الآيات 129-130

وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿129﴾ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴿130﴾

اللغة:

الاستطاعة والقوة والقدرة نظائر والسعة خلاف الضيق والواسع في صفات القديم اختلف في معناه وقيل أنه واسع العطاء أي المكرمة وقيل هو واسع الرحمة ويؤيده قوله تعالى ﴿ورحمتي وسعت كل شيء﴾ وقيل أنه واسع المقدور.

المعنى:

لما تقدم ذكر النشوز والصلح بين الزوجين عقبه سبحانه بأنه لا يكلف من ذلك ما لا يستطاع فقال ﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم﴾ أي لن تقدروا أن تسووا بين النساء في المحبة والمودة بالقلب ولو حرصتم على ذلك كل الحرص فإن ذلك ليس إليكم ولا تملكونه فلا تكلفونه ولا تؤاخذون به عن ابن عباس والحسن وقتادة وقيل معناه لم تقدروا أن تعدلوا بالتسوية بين النساء في كل الأمور من جميع الوجوه من النفقة والكسوة والعطية والمسكن والصحبة والبر والبشر وغير ذلك والمراد به أن ذلك لا يخفف عليكم بل يثقل ويشق لميلكم إلى بعضهن ﴿فلا تميلوا كل الميل﴾ أي فلا تعدلوا بأهوائكم عن من لم تملكوا محبة منهن كل العدول حتى يحملكم ذلكم على أن تجوروا على صواحبها في ترك أداء الواجب لهن عليكم من حق القسمة والنفقة والكسوة والعشرة بالمعروف ﴿فتذروها كالمعلقة﴾ أي تذروا التي لا تميلون إليها كالتي هي لا ذات زوج ولا أيم عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وغيرهم وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره أنه سأل رجل من الزنادقة أبا جعفر الأحول عن قوله سبحانه ﴿فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة﴾ ثم قال ﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم﴾ وبين القولين فرق قال فلم يكن عندي جواب في ذلك حتى قدمت المدينة فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسألته عن ذلك فقال أما قوله ﴿فإن خفتم ألا تعدلوا﴾ فإنه عنى في النفقة وأما قوله ﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا﴾ فإنه عنى في المودة فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة قال فرجعت إلى الرجل فأخبرته فقال هذا ما حملته من الحجاز وروى أبو قلابة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه كان يقسم بين نسائه ويقول اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك قوله ﴿وأن تصلحوا﴾ يعني في القسمة بين الأزواج والتسوية بينهن في النفقة وغير ذلك ﴿وتتقوا﴾ الله في أمرهن وتتركوا الميل الذي نهاكم الله عنه في تفضيل واحدة على الأخرى ﴿فإن الله كان غفورا رحيما﴾ يستر عليكم ما مضى منكم من الحيف في ذلك إذا تبتم ورجعتم إلى الاستقامة والتسوية بينهن ويرحمكم بترك المؤاخذة على ذلك وكذلك كان يفعل فيما مضى مع غيركم وروي عن جعفر الصادق (عليه السلام) عن آبائه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهن وروي أن عليا كان له امرأتان فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الأخرى وكان معاذ بن جبل له امرأتان ماتتا في الطاعون فأقرع بينهما أيهما تدفن قبل الأخرى وقوله ﴿وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته﴾ يعني إذا أبى كل واحد من الزوجين مصلحة الآخر بأن تطالب المرأة بنصيبها من القسمة والنفقة والكسوة وحسن العشرة ويمتنع الرجل من إجابتها إلى ذلك ويتفرقا حينئذ بالطلاق فإنه سبحانه يغني كل واحد منهما من سعته أي من سعة فضله ورزقه ﴿وكان الله واسعا حكيما﴾ أي لم يزل واسع الفضل على العباد حكيما فيما يدبرهم به وفي هذه الآية دلالة على أن الأرزاق كلها بيد الله وهو الذي يتولاها بحكمته وإن كان ربما أجراها على يدي من يشاء من بريته.