الآيات 97-99

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا ﴿97﴾ إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ﴿98﴾ فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴿99﴾

القراءة:

روي في الشواذ عن إبراهيم أنه قرأ إن الذين توفاهم الملائكة بضم التاء.

الحجة:

قال ابن جني معنى هذا كقولك إن الذين يعدون على الملائكة يردون إليهم يحتسبون عليهم فهو نحو من قولك أن المال الذي توفاه أمة الله أي يدفع إليها ويحتسب عليها كان كل ملك جعل إليه قبض نفس بعض الناس ثم تمكن من ذلك وتوفيه.

اللغة:

التوفي القبض وتوفيت الشيء واستوفيته قبضته والوفاة الموت لأن الميت تقبض روحه والتوفي الإحصاء قال الشاعر:

إن بني أدرم ليسوا من أحد

ليسوا إلى قيس وليسوا من أسد

ولا توفاهم قريش في العدد المعنى أحصاهم والمأوى المرجع من أوى إلى منزله يأوي أويا إذا رجع إلى منزله والاستضعاف وجدان الشيء ضعيفا كالاستطراف ونحوه.

الإعراب:

﴿توفاهم﴾ إن شئت كان لفظه ماضيا فيكون مفتوحا لأن الماضي مبني على الفتح ويجوز أن يكون مستقبلا فيكون مرفوعا على معنى تتوفاهم حذف التاء الثانية لاجتماع تائين وقد ذكرناه مشروحا فيما تقدم ، ﴿ظالمي أنفسهم﴾ نصب على الحال وأصله ظالمين أنفسهم إلا أن النون حذفت استخفافا وهي ثابتة في التقدير كما قال سبحانه هديا بالغ الكعبة أي بالغا الكعبة، ﴿فيم﴾ حذفت الألف من ما الاستفهام وهو في موضع جر بفي والجار مع المجرور في موضع نصب لأنه خبر كان ، وخبر إن قوله ﴿قالوا فيم كنتم﴾ أي قالوا لهم فحذف لهم لدلالة الكلام عليه ويقال خبر إن قوله ﴿فأولئك مأواهم جهنم﴾ ويكون قالوا لهم في موضع نصب بكونه صفة ل ﴿ظالمي أنفسهم﴾ لأنه نكرة المستضعفين نصب على الاستثناء من قوله ﴿مأواهم جهنم﴾ ﴿إلا المستضعفين﴾ ﴿لا يستطيعون حيلة﴾ في موضع نصب على الحال من ﴿المستضعفين﴾.

النزول:

قال أبو حمزة الثمالي بلغنا أن المشركين يوم بدر لم يخلفوا إذ خرجوا أحدا إلا صبيا أو شيخا كبيرا أو مريضا فخرج معهم ناس ممن تكلم بالإسلام فلما التقى المشركون ورسول الله نظر الذين كانوا قد تكلموا بالإسلام إلى قلة المسلمين فارتابوا وأصيبوا فيمن أصيب من المشركين فنزلت فيهم الآية وهو المروي عن ابن عباس والسدي وقتادة وقيل أنهم قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن زمعة بن الأسود وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبو العاص بن منبه بن الحجاج وعلي بن أمية بن خلف عن عكرمة ورواه أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ابن عباس كنت أنا من المستضعفين وكنت غلاما صغيرا وذكر عنه أيضا أنه قال كان أبي من المستضعفين من الرجال وأمي كانت من المستضعفات من النساء وكنت أنا من المستضعفين من الولدان.

المعنى:

ثم أخبر تعالى عن حال من قعد عن نصرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعد الوفاة فقال ﴿إن الذين توفاهم﴾ أي قبض أرواحهم أو تقبض أرواحهم ﴿الملائكة﴾ الملائكة ملك الموت أو هو وغيره فإن الملائكة تتوفى وملك الموت يتوفى والله يتوفى وما يفعله ملك الموت أو الملائكة يجوز أن يضاف إلى الله إذ فعلوه بأمره وما تفعله الملائكة جاز أن يضاف إلى ملك الموت إذ فعلوه بأمره ﴿ظالمي أنفسهم﴾ أي في حال هم فيها ظالموا أنفسهم إذ بخسوها حقها من الثواب وأدخلوا عليها العقاب بفعل الكفر ﴿قالوا فيم كنتم﴾ أي قالت لهم الملائكة فيم كنتم أي في أي شيء كنتم من دينكم على وجه التقرير لهم أو التوبيخ لفعلهم ﴿قالوا كنا مستضعفين في الأرض﴾ يستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا وبلادنا بكثرة عددهم وقوتهم ويمنعوننا من الإيمان بالله واتباع رسوله على جهة الاعتذار ﴿قالوا﴾ أي قالت الملائكة لهم ﴿ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها﴾ أي فتخرجوا من أرضكم ودوركم وتفارقوا من يمنعكم من الإيمان بالله ورسوله إلى أرض يمنعكم أهلها من أهل الشرك فتوحدوه وتعبدوه وتتبعوا رسوله وروي عن سعيد بن جبير أنه قال في معناه إذا عمل بالمعاصي في أرض فأخرج منها ثم قال تعالى ﴿فأولئك مأواهم جهنم﴾ أي مسكنهم جهنم ﴿وساءت﴾ هي أي جهنم ﴿مصيرا﴾ لأهلها الذين صاروا إليها ثم استثنى من ذلك فقال ﴿إلا المستضعفين﴾ الذين استضعفهم المشركون ﴿من الرجال والنساء والولدان﴾ وهم الذين يعجزون عن الهجرة لإعسارهم وقلة حيلتهم وهو قوله ﴿لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا﴾ في الخلاص من مكة وقيل معناه لا يهتدون لسوء معرفتهم بالطريق طريق الخروج منها أي لا يعرفون طريقا إلى المدينة عن مجاهد وقتادة وجماعة من المفسرين ﴿فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم﴾ معناه لعل الله أن يعفو عنهم لما هم عليه من الفقر ويتفضل عليهم بالصفح عنهم في تركهم الهجرة من حيث لم يتركوها اختيارا ﴿وكان الله عفوا﴾ أي لم يزل الله ذا صفح بفضله عن ذنوب عباده بترك عقوبتهم على معاصيهم ﴿غفورا﴾ أي ساترا عليهم ذنوبهم بعفوه لهم عنها قال عكرمة وكان النبي يدعو عقيب صلاة الظهر اللهم خلص الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة وضعفة المسلمين من أيدي المشركين.