الآية- 128

وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿128﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة ﴿أن يصلحا﴾ بضم الياء وكسر اللام وسكون الصاد والباقون يصالحا بتشديد الصاد وفتح الياء واللام.

الحجة:

الأعرف في الاستعمال يصالحا وزعم سيبويه أن بعضهم قرأ يصلحا فيصلحا يفتعلا وافتعل وتفاعل بمعنى ولذلك صحت الواو في اجتوروا واعتوروا لما كان بمعنى تجاوروا وتعاوروا فهذا حجة لمن قرأ أن يصالحا ومن قرأ ﴿يصلحا﴾ فإن الإصلاح عند التنازع قد استعمل كما في قوله سبحانه فأصلح بينهم وقوله ﴿صلحا﴾ يكون مفعولا على قراءة من قرأ ﴿يصلحا﴾ كما تقول أصلحت ثوبا ومن قرأ يصالحا فيجوز أن يكون صلحا مفعولا أيضا لأن تفاعل قد جاء متعديا ويجوز أن يكون مصدرا حذفت زوائده كما قال:

فإن تهلك فذلك كان قدري

أي تقديري ويجوز أن يكون قد وضع المصدر موضع الاسم كما وضع الاسم موضع المصدر في نحو قوله:

باكرت حاجتها الدجاج بسحرة

وقوله:

وبعد عطاءك المائة الرتاعا

اللغة:

النشوز مر ذكره في هذه السورة والشح إفراط في الحرص على الشيء ويكون بالمال وبغيره من الأعراض يقال هو شحيح بمودتك أي حريص على دوامها ولا يقال في ذلك بخيل والبخل يكون بالمال خاصة قال الشاعر:

لقد كنت في قوم عليك أشحة

بفقدك إلا أن من طاح طائح

يودون لو خاطوا عليك جلودهم

وهل يدفع الموت النفوس الشحائح.

الإعراب:

﴿وإن امرأة خافت﴾ امرأة ارتفعت بفعل مضمر يفسره الفعل الظاهر بعدها وهو إضمار قبل الذكر على شريطة التفسير وتقديره وإن خافت لو قلت إن امرأة تخف ففرقت بين إن الجزاء والفعل المستقبل فذلك قبيح لأن إن لا يفصل بينها وبين ما تجزم ذلك في الشعر جايز في إن وغيرها قال الشاعر:

فمتى واغل ينبهم يحيوه

وتعطف عليه كأس الساقي

فأما الماضي فإن غير عاملة في لفظه وإن لم تكن من حروف الجزاء فجاز أن يفرق بينها وبين الفعل فأما غير إن فالفصل يقبح فيه مع الماضي والمستقبل جميعا.

النزول:

كانت بنت محمد بن سلمة عند رافع بن خديج وكانت قد دخلت في السن وكانت عنده امرأة شابة سواها فطلقها تطليقة حتى إذا بقي من أجلها يسير قال إن شئت راجعتك وصبرت على الأثرة وإن شئت تركتك قالت بل راجعني وأصبر على الأثرة فراجعها فذلك الصلح الذي بلغنا إن الله تعالى أنزل فيه هذه الآية عن أبي جعفر وسعيد بن المسيب وقيل خشيت سودة بنت زمعة أن يطلقها رسول الله فقالت لا تطلقني وأجلسني مع نسائك ولا تقسم لي واجعل يومي لعائشة فنزلت الآية عن ابن عباس.

المعنى:

لما تقدم حكم نشوز المرأة بين سبحانه تعالى نشوز الرجل فقال ﴿وإن امرأة خافت﴾ أي علمت وقيل ظنت ﴿من بعلها﴾ أي من زوجها ﴿نشوزا﴾ أي استعلاء وارتفاعا بنفسه عنها إلى غيرها إما لبغضه وإما لكراهته منها شيئا إما دمامتها وإما علو سنها أو غير ذلك ﴿أو إعراضا﴾ يعني انصرافا بوجهه أو ببعض منافعه التي كانت لها منه وقيل يعني بإعراضه عنها هجرانه إياها وجفاها وميله إلى غيرها ﴿فلا جناح عليهما﴾ أي لا حرج ولا إثم على كل واحد منهما من الزوج والزوجة ﴿أن يصلحا بينهما صلحا﴾ بأن تترك المرأة له يومها أو تضع عنه بعض ما يجب لها من نفقة أو كسوة أو غير ذلك لتستعطفه بذلك وتستديم المقام في حباله ﴿والصلح خير﴾ معناه والصلح بترك بعض الحق خير من طلب الفرقة بعد الألفة هذا إذا كان بطيبة من نفسها فإن لم يكن كذلك فلا يجوز له إلا ما يسوغ في الشرع من القيام بالكسوة والنفقة والقسمة وإلا طلقها وبهذه الجملة قالت الصحابة والتابعون منهم علي وابن عباس وعائشة وسعيد بن جبير وقتادة ومجاهد وغيرهم ﴿وأحضرت الأنفس الشح﴾ اختلف في تأويله فقيل معناه وأحضرت أنفس النساء الشح على انصبائهن من أنفس أزواجهن وأموالهن وأيامهن منهم عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطا والسدي وقيل معناه وأحضرت أنفس كل واحد من الرجل والمرأة الشح بحقه قبل صاحبه فشح المرأة يكون بترك حقها من النفقة والكسوة والقسمة وغيرها وشح الرجل بإنفاقه على التي لا يريدها وهذا أعم وبه قال ابن وهب وابن زيد ﴿وأن تحسنوا﴾ خطاب للرجال أي وإن تفعلوا الجميل بالصبر على ما تكرهون من النساء ﴿وتتقوا﴾ من الجور عليهن في النفقة والكسوة والعشرة بالمعروف وقيل أن تحسنوا في أقوالكم وأفعالكم وتتقوا معاصي الله ﴿فإن الله كان بما تعملون خبيرا﴾ أي هو سبحانه خبير بما يكون منكم في أمرهن بحفظه لكم وعليكم حتى يجازيكم بأعمالكم.