على ذلك حتى دخل الناس فيما بعدهم وظهرت منهم أمور حملت الولاة على تهامهم فتركت شهادة من يتهم وأما شهادة الإنسان على نفسه فيكون بالإقرار للخصم فإقراره له شهادة منه على نفسه وشهادته لنفسه لا تقبل ﴿إن يكن غنيا أو فقيرا﴾ معناه أن يكن المشهود عليه غنيا أو فقيرا أو المشهود له غنيا أو فقيرا فلا يمنعكم ذلك عن قول الحق والشهادة بالصدق وفائدة ذلك أن الشاهد ربما امتنع عن إقامة الشهادة للغني على الفقير لاستغناء المشهود له وفقر المشهود عليه فلا يقيم الشهادة شفقة على الفقير وربما امتنع عن إقامة الشهادة للفقير على الغني تهاونا للفقير وتوقيرا للغني أو خشية منه أو حشمة له فبين سبحانه بقوله ﴿فالله أولى بهما﴾ إنه أولى بالغني والفقير وأنظر لهما من سائر الناس أي فلا تمتنعوا من إقامة الشهادة على الفقير شفقة عليه ونظرا له ولا من إقامة الشهادة للغني لاستغنائه عن المشهود به فإن الله تعالى أمركم بذلك مع علمه بغناء الغني وفقر الفقير فراعوا أمره فيما أمركم به فإنه أعلم بمصالح العباد منكم ﴿فلا تتبعوا الهوى﴾ يعني هوى الأنفس في إقامة الشهادة فتشهدوا على إنسان الإحنة بينكم وبينه أو وحشة أو عصبية وتمتنعوا الشهادة له لأحد هذه المعاني وتشهدوا للإنسان بغير حق لميلكم إليه بحكم صداقة أو قرابة ﴿أن تعدلوا﴾ أي لأن تعدلوا يعني لأجل أن تعدلوا في الشهادة قال الفراء هذا كقولهم لا تتبع هواك لترضي ربك أي كيما ترضي ربك وقيل أنه من العدول الذي هو الميل والجور ومعناه ولا تتبعوا الهوى في أن تعدلوا عن الحق أو لأن تعدلوا عن الحق ﴿وإن تلووا﴾ أي تمطلوا في أداء الشهادة ﴿أو تعرضوا﴾ عن أدائها عن ابن عباس ومجاهد وقيل إن الخطاب للحكام أي وإن تلووا أيها الحكام في الحكم لأحد الخصمين على الآخر ﴿أو تعرضوا﴾ عن أحدهما إلى الآخر عن ابن عباس والسدي وقيل معناه ﴿إن تلووا﴾ أي تبدلوا الشهادة ﴿أو تعرضوا﴾ أي تكتموها عن ابن زيد والضحاك وهو المروي عن أبي جعفر ﴿فإن الله كان بما تعملون خبيرا﴾ معناه أنه كان عالما بما يكون منكم من إقامة الشهادة أو تحريفها والإعراض عنها وفي هذه الآية دلالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسلوك طريقة العدل في النفس والغير وقد روي عن ابن عباس في معنى قوله ﴿وأن تلووا أو تعرضوا﴾ إنهما الرجلان يجلسان بين يدي القاضي فيكون لي القاضي وإعراضه لأحدهما عن الآخر.