الآيات 53-57

وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴿53﴾ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ﴿54﴾ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿55﴾ قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً ﴿56﴾ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴿57﴾

اللغة:

الوسيلة القربة والواسل الراغب قال لبيد:

بلى كل ذي دين إلى الله واسل قال الزجاج: الوسيلة والسؤال والطلبة في معنى واحد.

الإعراب:

﴿ يقولوا﴾ جواب شرط محذوف تقديره قل لعبادي قولوا التي هي أحسن يقولوا وكان أبو عثمان يزعم أن يقولوا واقع موقع قولوا وهو مبني لأنه وقع موقع قولوا ووقوع الفعل موقع الفعل المبني لا يوجب له البناء أ لا ترى أن قوله ﴿تؤمنون بالله ورسوله﴾ واقع موقع آمنوا وهو معرب وإنما ذلك في الأسماء نحو يا زيد بني لوقوعه موقع يا أنت ﴿أولئك﴾ رفع بالابتداء و﴿الذين يدعون﴾ صفة لهم و﴿يبتغون﴾ خبر الابتداء وقوله ﴿أيهم أقرب﴾ قال الزجاج إن شئت كان أيهم رفعا بالابتداء والخبر قوله ﴿أقرب﴾ ويكون معناه ينظرون أيهم أقرب إليه فيتوسلون به والجملة متعلقة بينظرون المضمرة ويجوز أن يكون أيهم أقرب بدلا من الواو في يبتغون.

النزول:

كان المشركون يؤذون أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بمكة فيقولون يا رسول الله ائذن لنا في قتالهم فيقول لهم إني لم أومر فيهم بشيء فأنزل الله سبحانه ﴿قل لعبادي﴾ الآية عن الكلبي.

المعنى:

ثم أمر سبحانه عباده باتباع الأحسن من الأقوال والأفعال فقال ﴿وقل﴾ يا محمد ﴿لعبادي﴾ وهذا إضافة تخصيص وتشريف أراد به المؤمنين وقيل هو عام في جميع المكلفين ﴿يقولوا التي هي أحسن﴾ أي يختاروا من المقالات والمذاهب المقالة التي هي أحسن المقالات والمذاهب وقيل معناه مرهم يقولوا الكلمة التي هي أحسن الكلمات وهي كلمة الشهادتين وكل ما ندب الله إليه من الأقوال وقيل معناه يأمروا بما أمر الله به وينهوا عما نهى الله عنه عن الحسن وقيل معناه قل لهم يقل بعضهم لبعض أحسن ما يقال مثل رحمك الله ويغفر الله لك وقيل معناه قل لعبادي إذا سمعوا قولك الحق وقول المشركين يقولوا ما هو أولى ويتبعوا ما هو أحسن عن أبي مسلم وقال نظيره فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ﴿إن الشيطان ينزغ بينهم﴾ أي يفسد بينهم ويغري بعضهم ببعض ويلقي بينهم العداوة ﴿إن الشيطان كان﴾ في جميع الأوقات ﴿للإنسان﴾ أي لآدم وذريته ﴿عدوا مبينا﴾ مظهرا للعداوة ثم خاطب سبحانه الفريقين فقال ﴿ربكم أعلم بكم﴾ معناه أنه أعلم بأحوالكم فيدبر أموركم على ما يعلمه من المصلحة لكم ﴿إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم﴾ قيل أراد أنه سبحانه مالك للرحمة والعذاب فيكون الرجاء إليه والخوف منه عن الجبائي وقيل معناه إن يشأ يرحمكم بالتوبة أو إن يشأ يعذبكم بالإصرار على المعصية عن الحسن وقيل معناه إن يشأ يرحمكم بإخراجكم من مكة وتخليصكم من إيذاء المشركين أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم وقيل إن يشأ يرحمكم بفضله وإن يشأ يعذبكم بعدله وهو الأظهر ثم عاد إلى خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ﴿وما أرسلناك عليهم وكيلا﴾ أي وما أرسلناك موكلا عليهم حفيظا لأعمالهم يدخل الإيمان في قلوبهم شاءوا أم أبوا ومعناه إنك لا تؤاخذ بأعمالهم فإنا أرسلناك داعيا لهم إلى الإيمان فإن أجابوك وإلا فلا شيء عليك فإن عتاب ذلك يحل بهم واللائمة تلزمهم ﴿وربك أعلم بمن في السماوات والأرض﴾ أي هو أعلم بمن في السماوات من الملائكة وبمن في الأرض من الأنبياء بين سبحانه بهذا أنه لم يختر الملائكة والأنبياء للميل إليهم وإنما اختارهم لعلمه بباطنهم وقيل معناه أنه أعلم بالجميع فجعلهم مختلفين في الصور والرزق والأحوال كما اقتضته المصلحة كما فضل بعض النبيين على بعض ﴿ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض﴾ والمعنى أن الأنبياء وإن كانوا في أعلى مراتب الفضل فإنهم طبقات في ذلك وبعضهم أعلى من بعض بزيادة الدرجة والثواب وبالمعجزات والكتاب ولما كان سبحانه عالما ببواطن الأمور اختارك للنبوة وفضلك على الأنبياء كما فضل بعضهم على بعض فسخر لبعضهم النار وألان لبعضهم الحديد وآتى بعضهم الملك وكلم بعضهم وكذلك خصك بخصائص لم يعطها أحدا وختم بك النبوة ثم قال ﴿وآتينا داود زبورا﴾ قال الحسن: كل كتاب زبور إلا أن هذا الاسم غلب على كتاب داود (عليه السلام) كما غلب اسم الفرقان على القرآن وإن كان كل كتاب من كتب الله فرقانا لأنه يفرق بين الحق والباطل وقال الزجاج: معنى ذكر داود هنا أنه يقول لا تنكروا تفضيل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإعطاءه القرآن فقد أعطينا داود الزبور ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله ﴿ادعوا الذين زعمتم من دونه﴾ أنها آلهة عند ضر ينزل بكم ليكشفوا ذلك عنكم أو يحولوا تلك الحالة إلى حالة أخرى ﴿فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا﴾ للحالة التي تكرهونها إلى حالة تحبونها يعني تحويل حال القحط إلى الخصب والفقر إلى الغنى والمرض إلى الصحة وقيل معناه لا يملكون تحويل الضر عنكم إلى غيركم بين سبحانه أن من كان بهذه الصفة فإنه لا يصلح للإلهية ولا يستحق العبادة والمراد بالذين من دونه هم الملائكة والمسيح وعزير عن ابن عباس والحسن وقيل هم الجن لأن قوما من العرب كانوا يعبدون الجن عن ابن مسعود وقال وأسلم أولئك النفر من الجن وبقي الكفار على عبادتهم قال الجبائي ثم رجع سبحانه إلى ذكر الأنبياء في الآية الأولى فقال ﴿أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة﴾ ومعناه أولئك الذين يدعون إلى الله تعالى ويطلبون القربة إليه بفعل الطاعات ﴿أيهم أقرب﴾ أي ليظهر أيهم الأفضل والأقرب منزلة منه وتأويله أن الأنبياء مع علو رتبهم وشرف منزلتهم إذا لم يعبدوا غير الله فأنتم أولى أن لا تعبدوا غير الله وإنما ذكر ذلك حثا على الاقتداء بهم وقيل إن معناه أولئك الذين يدعونهم ويعبدونهم ويعتقدون أنهم آلهة من المسيح والملائكة يبتغون الوسيلة والقربة إلى الله تعالى بعبادتهم ويجتهد كل منهم ليكون أقرب من رحمته أو يطلب كل منهم أن يعلم أيهم أقرب إلى رحمته أو إلى الإجابة ﴿ويرجون رحمته ويخافون عذابه﴾ أي وهم مع ذلك يستغفرون لأنفسهم فيرجون رحمته إن أطاعوا ويخافون عذابه إن عصوا ويعملون عمل العبيد ﴿إن عذاب ربك كان محذورا﴾ أي متقى يجب أن يحذر منه لصعوبته وقد ذكرنا ما جاء في معنى الوسيلة عند قوله ﴿وابتغوا إليه الوسيلة﴾.